فرنسا تتحسب بعد ألمانيا لخطر التمدد الاخواني

لجنة في مجلس الشيوخ الفرنسي تبدي قلقها إزاء تحركات جماعات إسلامية متشددة تدعي أنها غير عنيفة لا سيما السلفية منها (حوالي 40 ألفا في فرنسا) أو الإخوان المسلمون (50 ألفا).
الشيوخ الفرنسي يحذّر من نشاط جماعات الإسلام السياسي
لجنة فرنسية تقترح 40 إجراء في مواجهة نزعة انفصالية أصولية
باريس قلقة من تأثير واسع لجماعات متشددة على المجتمع الفرنسي
الإخوان يرتبون لخلخلة النسيج المجتمعي الأوروبي

باريس - حذّر تقرير فرنسي الخميس من خطر بات يتهدد فرنسا على ضوء تنامي نشاط جماعات الإسلام السياسي يتقدمهم تنظيم الإخوان المسلمون وتليه جماعات سلفية تدعي أنها غير عنيفة وتحاول التأثير على المجتمع.

ودعا تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي إلى التحرك سريعا في مواجهة نزعة متصلبة تستلهم من الإسلام الأصولي و"تشكك في قيم الجمهورية".

ويأتي نشر هذا التقرير بعد أسابيع قليلة من نشر ألمانيا تقريرا مماثلا يحذّر من هيمنة وأنشطة جماعة الاخوان المسلمين وأفرعها في الأراضي الألمانية ومحاولات التأثير على نسيجها المجتمعي بالتضليل والخداع وإنشاء خلايا سرية لضمان التواصل مع أنحاء أوروبا.

واقترح مجلس الشيوخ الفرنسي في تقريره الصادر الخميس حوالي 40 إجراءَ للحد من "التطرف الإسلامي" الذي يصبح أكثر تهديدا كما يقول، ومن بينها منع التحريض والخطابات الانفصالية ومراقبة بعض المدارس والجمعيات وتوعية المسؤولين المنتخبين ووسائل الإعلام.

وجاء في النص أنّ "التطرف الإسلامي حقيقة" اليوم في عدد متزايد من المناطق في فرنسا. وقد أعِدّ التقرير بناء على 70 مقابلة أجراها أعضاء مجلس الشيوخ مع باحثين وناشطين وجهات فاعلة في المؤسسات وقادة سياسيين ضمن لجنة تحقيق تم إنشاؤها في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بمبادرة من حزب الجمهوريين (يمين).

المد التضامني والأعمال الخيرية منفذ تنشط تحته جماعة الاخوان لاستقطاب الأنصار في المجتمع الأوروبي
المد التضامني والأعمال الخيرية منفذ تنشط تحته جماعة الاخوان لاستقطاب الأنصار في المجتمع الأوروبي

ويقول إنّ "مؤيدي الإسلام السياسي يسعون حاليا إلى السيطرة على الإسلام في فرنسا" من أجل "إنشاء الخلافة" ويغذون في بعض المدن "نزعة انفصالية" خطيرة، لكن التقرير لم يقدم تفاصيل عن هذه الأعمال.

ويشير التقرير إلى أنّ هذه النزعة "المتصلبة" المستلهمة من الإسلام الأصولي "تشكك في قيم الجمهورية"، في إشارة إلى حرية المعتقد والمساواة بين الرجل والمرأة والاختلاط.

ووفق كاتبة النص السيناتورة جاكلين أوستاش-برينيو "يجب التحرك سريعا" لأن "كل مناطق فرنسا صارت متأثرة اليوم، باستثناء غرب البلاد وإلا ففي غضون سنوات قليلة، قد تخرج بعض من هذه المناطق والأحياء من الجمهورية".

وفي فبراير/شباط الماضي، حذّر الرئيس إيمانويل ماكرون من "الحركات الانفصالية الإسلامية" وأعلن إجراءات ضد "التأثيرات الأجنبية" على الإسلام في فرنسا (تمويل المساجد والأئمة).

