عودة التوتر إلى السويداء تكشف هشاشة الوضع الأمني رغم اتفاق التهدئة

محاولة احتواء الوضع من قبل الحكومة السورية، مدعومة بجهود مشايخ العقل ووجهاء الطائفة الدرزية لم تنجح حتى الآن في نزع فتيل الأزمة بالكامل.
الاشتباكات تؤكد أن هناك مجموعات مسلحة داخل السويداء لا ترغب في التهدئة

دمشق - عادت التوترات الأمنية في سوريا لتتصدر المشهد مجددًا خاصة في المناطق الدرزية فقد شهدت بلدة الثعلة في ريف السويداء الغربي، صباح الأحد، قصفًا بقذائف الهاون سقط بعضها في محيط المطار العسكري، وسط أنباء عن اشتباكات على أكثر من محور في المنطقة بينما كانت الأنظار متجهة إلى الجنوب السوري لمتابعة تنفيذ اتفاق التهدئة الذي جرى التوصل إليه مؤخرًا بين وجهاء محافظة السويداء والحكومة الانتقالية.
وبات واضحًا أن المشهد السوري بمجمله يتسم بهشاشة أمنية مقلقة، حيث يمكن لأي تطور ميداني أو احتكاك محلي أن يُشعل فتيل تصعيد واسع. فغياب الاستقرار الحقيقي، وكثرة الأطراف المسلحة غير المنضبطة، وضعف حضور الدولة في بعض المناطق، يجعل البلاد عرضة لانفجارات أمنية في أي لحظة، حتى في المناطق التي شهدت هدوءًا نسبيًا في السابق.
ورغم أن هذا التصعيد يأتي بعد إعلان محافظ السويداء مصطفى البكور دخول الاتفاق حيز التنفيذ رسميًا، فإن الهجمات الأخيرة تعكس بوضوح أن الأزمة في السويداء لم تُطو بعد، بل قد تكون مرشحة لجولات جديدة من التوتر، في ظل تعقيد المشهد الميداني وتضارب الولاءات داخل المحافظة.
ولم تفلح محاولة احتواء الوضع من قبل الحكومة السورية، مدعومة بجهود مشايخ العقل ووجهاء الطائفة الدرزية، حتى الآن في نزع فتيل الأزمة بالكامل. ورغم ما تبديه دمشق من نوايا لتسوية الأوضاع وإعادة فرض سيطرة الدولة، إلا أن المعضلة الأكبر تبقى في تعدد الفصائل المسلحة المحلية، وتباين أهدافها، ووجود قوى رافضة لأي حل لا يُكرّس نفوذها على الأرض.
وقد أظهرت الاشتباكات الأخيرة أن هناك مجموعات مسلحة داخل السويداء، لا ترغب في التهدئة ولا ترى في جهود التسوية سوى تهديد لمصالحها، بل وتعتبر التوتر وسيلة ضغط لتحقيق مكاسب ميدانية أو سياسية، وهو ما يضع الحكومة أمام تحدٍّ بالغ الصعوبة في فرض هيبة الدولة داخل واحدة من أكثر المحافظات حساسيةً طائفية وسياسية.

ولا تقتصر المسألة على الوضع الأمني في السويداء فحسب، بل تفتح مجددًا ملف الأقليات في سوريا، الذي بات يمثل إحدى أعقد أزمات الدولة السورية بعد أكثر من عقد على اندلاع الصراع. ففي الوقت الذي تحاول فيه السلطات إظهار البلاد كدولة موحدة تتعافى تدريجيًا، تظهر الأزمات المتكررة في مناطق الأقليات كـ"شوكة في الخاصرة"، تهدد بإضعاف هذا المسار.
ويتقاطع التوتر في السويداء مع حوادث سابقة شهدتها مناطق الساحل السوري ذات الغالبية العلوية، والتي تعرضت في فترات متفرقة لهجمات، وكذلك مع التوترات التي عاشها الشمال الشرقي حيث المكوّن الكردي حاضر بقوة. وفي جميع هذه الحالات، بدا أن مركز الدولة غير قادر على فرض نفوذه الكامل أو تحقيق توازن بين المصالح المحلية والوطنية، وهو ما أفرز فراغًا ملأته الفصائل المسلحة والجهات الإقليمية.
ولا يمكن فصل ما يحدث في السويداء عن الأبعاد الإقليمية، خصوصًا في ظل الاتهامات المتكررة لإسرائيل بمحاولات استغلال ملف الأقليات لتقويض استقرار الدولة السورية. فقد اتُهمت تل أبيب مرارًا بدعم بعض الجهات المحلية في الجنوب السوري، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بهدف تكريس حالة من الانفصال الرمزي أو الفعلي، والضغط على دمشق في ملفات أمنية وسياسية أخرى.
كما أن تحركات بعض المجموعات داخل السويداء، التي تتبنى خطابًا انفصاليًا أو معاديًا للسلطة المركزية، تجد في الخطاب الإسرائيلي ما يشبه الدعم غير المعلن، ما يضيف مزيدًا من التعقيد إلى الوضع، ويجعل من أي تهدئة مرهونة بقرارات خارجية، وليس فقط بالتفاهمات الداخلية.
ورغم التصريحات الرسمية التي تتحدث عن حزم في التعامل مع الخارجين عن القانون، فإن واقع الحال يُظهر أن الدولة السورية تواجه أزمة شرعية في بعض المناطق، تتجلى في العجز عن فرض القانون، أو في اضطرارها للتفاوض مع جماعات مسلحة محلية لكسب الوقت وشراء الهدوء.
والأخطر أن استمرار هذا النهج يُكرّس مبدأ "الدولة الضعيفة" في أذهان السوريين، خاصة في مناطق الأطراف، ويُشجع على بروز سلطات موازية، مستفيدة من التراخي الحكومي أو من طبيعة النسيج الطائفي والاجتماعي لتلك المناطق.
وما يجري في السويداء ليس حدثًا معزولًا، بل هو امتداد لخلل هيكلي في إدارة التعدد السوري، وفي غياب استراتيجية حقيقية لاستيعاب الأقليات ضمن مشروع وطني جامع. فبينما تبذل الحكومة جهودًا واضحة على الأرض، تبقى هذه الجهود منقوصة، ما لم تُعزّز بمشروع سياسي شامل يُعيد الثقة للدولة ويضمن سيادتها الكاملة، بعيدًا عن المعالجات الأمنية المؤقتة أو الصفقات المحلية الهشة.