فراس السواح .. الفارس المجهول 

كتابات السواح تخرج من السرد التاريخي إلى التحليل السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والتفاعل بين هذه العناصر.
فراس السواح شخصية علمية ترك بصماته في عشرات الكتب
على المؤرخ أن يعرف القصة التي خلف القصة

بقلم: سهى الجندي

أجزم أن القارئ لا يعرف من هو فراس السواح على الرغم من أنه شخصية علمية ترك بصماته في عشرات الكتب التي تحوي كنوزا معرفية كافية لأن تحدث تحولات فكرية لو أنها انتشرت وقرأها الناس وتداولوا ما تعرضه من أفكار. 
فراس السواح مفكر سوري ولد في عام 1941 ودرس تاريخ المنطقة القديم، معتمدا على الآثار والمخطوطات التي لا تزال محفوظة في متاحف العالم. ولا يكمن التميز في السرد التاريخي، بل في التحليل وتوضيح الطبيعة العلائقية بين الأحداث التاريخية والأدب والأديان وتأثيرها القوي على ما آلت إليه الأمور في عصرنا هذا. وهذا ما يجب أن يفعله المؤرخ، فهو ليس مجرد حافظ للأحداث، بل عليه أن يعرف القصة التي خلف القصة لأن لا شيء يأتي من فراغ، وكل حدث يوجد ما مهد لوقوعه وما نتج عن وقوعه، وربما تكون القصة محض خيال، ولكنها أحدثت تغييرات عميقة وخطيرة، ليست مبنية على أساس واقعي، ونظرا لأن الإنسان العادي لا يملك أدوات التغيير والإدانة والتبرئة، فإنه يسير مع السائرين، ويفعل كما يفعلون حتى وإن في كان في قرارة نفسه يدرك أن جميع الناس يعيشون في كذبة كبرى، وهو ليس الشخص المناسب لإحداث انقلاب فكري. فحتى قول الحقيقة غير مقبول من أي شخص، فهناك الكثير من الناس يقولون الحقيقة ولا أحد يصغي إليهم، حتى يبرز شخص صوته مسموع، فيبدأ الناس بالإصغاء، فما الذي جعل شخصا صوته غير مسموع، وآخر صوته مسموع؟ إن للبشر طباعا يصعب فهمها.  

ليس مجرد حافظ للأحداث
اتجاه حديث في التحليل التاريخي

يقدم فراس السواح سردا تاريخيا يشمل الوقائع ذاتها وجغرافيتها وسياقها التاريخي والسياسي والأدبي المتمثل في الأدب المحفور في المسماريات ويبرز تماثلها واختلافها ويفسر ذلك التماثل والاختلاف في ضوء البيئة التي حدثت فيها تلك الوقائع. وهكذا فإن كتابات السواح تخرج من السرد التاريخي إلى التحليل السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والتفاعل بين هذه العناصر ليكون ناتجه هو الوقائع التاريخية التي يسردها، وهذا هو الاتجاه الحديث في التحليل التاريخي، وهو النظرة الشمولية للمشهد بكل جوانبه، إذ أن جميع عناصر المشهد تسهم في تهيئة الظروف المفضية إلى الأحداث. 
إن تميز كتابات السواح نابع من تأثيرها القادر على إحداث تحول فكري في النظرة إلى الحياة من خلال توضيح الجدلية التاريخية التي تنشأ عن تضارب الإرادات الفردية والشعبية، فعلى سبيل المثال، فقد تمكن النبي إبراهيم من التحكم في الأحداث ليس فقط في حياته بل ولآلاف السنين اللاحقة، فيما يشبه معجزة تاريخية فسرتها الشعوب المتتالية بقوة غيبية فرضت إرادتها، ولكن السواح يقدم تفسيرا أكثر واقعية يسلط فيه الضوء على السياق الكلي الذي أفضى لمثل هذا التغيير التاريخي، الذي امتد لآلاف السنين، ويورد الكثير من الأمثلة المشابهة لهذا التغيير التاريخي متمثلا بالأديان في مختلف بقاع الأرض وعبر التاريخ، وأدت إلى قيام امبراطوريات وخراب أخرى وحروب لا تبقي ولا تذر، ولكنها بادت جميعا، أما التغير التاريخي الذي أحدثه النبي إبراهيم لا يزال قائما منذ آلاف السنين. 
بدأت بقراءة كتب السواح وأتمنى أن تسمح الظروف بإكمالها جميعا، وهي كنوز من المعرفة جديرة بالقراءة لتوسيع المدارك والنظرة الشمولية لجدلية التاريخ. ويمكن قراءتها على الانترنت من خلال هذا الرابط: