عن موقف الأزهر.. لا بديل عن تغيير الخطاب الديني

شيخ الأزهر دافع عن مذهب الأشعرية وهو منهج وسط بين دعاة العقل والجامدين عند حدود النص وظاهر ولكنه اجتهاد بشر يخطئ ويصيب.

بقلم: صلاح الغزالي حرب

تابعت جلسة المؤتمر العالمي لتجديد الفكر الديني، الذي دعا إليه الأزهر الشريف واستوقفني ذلك الجدال بين شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة، والذي أظهر أن هناك فجوة كبيرة بين نمطين من التفكير في الشأن الإسلامي تحتاج إلى ما هو أكبر من المؤتمر العالمي.

أولا.. لم أسترح لملاحظات شيخ الأزهر على أستاذ فلسفة الأديان بشأن طريقة إعداده للخطاب وتعليقه على الكتاب الذي أهداه إياه، وكذا تشبيه تجديد الفكر الديني بتجديد منزل الوالد وهو تشبيه خانه التوفيق من الجانبين.

ثانيا.. ذكر د. الطيب أن تعليمات الإسلام أصبحت محصورة عندنا في الزواج والطلاق والتوريث أما ما عدا ذلك فهو منسوخ من الغرب بدءا من عادات الطعام إلى استخدام السيارات وطرق التعليم وغيرها، ولا أدري هل كان علينا أن نتمسك بحياة العرب منذ أكثر من 1400 عام كي نصبح مسلمين حقا؟! ثم أشار سيادته عابرا إلى فشلنا في مجال الصناعة بحيث لا نستطيع صناعة إطار سيارة على الرغم من دراسة العلوم والهندسة والطيران وغيرها من العلوم الحديثة، ولم أفهم العلاقة.

ثالثا.. دافع شيخ الأزهر بقوة عن مذهب الأشعرية باعتباره منهج الأزهريين وهو منهج وسط بين دعاة العقل المطلق (المعتزلة) وبين الجامدين عند حدود النص وظاهره، ولكنه في حقيقته اجتهاد بشر يخطئ ويصيب ويكفيني كإنسان مسلم أن أقول إني مسلم وكفي فالإسلام لا يعرف التحزب ولا التمذهب.

رابعا.. غضب شيخ الأزهر مما سماه الهجوم المتواصل على التراث الإسلامي، والتراث كما أفهمه هو ببساطة خلاصة ما خلفته (ورّثته) الأجيال السابقة إلى الأجيال الحالية، وهو في الإسلام تراث ثابت هو القرآن الكريم بمبادئه الكلية مثل العدل والحرية والمساواة وغيرها، وتراث متغير يشمل اجتهادات العلماء السابقين في فهم نصوص القرآن وتطبيقها على الواقع وكذا الأحاديث النبوية الشريفة وهو في نهاية المطاف جهد إنساني متواصل عبر التاريخ وسوف يستمر إلى يوم الدين، ومن واجبنا تجاه الأجيال المقبلة أن نسهم- كل حسب تخصصه وتفكيره- في التغيير والتعديل طبقا لمقتضيات العصر، ولذلك فقد عجبت وأسفت لغياب بعض الشخصيات ذات الثقل الديني المحترم مثل د سعد الدين الهلالي وغيره عن حضور مثل هذا المؤتمر الذي يفترض أنه يجمع كل الآراء فمن المسؤل؟.

هالني وأفزعني ما جاء في وسائل الاتصال الاجتماعي بعد هذه المحاورة من المعارضين والمؤيدين من ألفاظ وعبارات تخرج عن كل حدود الأدب، ويبدو أنهم نسوا قول الله سبحانه وتعالى (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ)، وخاصة إذا علمنا أن كلا المتحدثين من أساتذة الجامعة الأجلاء.

إن كل ما حدث ويحدث في المجتمع المصري هو في رأيي نتيجة مباشرة للاحتكاك مع الفقه الوهابي المتشدد منذ منتصف السبعينيات والذي استغلته بقوة جماعة الشر لنشر سمومها في أرض الكنانة توطئة للاستيلاء على الحكم بعد الاستيلاء على عقول الناس، وبالفعل فقد بدأت أولا بالعمل على نشر الحجاب على أنه فريضة إسلامية وكأن جدودنا لم يكونوا من قبل مسلمين، كما جاء في حديث الزعيم الراحل عبد الناصر حين أخبره مرشدهم الأسبق بضرورة تحجيب المصريين ولكنه رفض.. ثم سمعته بنفسي من القيادي المحبوس عصام العريان في مكتبي بقصر العيني حيث قال «يكفينا أننا نجحنا في نشر الحجاب كوسيلة لنشر فكر الجماعة»، وكلنا يعلم أنه لا يوجد ما يسمي زى إسلامي على الإطلاق.. لا حجاب ولا نقاب وكل ما ورد في هذا الشأن هو ضروة التحشم واحترام وصيانة الجسد الإنساني من العبث للرجل والمرأة على السواء، وعلى كل مسلم أن يطبق ذلك بالكيفية إلى يراها ثم يكون حسابه في نهاية المطاف عند ربه سبحانه وتعالى، أما ما عدا ذلك فقد كان مقصورا على زوجات الرسول الكريم باعتبارهن أمهات المؤمنين،. ثم أعقب ذلك كل أشكال التدين الشكلي من لحية وجلباب وكذا في طريقة التخاطب والمصافحة وغيرها.

إننا في حاجة ماسة إلى فكر جديد يتوافق مع العصر وفي نفس الوقت يظهر عظمة الإسلام الحقيقية في الحث على طلب العلم وإعمار الأرض والتمسك بالقيم العليا.. الحرية والعدالة والصدق والإخلاص والرفق والأمانة وغيرها.

نُشرت في المصري اليوم