عن جهلنا.. ذاك المقدس!

لهدر الدماء ألف سبب وسبب في شرقنا البائس، الغارق بأوهامه وعصبياته التافهة لا شيء يعلو على دين وطائفة ومذهب كل واحد منا ندخل الشرع والمباح والحلال والحرام والمستحسن في كل فاصل نهدي أحوالنا الشخصية لرجال دين نقدم علاقاتنا الإنسانية هدية لهم.

بقلم: يارا الأندري

أخطر أنواع الجهل ذاك المغطى بالمقدس، المكفن بالغرائبيات، المدثر بتغييب العقل، بإيمان أعمى. هو ما نراه غالباً في مجتمعاتنا المنكوبة، المتلذذة بقهرها، وقعرها على السواء. ذاك السلاح الفتاك الذي يستله سياسيونا بين الفينة والأخرى، استنهاضاً لشعوبهم النائمة، ونكئاً في جرح الطائفة.

للمهمة دوماً هدف واحد، ولفاعليها ألف وجه ووجه، ممسوخ بجهله، ألف اسم واسم، قبضات تعلو وأفواه مسمومة تصيح ثأراً .في لبنان، والعراق، وغداً سوريا وبعدها فلسطين وغيرها لكننا شعوب عصية على التعلم.

سبقتنا أوروبا في عصور ظلامها ومحاكم التفتيش، وغلو كهنتها، وبعدها بمئات السنين في حربها العالمية الأولى التي جرت بحراً من الجثث، وثمناً باهظاً فاق الـ 16 مليون قتيل، و20 مليون جريح ومصاب.

لكن جرحها النازف لم يختم إلا على قيء، فأتت جولة جنون أخرى، حتى أضحت مدركة عقم الحروب وعبثية العصبيات و"العقائد" العقيمة. أما نحن فلا زلنا نصيح، وندك أفواه البنادق، كلما استفزنا رسم أو كتاب أو خطاب أو ... أو مسيحي أو مسلم أو بوذي.

فلهدر الدماء ألف سبب وسبب في شرقنا البائس، الغارق بأوهامه وعصبياته التافهة. لا شيء يعلو على دين وطائفة ومذهب كل واحد منا، ندخل الشرع، والمباح والحلال والحرام، والمستحسن في كل فاصلة. نهدي أحوالنا الشخصية لرجال دين، نقدم علاقاتنا الإنسانية هدية لهم، لا نستثني واحدة منها، من العلاقة بين الأم وابنها إلى ارتباطاتنا وزواجاتنا.

نهديهم رقابنا الممدودة، ورؤوسنا المطأطئة على طبق انهزام "مقدس"، نمسك بأيديهم ونشدها على رقابنا، منتشين. بالأمس ضجت في لبنان مسألة حضانة الأم لطفلها، بعد أن انتشر فيديو لرجال أمن ينفذون أمر محكمة شرعية، بأخذ طفل السنتين عنوة من حضن أمه، واصطحابه إلى والده.

لم تتحرك مشاعرنا سوى لصوت الطفل ينده "ماما"، ونحيب أم. لم ننتبه لقهر ممارس على الأمهات في لبنان وغيره باسم المحاكم الشرعية إلا اليوم، بعد الفيديو الذي انتشر، فقط لأن الأم محامية والأب رجل أمن مرموق!

هو ذا خبثنا يتجلى، وتواطؤنا أيضاً، وبعد، أكتب هذا المقال في المطار متوجهة إلى بيروت، لدفن عمة، سيصلى على جثمانها كاهن لا يعرفها على الأرجح، لكن هذا لن يمنعه من أن يكيل لها المزايا والصفات الحسنة. غريب كيف ندرك أننا سلمنا مفاصل حياتنا لهم. لكننا نظل نتفاجأ!

عن العربية نت