عن جدار الرئيس "الخائف"

شهية الرئيس التركي لا تنتهي في قضم الأراضي السورية.

مسترخياً في العاصمة أمر جيشه ببدء الهجوم، لم تكن هذه المرة كسائر المرات السابقة فيما يتعلق بالجغرافية ولكن الهدف هو نفسه وهو الشعب الذي يكرهه الرئيس أينما كان، سواء في تركيا، ام في سوريا وكذلك في العراق وإيران وحتى في الموزمبيق وجنوب المريخ فهو نفسه من عارض على تدريس اللغة الكردية في جامعة طوكيو وهي التي تبعد عن عينيه ما يقارب الـ9 آلاف كم.

لم تكن الساعة قد بلغت الرابعة بعد لا بل كانت تحتاج لـ 15 دقيقة أخرى لتبلغها، حينها بدأت طائرات جيش "الرئيس" العضو في الناتو بقصفها العشوائي داخل المدينة الصغيرة المشتهرة بزيتونها والهادئة بطبيعتها، في القصف لا فرق بين المدني والعسكري، ولا بين الحجر والبشر، ولا بين المشفى والمدرسة ولا حتى بين الطفل والكهل فكلهم إرهابيون كما يقول الابن اللاشرعي- وهو اكثر تنظيم إرهابي عرفته البشرية- لدولة "الرئيس" فكلهم "كفار ومرتدون" وذبحهم حلال.

جاب الرئيس عواصم ودول كثيرة ورصع حملته الاحتلالية بأوسمة عديدة بعضها مكتوب عليها "ضوء اخصر"، والبعض الآخر مكتوب عليها "لا ارى، لا اسمع، لا اتكلم". اما الأوسمة الملفتة فهي التي أثنت على الرئيس مساعيه في "إنهاء الإرهاب" وربتت على كتفه مؤيدة مساعيه في تغير الهوية الحقيقية لهذه الارض التي تقع في الشمال الغربي من سوريا وذلك بعد قتل وتهجير اهلها والبدء بالتغيير الديمغرافي وتوطين من يحلو له ولمشاريعه الاحتلالية.

دافع المقاتلون عن مدينتهم وبأسلحتهم البسيطة لما يقارب الشهرين واقفين في وجه جيش "الرئيس" الذي لم يدخر جهداً في تدمير المواقع الأثرية، استهداف البنية التحتية والمرافق الحيوية، قصف المدارس التي درست فيها اللغة الكردية فكيف تدرس هذه اللغة المحرمة لذلك لابد من تدمير هذه المدارس... هكذا كانت سياسة الرئيس وكذلك أوامره..

في الثامن عشر من اذار/مارس اعلن الجيش التركي احتلاله لمدينة عفرين بعد تهجير ما يقارب الـ300 الف مدني من قراهم ومدينتهم وبدأ جيش "الرئيس" بطمس ملامح المدينة وكان اولها تدمير تمثال الأسطورة الكردية كاوا الحداد وتستمر هذه الانتهاكات الى اليوم الراهن، واخرها بناء جدار داخل الاراضي السورية وبالتحديد حول المدينة التي غرس الزيتون في كل بقعة منها وذلك بهدف قضمها وضمها للاراضي التركية.

لكن جدار "التقسيم" هذا يوضح اعلى درجات الخوف التي وصل اليها الرئيس، فالقوات الكردية ومنذ احتلال المدينة لم تستسلم وتقوم بعمليات ضد نقاط تواجد جنود "الرئيس" او فصائله لكن التحول الملحوظ في الفترة الاخيرة هي استهداف القواعد العسكرية لجيش "الرئيس" وقتل جنوده الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه المعركة، لا بل ان قوات تحرير عفرين لم تكتفِ بذلك فقط بل وسعت نطاق عملياتها العسكرية وكان هناك استهداف داخل مناطق اعزاز وبالقرب من إدلب.

في الجهة الأخرى من الفرات والتي يستعد الرئيس لتقديم كل ما يملك في سبيل دخولها، فالمنطقة الآمنة أو الأمنية وحتى العازلة جميعها مسميات مختلفة لمشروع احتلالي جديد يهدف اليه الرئيس متحدثاً عن حجج واهية حتى امينته والتي تنام بجانبه يومياً لا تصدقها، ابرزها حماية الحدود الجنوبية من تهديدات مصدرها الإراضي السورية بالرغم من ان هذه الحدود كانت الأكثر أمنا على طول سنوات الازمة السورية، لا بل على العكس حدوده لم تكن آمنة على الشعب السوري فعبر تلك الحدود دخل الالاف من الإرهابين الى داخل الإراضي السورية ملتحقين بتنظيم "داعش" الإرهابي وانا نفسي قابلت العشرات منهم ويعترفون بذلك علانيةً.

الجدار يعكس خوف الرئيس، فهو يريد الاحتفاظ بالمناطق التي احتلها، فيما يبدو بإنه لن يستطيع تطبيق نفس الامر في شرقي الفرات، وهو الذي يعيش اسوأ ايامه طيلة عمر الأزمة السورية، فعلاقته مع الحليف في الناتو ليست في أفضل حالاتها بسبب الصورايخ التي يعتزم شرائها من غريمتها روسيا، وهي نفسها التي فشل الرئيس معها في تنفيذ اتفاق إدلب، وتعيش اليوم على صفيح ساخن قد ينفجر الوضع فيها في اي لحظة وتنفجر معها آمال الرئيس في قضم المزيد من الاراضي السورية على غرار لواء اسكندرون.

* الكاتب صحفي كردي سوري، يعمل في قناة روناهي الفضائية كمراسل ميداني وكان شاهداً على الاحتلال التركي لمدينة عفرين