فراس حج محمد يتناول النقد في العصر الرقمي

الكاتب يوثق في كتابه تجربة حقيقية للنقد في الفضاء الرقمي، داعيا إلى فهم أعمق لآليات هذا النقد الجديد.

رام الله (فلسطين) - في خطوة تثير النقاش وتفتح آفاقًا جديدة في المشهد النقدي العربي صدر مؤخرًا كتاب "في النقد والنقد المضاد: على هامش كتاب المشهد الروائي الفلسطيني للكاتب محمود شقير" للكاتب والناقد فراس حج محمد.

يقدم هذا الإصدار الإلكتروني لعام 2025 دراسة معمقة لظاهرة "النقد التفاعلي" التي باتت سمة مميزة للعصر الرقمي، متخذا من الجدل الذي أثاره مقال نقدي حول كتاب "المشهد الروائي الفلسطيني" نموذجًا حيًا لتجلياتها وتحدياتها، إذ بدأت المسألة بمقال للمؤلف حج محمد "الناقد ليس مهندس علاقات أدبية" تناول فيه كتاب شقير، فتبعه ردّ من مؤلف الكتاب، وهذا الردّ أثار موجة من التعليقات.

بدأ الكتاب بمقدمة مكتوبة بالذكاء الاصطناعي تؤسس لمفهوم "النقد التفاعلي على الفيسبوك" كـ"صوت جماعي في فضاء رقمي"، مؤكدة أن النقد لم يعد حكرا على الأكاديميين والنقاد المتخصصين، بل تحول إلى ظاهرة جماهيرية واسعة النطاق بفضل منصات التواصل الاجتماعي. وأن فيسبوك، على وجه الخصوص، أصبح "منبرًا متزايد الأهمية للنقد التفاعلي" و"انعكاسًا قويًا لصوت الجمهور، وقوة دافعة للتغيير ومساحة للنقاش الحر". هذا التحول الجذري في طبيعة النقد هو ما يسعى الكتاب لتشريحه وفهم أبعاده.

وتشير كذلك إلى الإيجابيات الكبيرة للنقد التفاعلي، مثل تعزيز الوعي الاجتماعي والثقافي، والدفع نحو التحسين والتطوير، والمساهمة في المحاسبة والشفافية. لكنه في الوقت ذاته، لا يتجاهل التحديات والمخاطر، مثل انتشار الشائعات، والاستقطاب، والتنمر الإلكتروني، وسطحية النقد في كثير من الأحيان، وتأثير "خوارزميات الصدى" التي تعزز الانغلاق الفكري. كما تؤكد تلك المقدمة مسؤولية الفرد في ممارسة النقد الأخلاقي والمسؤول، والتحقق من المعلومات، واحترام الرأي الآخر. كما تحمل منصات التواصل الاجتماعي مسؤولية في إدارة هذه البيئة الرقمية، من خلال تطوير آليات لمكافحة المعلومات المضللة وتوفير بيئة صحية للنقاش.

يتناول الكتاب محورين رئيسيين يتداخلان بعمق: الأول هو النقد التفاعلي كظاهرة قائمة بحد ذاتها، حيث يحلل فراس حج محمد آلياتها، أشكالها المتعددة (من التعليقات الموجزة والإعجابات إلى المنشورات التحليلية)، وقدرتها على بناء حوار فوري وتشكيل تصور جماعي حول القضايا. يؤكد المؤلف قوة التأثير الجماعي لهذه الظاهرة، مشيرًا إلى أن الإجماع الرقمي قادر على التأثير في المشهد الثقافي.

أما المحور الثاني، والأكثر أهمية في هذا الإصدار، فهو "نقد النقد"، حيث يستعرض فراس حج محمد الجدل الذي دار حول مقاله النقدي الذي تناول كتاب الروائي الفلسطيني الكبير محمود شقير، "المشهد الروائي الفلسطيني". يمثل هذا الجدل أرضية خصبة لاستكشاف كيفية تفاعل القراء والنقاد والمهتمين مع العمل النقدي نفسه، وكيف تتشكل الآراء المضادة وتتفاعل مع النقد الأصلي. يقدم الكتاب مجموعة من التعليقات والردود التي كتبها أصحابها على هامش مقالة محمود شقير في الرد على مقالة المؤلف الأصلية، وقد كشفت تلك التعليقات في أغلبها الانحياز غير الموضوعي لصاحب كتاب "المشهد الروائي الفلسطيني" والتنمر الإلكتروني على كاتب المقال فراس حج محمد.

يركز جزء كبير من الكتاب على هذه الظاهرة، وما ولّدته من ردود أفعال واسعة على فيسبوك، فيستعرض الكتاب تعليقات أصدقاء محمود شقير من الكُتّاب والنقاد والصحفيين والقراء، وكأنهم في حفلة صراع خفي ضد الطرف الآخر.

قليلة تلك التعليقات التي أشادت بالمقال، وأبدى غالبية المعلقين خلافهم مع الكاتب في المنهجية أو الاستنتاجات، واهتموا بالدفاع عن كتاب محمود شقير وشخصه وتمجيده، مع أنه لا تنوع كبيرا في هذه التعليقات إلا تلك الردود تجسد مفهوم "النقد المضاد" الذي يتناوله الكتاب، ويبرز كيف يمكن لعمل نقدي واحد أن يثير عاصفة من النقاشات الموازية، وأن يفتح المجال لتقييمات متبادلة بين النقاد والقراء والمؤلفين أنفسهم.

في المجمل، يوثق كتاب "في النقد والنقد المضاد" لفراس حج محمد، تجربة حقيقية للنقد في الفضاء الرقمي. ويشكّل دراسة حالة لواقع النقاش الثقافي والأدبي على منصات التواصل الاجتماعي. يدعو الكتاب ضمنيًا إلى فهم أعمق لآليات هذا النقد الجديد، ويحث على ممارسته بوعي ومسؤولية ليكون أداة للتطوير المعرفي والثقافي، لا ساحة للجدل العقيم. إنه دعوة مفتوحة للتأمل في الدور المتغير للنقد في عصر أصبح فيه "صوت الجمهور" قوة سائلة، وغير متساهلة، وتتحكم فيها المشاعر والرغبات أكثر من الحقيقة والوقائع، وكأنها رجع لنظام التفاهة الذي تحدث عنه المفكر والفيلسوف الكندي آلان دونو.