فبراير الأسود ومآلات أردوغان

العداء‎ لأردوغان يتزايد يوماً تلو الآخر في الداخل الأميركي وساسة أميركا أباطرة البراجماتية يعرفون كيف يقتصون من أردوغان.

بقلم: أميل الأمين

عرف‎ الشرق الأوسط عام 1970 (أيلول الأسود)، وها هي الأيام تدور ليعرف أردوغان، شباط (فبراير) الأسود، بعد الخسائر الفادحة التي مُني بها من أقصى الشرق إلى أقاصى الغرب. اكثر‎ من ثلاثين ضابطاً وجندياً من جيش أردوغان، لقوا حتفهم في إدلب، وبضع عشرات مثلهم في منطقة مطار «معيتيقة» في ليبيا، وما بينهما خسائر في الطائرات المسيرة والعتاد، عطفاً على أعداد كبيرة من المرتزقة والإرهابيين الذين دفع بهم إلى أكثر من موقع وموضع حيث خطاياه بادية وآثامه واضحة.

من‎ البديهي أن يشعر أردوغان بأنه يترنح من وقع الضربات التي لم تتوقف عند الخسائر في القوات العسكرية، بل تجاوزت ذلك وصولاً إلى الموقف السياسي، ليصبح أردوغان «عدو الجميع». حاول‎ رجل تركيا المريض أن يتلاعب على المتناقضات في إدلب، بمعنى أن يضع الناتو في مواجهة موسكو.

العداء‎ لأردوغان يتزايد يوماً تلو الآخر في الداخل الأميركي، وساسة أميركا أباطرة البراجماتية يعرفون كيف يقتصون من أردوغان، ولهذا في موقفهم مما يجري على الأرض السورية لم يبادروا إلى دعمه، وإنما فقط وضعوه بين المطرقة والسندان، مساندته دعائياً على الأكثر في مقابل تخليه عن صفقة الصواريخ «اس 400» الروسية.

القيصر‎ بوتين يراقب من بعيد ويبتسم وهو يعلم أن «الناتو» لا يمكنه التضحية بمصالح شعوب بلاده والدخول في صراع مسلح مع الروس لأجل خاطر أردوغان، الذي يتصرف كما لو أنه بيدق على رقعة ساخنة، سوف تبرد عما قليل، لا سيما حين يتوصل الكبار إلى صيغة تصون أهدافهم الاستراتيجية، ويخرج منها هو خالي الوفاض عائداً إلى الداخل بخفي حنين.

الكبار‎ من الصعب التلاعب بهم أو الدوران من خلفهم، ولعل البقية الباقية من العقلاء في الداخل التركي كفيلين بأن يذكروا الرجل الذي سيقود بلادهم إلى الهاوية بالفارق الكبير في الموازين العسكرية، وأن يقرؤوا عليه توجهات الثعلب الروسي، الذي حرك فرقاطاته الحربية المزودة بصواريخ كروز إلى البحر الأبيض المتوسط للانضمام إلى اكثر من عشرة قطع بحرية روسية على أهبة الاستعداد للدفاع عن سوريا.

ما‎ بين الجهل السياسي والحقد التاريخي ينسى البعض أو يتناسى أن القياصرة وأحفادهم لم يأمنوا يوماً شر الأتراك، وعلى الرغم من هزيمة الأخيرين في جل الحروب التي دارت بين الجانبين منذ القرن السادس عشر وحتى الآن، إلا أن الحالم بالعثمانية الجديدة لا يفيق على ما تتضمنه أضابير التاريخ وأحاجي الانتكاسات التركية.

وقت‎ كتابة هذه الكلمات كانت الأنباء تتردد عن هجمات تركية على مواقع عسكرية روسية، ولو صدقت فإنه حين ظهور السطور التالية للنور، ستكون تركيا في مواجهة من لا يرحم، فسوريا بالنسبة للروس هي الثغر الوحيد الباقي لإمبراطورية عتيدة حلمت منذ زمن بطرس الأكبر وكاترينا العظيمة بالوصول إلى المياه الدافئة على شاطئ المتوسط، الأمر الذي تحقق بامتياز في ظل العلاقة العضوية ما بين موسكو ودمشق.

حين‎ جرد القيصر قواته، لم يفعل ذلك محبة وكرامة في نظام الأسد، وإنما فعل ما فعل من أجل وقف الزحف الإرهابي، القاصد تفخيخ وتفكيك روسيا من الداخل، ومن دون أن يتكفل إطلاق رصاصة واحدة على روسيا العنقاء العائد من الرماد، بالضبط كما تم تطوي

ع جورباتشوف من قبل، لكن فات العم سام أن القيصر جنرال قارئ محترف للتاريخ، وأن ماركس أودعه وصية :«ألا يسمح للتاريخ بأن يتكرر مرتين»، لأنه لو فعلها ثانية لأصبح الوضع الروسي ملهاة بعد المأساة التي جرت بها مقادير في أوائل تسعينات القرن الماضي.

الابتزاز‎ لا يفيد والهروب إلى الأمام لن ينقذ أردوغان، وعليه فان إشعال الجبهة الأوروبية من الشرق عبر الحدود مع اليونان من خلال تصدير اللاجئين من جديد لن يخفف من وطأة أزمات الداخل، وتصدير الإرهاب لأوروبا من الجنوب عبر ليبيا ربما يمضي بالأوروبيين في طريق معركة «ليبانت» جديدة، وهي تلك التي خسرها العثمانيون في مواجهة الأوروبيين في القرن السادس عشر.

نُشر في الاتحاد الإماراتية