فترة انتقالية محفوفة بالمخاطر في السودان

تعثر المفاوضات بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري حول طريقة ادارة الحكم يجعل من المشهد السوداني ضبابيا وسط تصعيد من قبل المعتصمين المطالبين بسلطة مدنية.
بوادر متباينة في مواقف الحرية والتغيير حول دور العسكريين في السلطة
توقعات بقيام الطرفين بتقديم تنازلات
محللون يتوقعون ان يلوح المجلس العسكري بانتخابات مبكرة قبل نهاية العام الجاري

الخرطوم - بعد أكثر من شهر على إطاحة الجيش بالرئيس السوداني عمر البشير في 11 نيسان/أبريل، بضغط من احتجاجات شعبية، يبدو مشهد نقل السلطة من المجلس العسكري الى سلطة مدنية ضبابيا، لا سيما في ظل تعثر المفاوضات بين أعضاء المجلس وقادة حركة الاحتجاج.

ما هو المشهد الحالي؟

يواصل آلاف المعتصمين تجمعهم أمام مقر الجيش السوداني في وسط الخرطوم منذ السادس من أبريل/نيسان. وقد تطورت مطالبهم من الإطاحة بالبشير، الأمر الذي تحقق، الى تسليم السلطة للمدنيين.

ويتوافد المحتجون يوميا إلى مقر الاعتصام خصوصا في أوقات الإفطار أو السحور وتنطلق الهتافات والشعارات المطالبة بالحكم المدني ومحاسبة النظام المعزول.

وتجري مفاوضات بين المجلس العسكري وقوى الاحتجاج الممثلة ب"تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير" حول إدارة الفترة الانتقالية. وقد عُلّقت المفاوضات ثلاث مرات منذ إسقاط البشير كان آخرها الاثنين. وحتى الآن لم يحدد تاريخ جديد لاستئنافها.

ووقعت أعمال عنف وإطلاق رصاص في محيط الاعتصام الأسبوع الماضي أودت بحياة خمسة متظاهرين وضابط جيش وتسبب بإصابة العديد من عناصر قوات الأمن والمواطنين.

وحمّل المتظاهرون قوّات الدّعم السّريع شبه العسكريّة مسؤوليّة ما حدث، إلا أن قائد قوّات الدعم السريع الفريق محمّد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" الذي يشغل مركز نائب رئيس المجلس العسكري، أكّد القبض على الجناة.

المحتجون في السودان
المحتجون يحملون قوات الدعم السريع مسؤولية قتل عدد من المعتصمين

وفي حال تمّ الاتفاق بين الطرفين، قد يشهد السودان وصول الحكومة المدنية الأولى منذ أكثر من ثلاثين عاما.

وكان المعارض السوداني البارز الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة وأحد أقطاب تحالف الاحتجاج، هو من شكّل آخر حكومة مدنية في البلاد عام 1986.

ما هي النقاط التي تمّ الاتفاق عليها حتى الآن بين العسكريين والمحتجين؟

بدأت مفاوضات بين العسكريين والمحتجين بعد أسبوع من إطاحة الجيش بالبشير وإعلان تشكيل مجلس عسكري.

وأقدم قادة حركة الاحتجاج على تعليقها في نهاية نيسان/أبريل للمرة الأولى، معتبرين أن المجلس العسكري يماطل في التفاوض حول تحديد المرحلة الانتقالية.

وفي 13 أيار/مايو، استؤنفت المفاوضات وأحرزت تقدّمًا مهمًا بين الطرفين قبل يومين من تعليقها للمرة الثانية.

وتمّ الاتفاق على فترة انتقاليّة مدّتها ثلاث سنوات وتشكيل ثلاثة مجالس للسيادة والوزراء والتشريع لحكم البلاد خلال هذه الفترة.

ونصّ الاتفاق، بحسب ممثلي المحتجين، على أن يتولى تحالف قوى الحرية والتغيير تشكيل حكومة مدنية.

كذلك حُددت هيكلية المجلس التشريعي الذي سيضم 300 عضو، 67% بينهم يختارهم تحالف قوى الحرية والتغيير. وتذهب بقيّة المقاعد إلى ممثّلين لقوى سياسية خارج هذا التحالف.

واجتمع الطرفان في اليومين المتتاليين لاستكمال الاتفاق على تشكيل مجلس السيادة الذي سيتولى حكم البلاد في المرحلة الانتقالية، ونسب مشاركة العسكريين والمدنيين.