ويبرز الجهاديون بين الجماعات المستهدفة في التقرير وهم الجهة الرئيسة التي وقفت خلف سلسلة الهجمات التي أودت بحياة أكثر من 250 شخصا في فرنسا منذ العام 2015.

لكن اللجنة أبدت قلقها أيضا إزاء الحركات الإسلامية المتشددة التي تدعي أنها غير عنيفة لا سيما السلفية منها (حوالي 40 ألفا في فرنسا) أو الإخوان المسلمون (50 ألفا).

كما تدعو اللجنة إلى تعزيز شبكة الدولة للكشف عن السلوك أو الكلام "المنحرف" بشكل أكثر فعالية. كما تريد تسهيل عملية إغلاق الأماكن أو الجمعيات التي تبث خطابات تمييزية أو تحض على الكراهية والعنف. وتدعو أيضا إلى عدم تجديد الاتفاقات الموقعة مع دول أجنبية لتدريب الأئمة الذين يعتزمون الوعظ في فرنسا.ك

تحذيرات فرنسية من نشاط مريب لجماعات الاسلام السياسي لهيمنة على المجتمع
تحذيرات فرنسية من نشاط مريب لجماعات الاسلام السياسي لهيمنة على المجتمع

ما تعرب الدولة الفرنسية عن الرغبة في زيادة الرقابة على المدارس غير المرتبطة باتفاقات مع الدولة وعلى ارتفاع عدد التلاميذ الذين يتلقون تعليمهم في المنزل.

وكان تقرير ألماني قد سلط قبل أسابيع قليلة الضوء على أنشطة مشبوهة لخلايا سرية قال إنها لإسلاميين تعمل على تخريب الديمقراطية وتفكيك النسيج الاجتماعي، مشيرا إلى أن عناصرها تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في عدد من الدول العربية والخليجية والتي تتلقى تمويلات تركية وقطرية.

وكشف تلفزيون 'بي أر' (ولاية بافاريا الألمانية) في تقريره عن أنشطة وتحركات يقوم بها الإخوان من خلال "خلايا تعمل على تدمير الديمقراطية"، تعمل سرّا، محذرا من أن هذا التنظيم قد يكون يشكل خطرا على أمن البلاد ونسيجها المجتمعي أكثر من ذلك الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وبحسب المصدر ذاته لا توجد انتماءات معلنة لتنظيم الإخوان في ألمانيا، إلا أن خبراء في الدستور حذّروا من أنشطة غير معلنة لهذا التنظيم، مشيرين إلى استقطابه المزيد من الأتباع وتشكيل خلايا سرّية.

واستفاد الإخوان وجماعات متشددة تتبنى الفكر التكفيري في دول أوروبية مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا من القوانين التي تقوم على حماية الحريات بما في ذلك حرّية المعتقد، لبناء شبكة واسعة ومعقدة بعضها متورط في تجنيد وتسفير متشددين للقتال في بؤر التوتر مثل سوريا والعراق.

جماعة الإخوان ترتب للتغلغل في المجتمعات الأوروبية وقد أصبحت تتمتع بتأثير واسع في كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وهو مصدر قلق عدد من الخبراء والمراكز التي تتابع عن كثب تمدد تلك الجماعات فكرا وتنظيما في أوروبا تحت مسميات وعناوين مختلفة

ولم تعد مثل تلك الأنشطة خافية على الحكومات الغربية وقد عملت على كبح دعايتها عبر منصات التواصل الاجتماعي والمنتديات التي تروج للتطرف، إلا أن تلك الإجراءات لم تكن كافية ولم توقف تلك الأنشطة بسبب ثغرات قانونية.

والإسلاميون عموما يساريون في الخارج يمينيون متطرفون في بلدانهم بالنظر لبيئة الحرية في الغرب وما توفره من امتيازات مالية واجتماعية، وهي من المعضلات التي تواجهها حكومات بدأت بمراجعة قانون مكافحة الإرهاب لديها.   

