عودة بث مسلسل التجسس "غاندو" رسالة إيرانية حول الاتفاق النووي

مسلسل جاسوسية إيراني يعود إلى شاشة التلفزيون الحكومي بعد توقفه لأشهر من دون إعطاء أي تفسير، بعدما أثار هذا العمل جدلا سياسيا إذ امتدحه المحافظون المتشددون بينما انتقده المعتدلون.
مسلسل يضخّم بطولات الحرس الثوري وينتقد مفاوضات الاتفاق النووي
"غاندو" يقدم مسؤولين في حكومة روحاني في صورة مجموعة شخصيات جبانة وفاسدة

طهران - مسلسل الجاسوسية الإيراني "غاندو" المثير للجدل يحدث ضجة كبيرة مرة أخرى في البلاد مع عرض بقية حلقاته وسط تساؤلات عن أية قيمة لعرض المسلسل بعد أيام قليلة من فوز المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي بالانتخابات الرئاسية وتعيين حكومة جديدة خلفا لحكومة روحاني التي يستهدفها المسلسل.

وشرعت المحطة في عرض الحلقات المتبقية من الموسم الثاني في يوليو. وتُعرض كل أسبوع خمس حلقات مدة كل منها 45 دقيقة. ويقول متابعون إن عرض المسلسل في هذا الوقت يفقده الكثير من المتعة خاصة وأن الجدل الذي دار في السابق كان سببه أنه  يمجّد الحرس الثوري وينطوي على هجمات وتلميحات ضد الحكومة (حكومة الرئيس السابق حسن روحاني).

وقد قيل حينها إنه يستهدف بشكل أساسي عدم ترشح وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف للانتخابات الرئاسية التي فاز فيها إبراهيم رئيسي. ويرجح مراقبون أن تكون الغايةمن استئناف عرض المسلسل هي توجيه رسالة للغرب بخصوص الموقف الإيراني من عودة المفاوضات بشأن الاتفاق النووي.

ويُعتبر روحاني مهندس سياسة الانفتاح التي أفضت عام 2015 إلى إبرام الاتفاق الدولي مع إيران في شأن برنامجها النووي، لكنّ سياسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وتوجهات المحافظين المتشددين في الداخل الإيراني نسفت نجاحه الدبلوماسي اعتبارا من عام 2018.

واندلع جدل محتدم في شأن مسلسل "غاندو" بعد الحلقة السادسة منه في مارس الماضي، إذ تناولت جاسوسا ضمن الفريق الإيراني المفاوض في شأن البرنامج النووي. وما لبث عرض المسلسل أن توقف من دون تعليل بعد الحلقة الثالثة عشرة.

ويُطلق اسم "غاندو" على نوع من التماسيح الإيرانية، وهو يشير في المسلسل إلى البطل محمد، وهو عميل لحساب الحرس الثوري يتولى التجسس المضاد، ويكمن للأعداء كما يتأهب التمساح للانقضاض على فريسته.

ويرصد محمد وزملاؤه كل جاسوس أجنبي بمجرد وصوله إلى الأراضي الإيرانية، وخصوصا إذا كان ينتمي إلى جهاز إم آي 6 البريطاني.

ويعطي "غاندو" عن الحكومة السابقة، وخصوصا عن السلك الدبلوماسي، صورة مجموعة شخصيات وضيعة وجبانة وفاسدة.

وأعلنت السلطة القضائية نهاية شهر أغسطس عن إدانة شخصين أحدهما بتهمة "الفساد" والآخر بتهمة "التجسس" بعد التحقق من "إفشاء" بعض المسلسلات. وقالت: "كانت هناك ملفات أخرى قيد المراجعة".

وأعلنت السلطة القضائية في إيران في نهاية أغسطس الفائت إدانة شخصين، أحدهما بـ"الفساد" والآخر بـ"التجسس"، بعد التدقيق في بعض "ما كشفه" المسلسل. وأكدت أنها عاكفة على "النظر في ملفات أخرى".

