فرنسا أول وجهة خارجية لميقاتي بعد نيل حكومته الثقة

رئيس الحكومة اللبنانية يلتقي الجمعة الرئيس الفرنسي لمناقشة "المبادرة الفرنسية" وسبل تجاوز تعقيدات المرحلة.
الاتحاد الأوروبي يحث كافة الأحزاب على المساهمة بجدية في إنقاذ البلد
استعادة ثقة صندوق النقد الدولية أولوية الحكومة لاحتواء الانهيار

بيروت - يزور رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، فرنسا، الخميس، في أول زيارة رسمية له خارج البلاد بعد نيل حكومته الثقة، على أن يلتقي الجمعة الرئيس إيمانويل ماكرون، ضمن زيارة محورها الرئيسي التحديات التي تواجه الحكومة الوليدة وسبل تجاوزها من أجل إنقاذ لبنان من أزمة حادة تضعها على حافة الانهيار.

وتعتبر هذه الزيارة الأولى لميقاتي بعد نيل حكومته ثقة البرلمان اللبناني بموافقة 85 نائبا من إجمالي 100 حضروا جلسة التصويت.

وفي العاشر من سبتمبر تشكلت الحكومة اللبنانية عقب 13 شهرا من التعثر بسبب خلافات سياسية، على إثر استقالة حكومة حسان دياب، في 10 أغسطس2020، بعد 6 أيام من انفجار ضخم هز مرفأ بيروت وأدى إلى مصرع 217 شخصاً وجرح نحو 7 آلاف آخرين، وأضرار مادية هائلة بالعاصمة.

وتعهدت الحكومة الجديدة وفق بيانها الوزاري (برنامج العمل)، الإثنين، بالالتزام بكافة بنود “المبادرة الفرنسية”، وذلك من ضمن عدة تعهدات “إنقاذية” وثوابت وطنية ومقاربات لنحو 20 ملفاً في البلاد.

وهذه المبادرة أطلقها ماكرون، من بيروت، بعد أيام من انفجار مرفأ العاصمة، ومن أبرز بنودها تشكيل حكومة جديدة، على أن تتبع ذلك إصلاحات إدارية ومصرفية، لكن أطرافا سياسية لبنانية عدة رفضت المبادرة واعتبرتها “تدخلا مرفوضا” في شؤون بلادهم.

والإثنين، أعلن ميقاتي خلال عرض برنامج حكومته، أنه يسعى إلى وقف الانهيار الاقتصادي المستمر في بلاده منذ نحو عامين، وإنهاء المعاناة المعيشية للبنانيين، واستكمال تحقيقات تفجير مرفأ بيروت، وتعزيز العلاقات مع الدول العربية والأوروبية.

ترحيب أوروبي

رحب الاتحاد الأوروبي بنيل الحكومة اللبنانية الجديدة الثقة، وشجعها على تنفيذ إصلاحات "عاجلة وجوهرية" في البلاد. وأعلن مسؤول السياسة الخارجيّة في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن "الاتحاد الأوروبي يرحب بنيل الحكومة الجديدة برئاسة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ثقة البرلمان اللبناني بأغلبية كبيرة".

وأضاف أن "البرنامج الذي أعلنت عنه الحكومة الجديدة ينص على إجراءات مهمة للتعامل مع الأزمات المتعددة الأوجه التي يواجهها لبنان ولاسيما استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتطبيق الإصلاحات الهيكلية خصوصا في قطاع الكهرباء وإجراء انتخابات 2022 كما كان مقررا".

وقال "حان الوقت الآن لبدء طريق الانتعاش من خلال التنفيذ الموثوق للإصلاحات العاجلة والأساسية لتلبية احتياجات ومطالب الشعب اللبناني". وحذر من أن "جميع الأحزاب السياسية وقادتها تتحمل مسؤولية دعم هذه الجهود والمساهمة فيها بشكل فعال".

ويأمل اللبنانيون أن تضع الحكومة الجديدة حدا للأزمة الاقتصادية الحادة التي تضرب البلاد منذ أواخر 2019، وأدت إلى انهيار مالي وارتفاع قياسي بمعدلات الفقر، فضلا عن شح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى.

تقول مهى يحيى، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط، "أولوية الحكومة هي في احتواء الانهيار". ولهذه الغاية، يقول المحللون إن الأولية تكمن في استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي واستعادة ثقة المجتمع الدولي.

مهمة صعبة

بعد أشهر من المماطلة والجدل بين الأطراف المعنية، وقع وزير المالية الجديد يوسف الخليل الجمعة، بعد أيام قليلة من تسلمه منصبه، عقد التدقيق الجنائي مع شركة "ألفاريز ومارسال" الذي عُلق في خريف 2020 بعد تعذر حصول الشركة على كافة المستندات المطلوبة من المصرف المركزي.

ويعد تنفيذ التدقيق الجنائي خطوة أساسية كونه ورد ضمن بنود خارطة الطريق التي وضعتها فرنسا لمساعدة لبنان على الخروج من دوامة الانهيار الاقتصادي. كما يطالب به صندوق النقد الدولي.

ويرى الخبير الاقتصادي مايك عازار أنّ الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي يعني "إصلاحين رئيسيين: إعادة هيكلة القطاع المصرفي والمصرف المركزي، وأيضاً القطاع العام، ولا سيما ديونه". غير أنّ "إعادة هيكلة القطاع العام لها تأثير على الأحزاب السياسية، فهو المصدر الرئيس لتمويل نظامها الزبائني". ويتساءل عازار "كيف سيقبلون ذلك؟".

وترى مهى يحيى بدورها أنّ إحدى العقبات الرئيسة أمام الإصلاح تكمن في "عقلية" تقاسم الحصص بين الأحزاب الحاكمة التي أخرت تشكيل الحكومة وهيمنت مرة جديدة عليها. وتقول "يمكنهم استخدام الوزراء في الحكومة لعرقلة أي إصلاح يرون أنه يقوّض مصالحهم".

الانتخابات التشريعية

سيكون على عاتق الحكومة الجديدة تنظيم الانتخابات التشريعية المرتقبة، والتي التزم ميقاتي اجراءها في موعدها في مايو المقبل.

وفي بلد شهد في خريف 2019 احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد الطبقة الحاكمة المتهمة بالفساد والهدر، يأمل كثر أن تُشكل الانتخابات خطوة، وإن صغيرة، على طريق تجديد النخبة السياسية، التي تحكم البلاد منذ عقود ولم تتغيّر تقريباً منذ الحرب الأهلية (1975-1990).

إلا أن الباحث في العلوم السياسية ميشال دويهي يرى أن الطبقة الحاكمة مستعدة للقيام بأي شيء على ألا تخسر شيئاً من سلطتها. ويقول "تسعى هذه المنظومة من خلال الحكومة لالتقاط النفس مجدداً"، مضيفاً بشأن الانتخابات "قد يؤجلونها في اللحظة الأخيرة حفاظاً على أنفسهم".