وحذّر الخبراء من أن تنظيم الإخوان المسلمين "يحاول التسلل إلى المجتمعات الغربية وإنشاء دول إسلامية"، معتبرين أن أنشطته قد تكون أخطر بكثير من تلك التي يمارسها عناصر تنظيم داعش الإرهابي، فأتباع الإخوان أو خلاياهم السرية باتوا "يتدخلون في الحياة العامة تحت ستار الديمقراطية".

ونقلت محطة 'إس دبليو آر' عن المكتب الاتحادي لحماية الدستور وهو بمثابة وكالة أمن محلية في ألمانيا، قوله إن 'هناك الآن أكثر من ألف تابع للإخوان في ألمانيا"، مشيرا إلى أن هذا الرقم في مسار تصاعدي بشكل واضح.

وأوضح المكتب الاتحادي أنه من يصعب تحديد الإمكانيات الدقيقة للإخوان في ألمانيا بسبب "مقاربتهم السرية"، في الوقت الذي بات للتنظيم مؤسسات دينية ومساجد وجمعيات ينشطون من خلالها.

وبحسب المصدر ذاته فإن التنظيم بات يعتمد على خلايا سرية تعرف باسم 'خلايا الأسرة' في أوروبا الغربية وقد شكّلها ضمن خطة تؤمن روابط إقليمية بين مكوناته وعناصره لضمان تماسكه واستقطاب المزيد من الأنصار.

وتؤكد الأجهزة الأمنية الألمانية، بحسب تقرير 'بي ار' والمكتب الاتحادي لحماية الدستور في ولاية شمال الراين وستفاليا، أن التنظيم يستخدم هذه الخلايا في ألمانيا لتدريب الأعضاء الجدد الذين يتم استقطابهم.

وذكّر المكتب الاتحادي لحماية الدستور بسجل الإخوان في العمل السرّي، موضحا أن اقتحامهم المجالات السياسية بعقيدة تتعارض مع الدولة المدنية وبحكم شمولي لا تراعى فيه سيادة الشعب ولا مبادئ الحرية والمساواة.

جماعة الاخوان كانت سببا في انتشار التطرف في مجتمعات غربية وعربية
جماعة الاخوان كانت سببا في انتشار التطرف في مجتمعات غربية وعربية

وهذه تقريبا المرة الأولى التي يكشف فيها بشكل علني ومباشر عن أنشطة الاخوان في ألمانيا، إلا أن التنظيم الذي استفاد بشكل كبير من القوانين الغربية ومن غطاء المظلومية الذي ينشط تحته في الخارج.

وتكمن أهمية التقرير الألماني في كونه دق ناقوس الخطر ليوقظ التردد الأوروبي في التعامل مع التنظيم الدولي للاخوان الذي أسس في الغرب عشرات الفروع والجمعيات وهي منافذ ينشط من خلالها سرا وعلانية.

وكان يعتقد أن بريطانيا التي ارتبط اسمها منذ مطلع القرن الماضي بالجماعة المصنفة بفروعها إرهابية في دول المنشأ والتي تبنت العنف نهجا للتمكين وكانت (بريطانيا) راعية وممولة لعقود للتنظيم ضمن تحالف المصلحة، ستراجع تلك العلاقة لكن إلى اليوم لايزال التنظيم ينشط بحرية وتتحرك جمعياته وخلاياه في نطاق جغرافي أوسع.

وتأتي تحذيرات اللجنة التابعة لمجلس الشيوخ الفرنسي من خطر جماعات الإسلام السياسي بقيادة تنظيم الإخوان المسلمين، متطابقة مع ما ورد في التقرير الألماني، ما يشير إلى أن جماعة الإخوان ترتب للتغلغل في المجتمعات الأوروبية وقد أصبحت تتمتع بتأثير واسع في كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وهو مصدر قلق عدد من الخبراء والمراكز التي تتابع عن كثب تمدد تلك الجماعات فكرا وتنظيما في أوروبا تحت مسميات وعناوين مختلفة.