ورأى عدد من المعلقين في إيران أن "غاندو" يشكّل جزءا من مناورة لزعزعة حكومة روحاني.

وبعد وقف عرض المسلسل في الربيع، أفاد بعض وسائل الإعلام الإيرانية بأن الحكومة وجهت رسالة إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي تندد فيها بالضرر الذي يسببه المسلسل لعمل السلطة التنفيذية.

واتهم عدد من الشخصيات المنتمية إلى تيار المحافظين المتشددين حكومة روحاني بالوقوف وراء وقف عرض المسلسل، وهو ما نفته الحكومة.

وقال المحلل السياسي مجيد يونسيان المقيم في طهران إن “غاندو” على مدار موسميه “عكس الحقائق وكشف عن وجود صدع في المؤسسة وخلافات في النظام الحاكم”.

 ووصف وزير الخارجية في حكومة روحاني محمد جواد ظريف الذي تعرّض للسخرية في حلقات الموسم الأول عام 2019 ، "غاندو" بأنه "كذبة من البداية إلى النهاية" تسببت له شخصيا بإساءة بالغة.

أما صحيفة "كيهان" المحسوبة على المحافظين المتشددين فأشادت من جهتها في أغسطس بما كشفه "غاندو" وخصوصا في ما يتصل بعلاقات "كبار المسؤولين" مع السفارات الأجنبية "وأبرزها السفارة البريطانية".

وتعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل أبرز عدوين للجمهورية الإسلامية، وليست لأي منهما سفارة في طهران، خلافا لبريطانيا.

ويُستهل الموسم الثاني بمشهد في مكان صحراوي يلمح إلى أن عملاء فرنسيين سلّموا طهران المعارض الإيراني في المنفى روح الله زم الذي أعلن الحرس الثوري توقيفه عام 2019. وما لبث زم الذي عاش سنوات في فرنسا أن أعدم شنقا في ديسمبر 2020.

يتناول المسلسل مطاردة الجاسوسة البريطانية شارلوت التي تعمل في طهران تحت غطاء دبلوماسي.

وكما في المسلسلات الأميركية من هذا النوع، يدير خبراء التجسس المضاد في الحرس الثوري عملياتهم من قاعة كبيرة مجهزة بأحدث الشاشات.

وأشارت وكالة فارس للأنباء المعروفة بأنها قريبة من المحافظين المتشددين إلى أن شارلوت تمثل في الواقع الباحثة الأسترالية البريطانية كايلي مور غيلبرت التي دينت بالتجسس لحساب إسرائيل وأفرجت عنها طهران عام 2020 بعد عامين من الاحتجاز ضمن صفقة تبادل للسجناء مع ثلاثة إيرانيين مرتبطين بمشروع عملية تفجير في بانكوك.

ولا يتردد المسلسل في كسر أحد المحرمات. فمع أن الحجاب في الجمهورية الإسلامية إلزامي لجميع النساء في الأماكن العامة، ومع أن الرقابة تفرض على الممثلات وضع الحجاب في كل الظروف، تظهر شارلوت التي تؤدي دورها ممثلة منتمية إلى الأقلية المسيحية الأرمنية حاسرة الرأس في مشاهد داخلية عدة.

وكتب السفير البريطاني الجديد سايمون شيركليف في 28 أغسطس في منشور باللغة الفارسية على حسابه عبر تويتر "على أي حال ، أحب حقا الموسم الثاني من غاندو ...". وما كان من رئيس دائرة الإنتاج السمعي والبصري الإيرانية عبد العالي علي أصغري إلا أن رد عليه الأحد قائلاً : "إذا كان يقدر (المسلسل)، نقترح أن تعرضه هيئة الإذاعة البريطانية".

ومع اقتراب الموسم الثاني من نهايته، بدأ الحديث منذ اليوم عن جزء ثالث عن المفاوضات النووية.