فرنسا تبدأ قريبا محاكمة استثنائية لمنفذي اعتداءات باريس

14 متهما بينهم الفرنسي المغربي صلاح عبدالسلام الناجي الوحيد بين أفراد المجموعات الجهادية التي نفذت الاعتداءات، يمثلون بعد أيام أمام محكمة الجنايات الخاصة في باريس التي لها صلاحية النظر في قضايا الإرهاب، بينما يحاكم ستة آخرون غيابيا.
المحاكمة تعد خارجة عن المألوف من حيث عدد مدعي الحق المدني
300 فقط من أقرباء الضحايا والناجين من الاعتداءات سيدلون بشهاداتهم
محاكمة منفذي اعتداءات باريس 2015 تشكل تحديا كبيرا لقضاء الفرنسي
القضاء الفرنسي أمام اختبار احتواء مشاعر مشحونة خلال محاكمة منفذي الاعتداءات

باريس - تبدأ فرنسا بعد أيام قليلة أكبر محاكمة استثنائية بعد ست سنوات على اعتداءات نوفمبر/تشرين الثاني 2015 في باريس وضاحيتها، حيث يفتح القضاء الفرنسي الأربعاء وعلى مدى تسعة أشهر ملف المجزرة التي أوقعت 130 قتيلا وأكثر من 350 جريحا.

وفي ليلة الرعب تلك، هاجم انتحاريون ملعب فرنسا (ستاد دو فرانس) في سان دوني قرب باريس، فيما فتح مسلحون النار على شرفات مقاه وفي قاعة باتاكلان للعروض الموسيقية، في أعنف الهجمات التي عرفها هذا البلد منذ الحرب العالمية الثانية.

ونفذت الاعتداءات التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية في وقت كانت باريس لا تزال تحت وقع صدمة هجمات يناير/كانون الثاني على صحيفة شارلي إيبدو الهزلية التي قتل جميع أفراد هيئة تحريرها فيها تقريبا إعداما، وعلى متجر يهودي للأطعمة.

ويمثل عشرون متهما بينهم الفرنسي المغربي صلاح عبدالسلام الناجي الوحيد بين أفراد المجموعات الجهادية التي نفذت الاعتداءات، أمام محكمة الجنايات الخاصة في باريس التي لها صلاحية النظر في قضايا الإرهاب، وسط تدابير أمنية قصوى.

وسيحضر 14 من المتهمين فيما يُحاكم الستة الآخرون غيابيا وهم متهمون بتقديم مساعدة أو دعم بدرجات متفاوتة في التحضير للاعتداءات.

وتعدّ المحاكمة خارجة عن المألوف من حيث عدد مدعي الحق المدني البالغ حوالي 1800، ووقعها النفسي ومدتها واستغرق الإعداد لها وبناء قاعة الجلسات الخاصة في قصر العدل بباريس سنتين.

ويشكل إجراء محاكمة بهذا الحجم وإتمامها خلال المهلة المحددة في 25 مايو/ايار 2022، تحديا فريدا للقضاء الفرنسي لا سيما في ظل تفشي وباء كوفيد-19 وفي وقت لا يزال الخطر الإرهابي مرتفعا.

وسيدلي حوالي 300 فقط من أقرباء الضحايا والناجين من الاعتداءات بشهاداتهم بين نهاية سبتمبر/ايلول ونهاية أكتوبر/تشرين الأول.

ورأى رئيس جمعية "لايف فور باريس" (الحياة لباريس) أرتور دينوفو وهو نفسه ناج من مجزرة قاعة باتاكلان "نعرف أنها محطة هامة لحياتنا ما بعد"، معتبرا أن هذه الشهادات "ستدخل العامل الإنساني مجددا إلى المحاكمة". كما حذر من أنه لا بد من تقبل "فيض" في المشاعر في بعض الأحيان.

وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 بعيد الساعة 21:00 بتوقيت غرينيتش، قام انتحاري بتفجير نفسه قرب ملعب إستاد فرنسا خلال مباراة ودية بين منتخبي فرنسا وألمانيا.

أربع سنوات من التحقيقات أتاحت تحديد القسم الأكبر من الجانب اللوجستي للاعتداءات والطريق الذي سلكه عناصر الوحدات عبر أوروبا منذ عودتهم من سوريا

وعلى بعد كيلومترين في قلب باريس قامت وحدة مسلحة من ثلاثة عناصر بإطلاق النار بالأسلحة الحربية الرشاشة على شرفات مقاه، فيما فتحت وحدة ثالثة من ثلاثة عناصر أيضا النار على الجمهور داخل مسرح باتاكلان خلال حفل موسيقي.

