
غزة تبحث عن حلول دائمة لأزمة شح المياه
غزة (فلسطين) - تشهد مصادر المياه في غزة تراجعا عاما بعد عام بسبب الارتفاع الحاد في نسب الأملاح وتلوثها بالنيترات ولمعالجة ذلك بدأ القطاع بالبحث عن حلول غير تقليدية وجدها في بعث محطات لتحلية المياه.
وفي ظل ارتفاع ملوحة مياه الآبار الجوفية بنسب مُضاعفة تدور على مدار الساعة الآلات في محطة تحلية مياه البحر لتزويد سكان المحافظات الجنوبية من القطاع بمياه الشرب.
وتعتبر تحلية المياه في غزة ضرورة ملحة لمجابهة النقص الحاصل على مستوى توفير الماء الصالح للشراب، حيث كشفت الأمم المتحدة في تقرير لها أن "القطاع سيصبح منطقة غير صالح للعيش والحياة وعليه في العام 2020 فإن ما تبقى أي حوالي 3 في المئة من المياه الصالحة للشرب ستنفد في ذلك الوقت"، وفقا لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).
وقال المرصد الأورو متوسطي والمعهد العالمي للمياه والبيئة والصحة (GIWEH) في بيان مشترك أمام مجلس حقوق الإنسان الدولي في أكتوبر/تشرين الأول لعام 2021 إن97 في المئة من المياه في غزة غير صالحة للشرب، مشيرا إلى أن التدهور الخطير للأمن المائي في القطاع سببه الحصار الإسرائيلي طويل الأمد.
ولفت أحمد الرباعي مدير محطة تحلية مياه البحر للمحافظات الجنوبية إلى أن المحطة بدأت بتزويد سكان مدينتي رفح وخانيونس بالمياه المُحلّاة منذ عام 2016، موضحا أن تأسيسها استغرق نحو الثلاث سنوات وأن تكلفتها قدرت بـ7 ملايين دولار بتمويل من الاتحاد الأوروبي وتنفيذ يونيسف.
وأضاف أن هذه المحطة تُغذي نحو 100 ألف نسمة من محافظتي رفح وخانيونس بمياه البحر المُحلّاة بكميات تصل إلى 6 آلاف متر مكعب يوميا، مفسرا أن المحطة تستخدم مياه البحر وتعمل على معالجتها وتحليتها لتتطابق في نتائجها النهائية مع المعايير والمواصفات العالمية للمياه والتي أقرتها منظمة الصحة العالمية وفلسطين.
ومن المتوقع أن يصل حجم المستفيدين من خدمات هذه المحطة إلى نحو ربع مليون نسمة بعد الانتهاء من أعمال التطوير والتوسعة الجارية لها.

وأوضح الرباعي أن "هناك أعمال توسعة للمحطة لإنتاج نحو 14 مليون متر مكعب يوميا من المياه المحلّاة ليصل إجمالي كميات المنتج يوميا حوالي 20 ألف متر مكعب".
وتعد هذه المحطة واحدة من بين ثلاث محطات صغيرة الحجم تم البدء في تأسيسها بمحافظات مختلفة من قطاع غزة مع بداية عام 2014.
تقع المحطة الأولى وسط القطاع وتخدم المحافظات الجنوبية، تم تأسيسها بتمويل من الاتحاد الأوروبي وتنفيذ منظمة الأمم المتحدة للطفولة 'يونيسف' والثانية موجودة في المحافظة الوسطى وهي بتمويل من الحكومتين النمساوية والأميركية، أما الثالثة فهي بشمالي القطاع وتم تأسيسها بتمويل من بنك التنمية الإسلامي بجدة. وتزود هذه المحطات نحو 35 في المئة من سكان القطاع بالمياه الآمنة الصالحة للشرب.
وذكر الرباعي أن كميات المياه المنتجة مقارنة مع أعداد السكان قليلة، مؤكدا أن "قطاع غزة بحاجة لمزيد من محطات تحلية مياه البحر لتزويد السكان بالمياه الآمنة"، مشيرا إلى أنه نظرا لقلة كميات المياه المنتجة حاليا يتم خلط المياه المُحلّاة مع مياه الآبار الجوفية، لتصل إلى المواطن بملوحة قليلة قابلة للشرب والاستعمال المنزلي.
ودقت المنظمات المعنية بالمياه في القطاع ناقوس الخطر حول الوضع المائي منذ نحو عقدين، وفقا لمنذر شبلاق المدير العام لمصلحة مياه بلديات الساحل (غير حكومية).
وتستهلك غزة من المياه أكثر بأربعة أضعاف من قدرة الخزان الجوفي، ما يؤدي إلى هبوط مستمر في مستويات المياه الجوفية.
وقال شبلاق إن "غزة تعاني من أزمة مائية حادة، حيث يتوفر مصدر واحد لمياه الشرب وهي الآبار الجوفية التي لا تلبي احتياجات السكان في ظل الكثافة السكانية العالية بالقطاع".