وفي 15 أيار/مايو، عٌلّق التفاوض لمدة 72 ساعةً بقرار من رئيس المجلس العسكري الفريق عبد الفتّاح برهان بحجة تدهور الأمن في العاصمة. واشترط المجلس لاستئناف المفاوضات إزالة المتظاهرين للمتاريس التي أقاموها في شوارع عدة في وسط العاصمة كنوع من الضغط على العسكريين. وأزال المتظاهرون الحواجز المقامة خارج حدود اعتصامهم واستؤنفت المفاوضات الاثنين الفائت، لكنها لم تصل إلى اتفاق.

ما هي النقاط العالقة؟

في الساعات الأولى من صباح الإثنين، أكد بيان مشترك بين المجلس العسكري الحاكم في السودان وتحالف الحرية والتغيير أن المفاوضات حول تشكيلة مجلس سيادي يدير شؤون البلاد انتهت دون التوصل إلى اتفاق وأنها ستتواصل.

وقال البيان إن نقطة الخلاف الأساسية العالقة تتعلق ب"نسب التمثيل ورئاسة المجلس السيادي بين المدنيين والعسكريين".

ويريد المحتجون رئيسا مدنيا للمجلس السيادي، الأمر الذي يرفضه المجلس العسكري.

ويطالب المحتجون بأن يكون الأعضاء ثمانية مدنيين وثلاثة عسكريين، بينما يريد المجلس العسكري سبعة عسكريين وأربعة مدنيين.

ويقول الكاتب الصحافي السوداني البارز خالد التيجاني "خلال الفترة الماضية من تسلّم المجلس العسكري زمام الأمور حدثت تحولات مهمة في موقفه من دور وسيط عابر ينقل السلطة إلى البحث عن دور كامل في المرحلة المقبلة، لأنه يعتبر نفسه شريكا أصيلا في التغيير".

ويضيف"على الجانب الآخر، ظهرت بوادر متباينة في مواقف الحرية والتغيير حول دور العسكريين بين رافض لأي دور لهم وبين مؤيد لتمثيل محدود في مجلس السيادة".

وأعلن الحزب الشيوعي، وهو جزء من تحالف الاحتجاج، هذا الأسبوع رفضه تماما رئاسة عسكرية لمجلس السيادة.

ما هي السيناريوهات المحتملة؟

يقول التيجاني "المفاوضات لن تصل إلى نقطة اللاعودة.. لأن الطرفين أدركا أن الصراع على حافة الهاوية قد يطيح بكل المكاسب ويقود البلاد إلى حالة فوضى".

المفاوضات لن تصل إلى نقطة اللاعودة.. لأن الطرفين أدركا أن الصراع على حافة الهاوية

ويعتقد التيجاني أنه سيتم تقديم بعض التنازلات من الطرفين مثل قبول قوى الاحتجاج رئاسة عسكري لمجلس السيادة مقابل أغلبية مدنية في المجلس ذاته.

وفي إطار الضغوط المتبادلة بين الطرفين للوصول إلى حل، يتوقع التيجاني بأن "يلّوح المجلس العسكري بانتخابات مبكرة قبل نهاية العام الجاري والعودة للثكنات كإحدى وسائل الضغط".

بينما سوف يلوّح المحتجون، وفقا للتيجاني، بـ"العصيان المدني والإضراب.. لكنها وسائل مع أهميتها قد تؤدي الى مفعول عكسي"، إذ قد تقود الى تذمر المواطنين الذين سيكونون مهددين بلقمة عيشهم.

ودعا تجمع المهنيين السودانيين، الركيزة الأساسية في تحالف قوى الحرية والتغيير الذي أطلق حركة الاحتجاجات في السودان، الثلاثاء الى "إضراب عام"، من أجل "تمام الوصول للانتصار".

ما هو الموقف الخارجي؟

ويحرص المجتمع الدولي والدول المجاورة للسودان على أن تُستأنف المحادثات بين الطرفين بهدف التوصّل إلى انتقال سياسي "يقوده مدنيّون بشكل فعلي"، بحسب التصريحات المختلفة.

وأعلنت السعودية والإمارات ومصر تقديم مساعدات الى الشعب السوداني الذي يواجه أزمة اقتصادية حادة شكّلت سببًا رئيسيًا للتظاهرات ضد نظام البشير. لكن بعض المحللين السودانيين يرون في هذه المساعدات دعمًا للمجلس العسكري للبقاء في الحكم فترةً أطول.