وبعيد منتصف الليل، اقتحمت الشرطة مسرح باتاكلان، فهرب مهاجمان وبدأت عملية مطاردة استمرت خمسة أيام. وفي نهاية المطاف، قتل عبدالحميد أباعود، أحد الجهاديين الناطقين بالفرنسية في رأس قائمة المطلوبين لدى فرنسا وشريك له في 18 نوفمبر/تشرين الثاني خلال هجوم للشرطة على مبنى في سان دوني كانا يختبئان فيه.

وفيما كانت فرنسا تبكي قتلاها وتغلق حدودها وتعلن حال الطوارئ، بدأ تحقيق متشعب على نطاق واسع بالتعاون الوثيق مع القضاء البلجيكي.

وأتاحت أربع سنوات من التحقيقات تحديد القسم الأكبر من الجانب اللوجستي للاعتداءات، والطريق الذي سلكه عناصر الوحدات عبر أوروبا منذ عودتهم من سوريا سالكين طرق المهاجرين وحتى مخابئهم في شقق مستأجرة في بلجيكا وقرب باريس.

وكشف التحقيق عن خلية جهادية أكبر خلف الاعتداءات، هي نفسها التي تقف خلف الاعتداءات على المطار وقطارات الأنفاق في بروكسل التي أوقعت 32 قتيلا في 22 مارس/اذار 2016.

وفي غياب أسامة العطار أحد "أمراء" تنظيم الدولة الإسلامية الذي يشتبه بأنه خطط للاعتداءات من سوريا وغيره من كبار قياديي التنظيم بينهم الأخوان فابيان وجان ميشال كلين، الذين يعتقد أنهم قتلوا وتجري محاكمتهم غيابيا، ستتجه الأنظار إلى صلاح عبدالسلام ومحمد عبريني "الرجل ذو القبعة" الذي عدل عن تفجير نفسه في مطار بروكسل.

المحكمة ستستدعي حوالى مئة شاهد بينهم العديد من المحققين الفرنسيين والبلجيكيين والرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند

فهل تنجح المحكمة التي لن تستجوبهم قبل العام 2022، في تبديد آخر نقاط الغموض المتبقية، بدءا بالدور الذي لعبه فعليا صلاح عبدالسلام (31 عاما)؟

ولزم عبدالسلام الصمت أثناء التحقيق معه وتتوقع أطراف الادعاء المدني منذ الآن أن يبقى على هذا الموقف.

وحذر محاميا المتهم أوليفيا رونن ومارتان فيتس بأن "المحاكمة ستكون مشحونة بالمشاعر، لكن على القضاء أن ينأى عنها إن كان يريد أن يبقي نصب عينيه المبادئ التي تقوم عليها دولة القانون". وأكدا كذلك "سنسهر على عدم تحوّل هذه المحاكمة الاستثنائية إلى محاكمة استثناء".

من جهتها قالت محامية دفاع أخرى هي ليا دورديي "إن كان من الجوهري أن يتمكن جميع أطراف هذه المحاكمة من الكلام، إذ أن الضحايا بحاجة إلى التعبير عن معاناتهم، علينا ألا ننسى أن هذه هي بالمقام الأول محاكمة المتهمين الذين يجب الحكم عليهم بمستوى ضلوع كل منهم وعلى ضوء مسار كل منهم وشخصيته".

ويواجه عشرون من المتهمين عقوبة السجن المؤبد. كما يمثل ثلاثة يواجهون التهم الأقل خطورة، طليقين قيد المراقبة القضائية.

وستستدعي المحكمة حوالى مئة شاهد بينهم العديد من المحققين الفرنسيين والبلجيكيين والرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند.

وستكون هذه ثاني محاكمة في قضية إرهاب يتم تصويرها بالكامل لضمها إلى الأرشيف السمعي البصري للقضاء، بعد المحاكمة في الاعتداءين على شارلي إيبدو والمتجر اليهودي.

ويواجه عشرون من المتهمين عقوبة السجن المؤبد. كما يمثل ثلاثة يواجهون التهم الأقل خطورة، طليقين قيد المراقبة القضائية.

وستستدعي المحكمة حوالى مئة شاهد بينهم العديد من المحققين الفرنسيين والبلجيكيين والرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند.