فرنسا تتحول من اللوم إلى العقاب لمعطلي الحل في لبنان

وزير الخارجية الفرنسي يعلن أن بلاده فرضت قيودا على شخصيات لبنانية ترى فرنسا أنها تعرقل جهود إخراج الأزمة السياسية من حالة الجمود أو هي ضالعة في الفساد.
ضغوط باريس تأتي بينما قوضت الخلافات مبادرة فرنسية لحل الأزمة
فرنسا قد تلجأ لتوسيع العقوبات بدعم من الشركاء الأوروبيين
حزب الله أوصل الأزمة إلى طريق مسدود للانقضاض على دور الدولة
لودريان: على معرقلي الحل السياسي أن يعلموا أن فرنسا لن تبقى مكتوفة الأيدي   

باريس - فرضت فرنسا اليوم الخميس عقوبات على شخصيات لبنانية ترى أنها طرف في تأجيج الأزمة السياسية أو هي ضالعة في الفساد في أول إجراء فرنسي يأتي بعد سلسلة تحذيرات، فيما كانت باريس لوحت مرارا بأنها قد تلجأ لضغوط أقوى لإخراج العملية السياسية من حالة الجمود.

وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان الخميس أن بلاده فرضت قيودا على دخول شخصيات لبنانية تعتبر مسؤولة عن عرقلة الحياة السياسية اللبنانية أو ضالعة في الفساد.

ويأتي ذلك بعد تهديدات لوحت بها فرنسا التي تلعب دورا كبيرا في محاولة إيجاد تسوية للأزمة السياسية في لبنان، سعيا منها لدفع الطبقة السياسية لإخراج البلد من المأزق الحالي.

وقال لودريان في بيان صدر خلال قيامه بزيارة إلى مالطا "باشرنا بصفة وطنية فرض قيود على صعيد الدخول إلى الأراضي الفرنسية، على شخصيات ضالعة في العرقلة السياسية الحالية أو ضالعة في الفساد" في لبنان، لكن البيان لم يذكر البيان القيود ولا عدد الأشخاص المعنيين وأسماءهم.

وقال لودريان "أود أن أكرر القول: على المسؤولين عن العرقلة أن يدركوا أننا لن نقف مكتوفي الأيدي"، مذكرا بأن باريس باشرت نقاشا في إطار الاتحاد الأوروبي حول الأدوات التي يمكن استخدامها "لتشديد الضغط" على المسؤولين المستهدفين.

وتابع "نحتفظ بالحق في اتخاذ إجراءات إضافية في حق كل من يمنع الخروج من الأزمة، وسنفعل ذلك بالتنسيق مع شركائنا الدوليين".

وقال دبلوماسي "هذه ليست كلمات جوفاء. يمكنهم (المسؤولون اللبنانيون) التأكد بأنفسهم من أنها ليست مجرد تهديدات"، فيما أوضح دبلوماسيان آخران أن قائمة بأسماء المعنيين وضعت بالفعل وتم إبلاغهم.

وقال دبلوماسيون إن فرنسا تعتزم وقف إصدار تأشيرات دخول لمسؤولين بعينهم في إطار الجهود المبذولة لزيادة الضغط على بعض الأطراف الفاعلة في لبنان.

ونظرا لأن كثيرا من المسؤولين اللبنانيين البارزين يملكون منازل ولهم حسابات مصرفية واستثمارات في الاتحاد الأوروبي وفرنسا ويوفدون أبناءهم للدراسة في الجامعات هناك، فإن منعهم من ذلك يمكن أن يكون وسيلة للضغط تجبرهم على إعادة حساباتهم.

وتقود فرنسا الجهود الدولية لإنقاذ لبنان من أسوأ أزمة يواجهها منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين 1975 و1990، لكن بعد ثمانية أشهر أخفقت حتى الآن في إقناع السياسيين المتناحرين على تبني خارطة طريق إصلاحية أو تشكيل حكومة جديدة تفتح الطريق أمام وصول المساعدات الدولية.

وتعمل كذلك مع الاتحاد الأوروبي على إنشاء نظام للعقوبات خاص بلبنان قد يتضمن في نهاية المطاف تجميد الأرصدة وفرض حظر على السفر، لكن ذلك قد يستغرق وقتا على الأرجح.

