عن جريمة قتل عمدة طهران لزوجته

حكاية سنونوة طهران ميترا أستاد التي انتهت بمأساة، ليست إلا فصلاً من فصول قلة الأدب السياسي التي ينسجها جهاز الاستخبارات في تنظيم الحرس الثوري الإيراني وهي تذكّر بإحدى روائع الأدب السياسي العالمي سنونوات كابل.

بقلم: بادية فحص

انتهت حياة أشهر “سنونوات طهران” ميترا أستاد (35 عاماً) برصاصتين اخترقتا صدرها، بعدما قرر زوجها عمدة طهران السابق محمد علي نجفي وضع حد لحالة الابتزاز التي حاصرته بها منذ زواجهما في العام الفائت.

نجفي سياسي إصلاحي، تبوأ مناصب متقدمة في عدد من الحكومات الإيرانية، وشغل منصب وزير للتربية والتعليم العالي على مدى عشر سنوات، وعمل أيضاً مستشاراً لرئيس الجمهورية الأسبق محمد خاتمي، إضافةً إلى مسؤوليات استشارية أخرى، وانتزع رئاسة بلدية طهران في الانتخابات الأخيرة من يد المحافظين، منهياً بذلك عقداً كاملاً من سيطرة المحافظين عليها.

في آذار العام الماضي تقدم نجفي باستقالته للمرة الثانية، من مركز عمدة طهران، كان قد تقدم بها قبل أشهر ولم يحصل على الموافقة، مخلفاً بذلك عاصفة من التساؤلات لدى فريقي السلطة، المحافظين والإصلاحيين. ورغم تمنيات العودة عن الاستقالة التي انهالت عليه من كل صوب، ظلّ متمسكاً بقراره، بحجة المرض (القلب) والتقدم في السن (67 عاماً).

ومنذ استقالته، لزم نجفي بيته، وابتعد تماماً عن الإعلام، وآثر عدم ممارسة أي نشاط سياسي أو اجتماعي، وقد باءت كل محاولات رئيس الجمهورية حسن روحاني بإقناعه بالعدول عن رأيه، وإغرائه بعدد من المناصب الحكومية الجديدة، بالفشل.

حينها، ظنّ من حوله، أنه يريد التفرغ لحياته الزوجية الجديدة، خصوصاً أن زوجته الثانية (التي قتلها) تصغره بأكثر ثلاثين سنة تقريباً. لكن في الحقيقة، لم يكن زواج نجفي أكثر من فخٍ محكم، دبّره له جهاز الاستخبارات في تنظيم الحرس الثوري، عبر سنونوته الفاتنة ميترا أستاد.

فالسنونوة المغدورة هي واحدة من أكثر الجاسوسات أو السنونوات نشاطاً وذكاءً وجمالاً، لدى التنظيم، تم اختيارها للإيقاع بعدد من المعارضين وحتى ببعض الشخصيات المشاغبة المحسوبة على المحافظين، لكن المخطط لم ينجح إلا مع نجفي، الذي وقع أسير جمالها ودلالها من اللحظة الأولى، ويقال إنها هي أيضاً، أغرمت به، فقررا الارتباط.

لكن لم تنته القصة هنا، فالسنونوة ظلت محافظة على علاقتها بالتنظيم، واستخدمت الصور ومقاطع الفيديو الفضائحية التي التقطتها لعشيقها، كمادة لابتزازه والتحكم بحياته. فمنعته من رؤية ابنته الوحيدة، والتواصل مع أصدقائه (الإصلاحيين) وأجبرته على التراجع عن كشف ملفات فساد وسرقة في بلدية طهران، وربما هي – بطلب من استخبارات التنظيم – التي دفعته إلى تقديم استقالته من رئاسة بلدية طهران.

في عطلة عيد الفطر، عاد نجفي مساءً إلى بيته، في منطقة ساعادت آباد في طهران، حاملاً مسدساً غير مرخص، دخل على زوجته وهي في حوض الاستحمام، فأطلق عليها ثماني رصاصات، استقرت اثنتان منها في صدرها، ثم استدار بأعصاب باردة خارجاً من منزله نحو مركز الشرطة، حيث سلّم مسدسه معترفاً بفعلته، وحين سأله المحقق، الذي استقبله في مكتبه وقدم له كوباً من الشاي، لماذا أقدم على هذا العمل، فأجابه: “بسبب خلافات عائلية”.

المفارقة، أن المحافظين (الخصوم) صدقوا رواية نجفي، وتعاملوا مع الحادثة بكثير من التفهم وسعة الصدر، أما تنظيم الحرس فلم يصدر عنه أي تعليق. وهم الآن مشغولون بإسكات الأصوات التي تحاول التحري عن الموضوع- الجريمة.

ذلك أن جهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري، ينفي بشكل قاطع وباستمرار، أنه يعمد إلى تجنيد النساء جنسياً في عمليات التجسس، تجنباً لغضب رجال الدين، أو ربما إحراجهم، وحفاظاً على سمعة الجمهورية الإسلامية في الداخل والخارج. لكن الوقائع أو الوثائق تشهد، أنه منذ بدأ يتحكم بمفاصل الدولة، أنشأ جهازاً استخباراتياً متيناً، عماده من أرامل شهداء الحرب الإيرانية العراقية، وأطلق عليه اسم “السنونوات”، وهو جهاز ذو منافع كثيرة، فهو من جهة، أمّن فرص عمل لجيش الأرامل الذي خلفته الحرب، وأتاح لهؤلاء الأرامل من جهة أخرى، إشباع احتياجاتهن الجنسية عبر عقود المتعة التي يقمنها مع الضحية، أما المنفعة الأكبر فهي الإيقاع بالشخصيات المعارضة للنظام، وإنهاء حياتهم السياسية، فحين يضع التنظيم خصماً ما ضمن دائرة الاستهداف، يطيّر صوبه إحدى سنونواته، فتظل السنونوة تحوم حوله، مستخدمة كل إمكاناتها الأنثوية وقدراتها الجنسية، حتى توقعه في حبائلها، وتقوم بطريقة محترفة بتوثيق كل ما يدور بينهما، وتقدمه لمشغيلها.

يشعر نجفي للمرة الأولى منذ ارتباطه المشؤوم – كما تصفه الصحافة المعارضة-  أنه في موقع القوة، وأن أي حكم لا يكون لصالحه، سيدفعه إلى إفشاء السرّ المحرم، أي أن جريمته ساعدته على الانتقال من موقع الضحية إلى موقع الجلاد، إضافة إلى أن الجميع كانوا يتوقعون أن تنتهي حياة السنونوة الفاتنة، بهذه الطريقة المأساوية أو الدموية، فهكذا عادة تنتهي حياة الجواسيس.

حكاية “سنونوة طهران” ميترا أستاد، التي انتهت بمأساة، ليست إلا فصلاً من فصول “قلة الأدب السياسي” التي ينسجها جهاز الاستخبارات في تنظيم الحرس الثوري الإيراني، وهي تذكّر بإحدى روائع الأدب السياسي العالمي “سنونوات كابل” التي كتبها الجزائري محمد مولسهول (ياسمينة خضرا) والتي تبدأ برجم امرأة أفغانية حتى الموت. المشترك بين القصتين، رغم اختلاف وعي بطلتيهما لمفهوم الكرامة الإنسانية، أن النساء في كليهما ضحايا الاستبداد الديني والفكر الذكوري.