وأوضح أن "الخزان الجوفي طاقته الإنتاجية يجب ألا تتجاوز 55 – 60 مليون متر مكعب سنويا، لكنها فعليا تزيد عن 200 – 220 مليون متر مكعب وذلك للاستخدام المنزلي والزراعي"، لافتا إلى أن استنزاف الخزان الجوفي تسبب بزحف مياه البحر المالحة للمياه الجوفية ما أدى إلى انخفاض متسارع في جودة المياه.
وتعاني المياه من نسبة عالية من الكلورايد وصلت إلى ألف و500 ملي غرام في اللتر في حين أن منظمة الصحة العالمية أوصت بنسبة لا تتعدى 250 ملي فقط وكذلك نسبة النترات مرتفعة لنحو 3-4 أضعاف الكميات الموصى بها من المنظمة الدولية، بحسب شبلاق.
وتابع أن أزمة المياه وانخفاض جودتها كان "متوقعا وضمن الخطة الوطنية للمياه التي تم وضعها عام 1995 والتي أوصت آنذاك بضرورة إيجاد حلول لهذه الأزمة"، مشيرا إلى أن "الواقع السياسي الفلسطيني سواء بالانقسام الداخلي أو السياسات الإسرائيلية أو الحصار تسببوا بتأخير تنفيذ العديد من المشاريع وعلى رأسها مشروع إنشاء محطة تحلية مياه البحر المركزية بغزة".
وكانت مجمل التدخلات التي جرت خلال السنوات الماضية فيما يتعلق بتوفير مياه آمنة لغزة، بعد تقرير الأمم المتحدة لعام 2011 والذي قالت فيه إن القطاع لن يكون صالحا للحياة عام 2020، حيث كان هناك استجابة من الدول المانحة لإنشاء المحطات الثلاث.
وبيّن شبلاق أن قطاع غزة كان بحاجة لمصادر غير تقليدية للمياه كـ"إنشاء محطات تحلية مياه البحر واستيراد المزيد من المياه من الخارج وتجميع مياه الأمطار وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة.. وكانت الأولوية لمحطات التحلية وذلك لحاجة السكان الماسة إليها خاصة مع وجود عدد من السكان المرضى الذين يتطلب وضعهم الصحي توفر مياه آمنة للشرب".
وبدأت عملية إنشاء تلك المحطات عام 2014 بتكلفة راوحت بين 50 – 60 مليون دولار أميركي والتي تنتج حوالي 36–37 ألف متر مكعب من المياه يوميا.
وأدت التدخلات لتحسن معقول في مناطق محددة كبعض المناطق الغربية، إذ باتت تصلها مياه ذات جودة حسب مواصفات الصحة العالمية والمواصفات الفلسطينية، وفقا للمدير العام لمصلحة مياه بلديات الساحل.
وأضاف أن تلك المياه المُحلّاة المنتجة يتم خلطها مع مياه الآبار الجوفية لزيادة الكمية وتقليل التكلفة، لتصل الكمية النهائية إلى 75 ألف متر مكعب يوميا.
وتصل المياه الآمنة للشرب إلى حوالي 35 في المئة من سكان القطاع خاصة المتواجدين في المناطق الغربية التي تزداد فيها نسب الملوحة.
وعرفت كمية المياه التي يشتريها الجانب الفلسطيني من الإسرائيلي ارتفاعا العام الماضي لتصل إلى 15 مليون متر مكعب بعد أن كانت 5 مليون فقط، بحسب شبلاق، متوقعا أن يشهد العام الحالي زيادة أيضا في كمية المياه المشتراة والواصلة إلى غزة لتصل إلى 20 مليون متر مكعب سنويا.
إلا أن محطات التحلية تواجه عددا من التحديات كونها من الحلول غير التقليدية لأزمة المياه، وفق شبلاق، قائلا إن التحدي الأكبر يتمثل في "منع دخول العديد من قطع الغيار والمواد الكيميائية التي تحتاجها المحطات حيث تصنفها إسرائيل ضمن المواد مزدوجة الاستخدام (مدني وعسكري)".
وأوضح أن المحطات تواجه تأخيرا كبيرا سواء في "مراحل الإنشاء أو فيما يتعلق بتوفير احتياجاتها لبعض المواد"، مرجحا أن يتم البدء بإنشاء محطة التحلية المركزية خلال 3 إلى 5 سنوات قادمة في حال تم تأمين كامل المبلغ اللازم لذلك.
وتتابع سلطة المياه الفلسطينية مشروع إنشاء المحطة المركزية وإن تم تأمين المبلغ من المانحين سيتم البدء بإنشائها خلال نحو الخمس سنوات القادمة.
ومع إنشاء هذه المحطة وإلى جانب خدمات المحطات الثلاث بالقطاع وكميات المياه المُشتراة من الجانب الإسرائيلي يتوقع شبلاق أن تصل المياه الصالحة للشرب إلى كافة سكان القطاع.