ولم يتمكن رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري بعد أكثر من اربعة اشهر من تكليفه، من تشكيل حكومة، في حين يعاني لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث.

واستقالت حكومة حسان دياب في أغسطس/اب بعد الانفجار الذي دمر معظم مرفأ بيروت والمنطقة المحيطة به والذي أوقع أكثر من مئتي قتيل وآلاف الجرحى.

أكثر من مئة شخصية لبنانية من المجتمع المدني وجهت في مطلع الشهر رسالة مفتوحة إلى ماكرون لحضه على تجميد الأصول المشبوهة للمسؤولين اللبنانيين في فرنسا وتفكيك مافيا سياسية اقتصادية أغرقت لبنان في الأزمات والبؤس

ومنذ ما قبل انفجار مرفأ بيروت، يشترط المجتمع الدولي على لبنان تنفيذ إصلاحات ملحة للحصول على دعم مالي ضروري يخرجه من دوامة الانهيار الاقتصادي التي يعاني منها منذ عام ونصف.

لكن رغم ثقل الانهيار الاقتصادي والضغوط الدولية التي تقودها فرنسا خصوصا، لا تزال الأطراف السياسية عاجزة عن الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة.

ووجه أكثر من مئة شخصية لبنانية من المجتمع المدني في مطلع الشهر رسالة مفتوحة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لحضه على تجميد الأصول المشبوهة للمسؤولين اللبنانيين في فرنسا وبهدف تفكيك "مافيا سياسية اقتصادية" أغرقت لبنان في الأزمات والبؤس.

ووقع الرسالة أطباء ومحامون وصحافيون ونشطاء من بينهم الأستاذ الجامعي كريم إميل بيطار ووزير الثقافة اللبناني الأسبق ومبعوث الأمم المتحدة السابق إلى ليبيا غسان سلامة والنائبة المستقيلة بولا يعقوبيان.

وكان لودريان شبّه وضع لبنان بسفينة تايتانيك وهي تغرق في مشهد يحيل إلى لامبالاة الساسة بالوضع وانشغالهم في صراع على الحقائب الوزارية.

كثير من المسؤولين اللبنانيين البارزين يملكون منازل ولهم حسابات مصرفية واستثمارات في الاتحاد الأوروبي وفرنسا ويوفدون أبناءهم للدراسة في الجامعات هناك

وكان ماكرون قد قدم مبادرة لحل الأزمة وافقت عليها كل الأطراف السياسية من باب رفع الحرج، لكن لم تلك القوى لم تلتزم بها مع دخول الأزمة السياسية متاهة المحاصصة الحزبية والصراع على الحقائب والنفوذ.

وفي خضم الأزمة السياسية والاقتصادية الأسوأ في تاريخ لبنان، بدأ حزب الله يحشد لتوسيع النفوذ الإيراني معتبرا أن بمقدور طهران حل المساعدة في حل الأزمة وتوفير السيولة والوقود.

كما باشرت شبكته الواسعة في تخزين المواد الغذائية وإنشاء مستودعات لتخزين الوقود والاستعداد للعب دور الحكومة في توفير احتياجات اللبنانيين الأساسية، وذلك بإسناد إيراني في أقوى إشارة إلى تحضيرات للانقضاض على دور الدولة اللبنانية.

وكان من المؤمول أن ينهي تكليف الرئيس اللبناني ميشال عون للحريري بتشكيل الحكومة، لكنهما دخلا بدورهما في صراع سياسي وسط اتهامات متبادلة بتعطيل تشكيل الحكومة.

ويقول الحريري إن عون يطالب بالثلث المعطل، بينما يقول الأخير إن رئيس الوزراء المكلف تفرد بالتشكيل الحكومة وتجاهل دور الرئاسة.

ويعتقد أن وزير الخارجية السابق جبران باسيل رئيس حزب التيار الوطني الحر وصهر عون، يلعب دورا محوريا في إيصال الأزمة إلى طريق مسدود بينما تقول مصادر إن الرئيس اللبناني يعمل بتأثير من صهره وانه يعده على الأرجح للرئاسة.