فرنسا تحث الساسة اللبنانيين على تجاوز خلافاتهم لمنع الفوضى

باريس تدعو المسؤولين اللبنانيين إلى التوافق لتشكيل حكومة واختيار النهوض بدل الشلل محملة اياهم مسؤولية المأزق السياسي وعدم التوصل لتوافقات من اجل تشكيل حكومة جديدة.
فرنسا تجدد استعدادها لمساعدة لبنان على تحقيق اصلاحات اقتصادية
الأمم المتحدة تدعو اللبنانيين الى سرعة تشكيل حكومة تعالج التحديات المصيرية

باريس - جددت فرنسا دعوتها للمسؤولين اللبنانيين إلى التوافق لتشكيل حكومة، واعتبرت أنه حان وقت "اختيار النهوض بدل الشلل والفوضى".
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان إن "تشكيل حكومة مَهمّة قادرة على تطبيق الإصلاحات الضرورية لا يزال مؤجلا، رغم الالتزامات التي أعادت مجمل القوى السياسية اللبنانية تأكيدها".
وأضافت "تعود لهؤلاء، ولهم وحدهم، مسؤولية الانسداد المطول الذي يمنع أي استجابة للانتظارات التي عبّر عنها اللبنانيون"، وشددت على أن باريس "مستعدة لمساعدة لبنان في الإصلاحات الكفيلة لوحدها بتعبئة المجتمع الدولي".
وتابعت "يعود إلى المسؤولين اللبنانيين اختيار النهوض بدل الشلل والفوضى. تقتضي المصلحة العليا للبنان والشعب اللبناني ذلك".
ويجب على لبنان تعيين رئيس حكومة جديد، عقب محاولة أولى لم تجنح في تشكيل حكومة "مستقلين" يطالب بها الشارع والمجتمع الدولي.
وعقب أسابيع من المفاوضات، تخلى رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب الذي اختير نهاية آب/أغسطس عن مهمة تشكيل حكومة لغياب التوافق الوطني.
وكان على تلك الحكومة القيام بإصلاحات ضرورية للإفراج عن المساعدة الدولية في غضون أسبوعين، وفق ما أعلن الرئيس الفرنسي خلال زيارته إلى لبنان بداية أيلول/سبتمبر.
وأثار تجاوز تلك المهلة غضب الرئيس الفرنسي الذي اعتبر ما حصل "خيانة جماعية" في خطاب ألقاه غداة استقالة أديب.
وتورط حزب الله اللبناني وحلفاؤه في ايصال البلاد الى مرحلة الازمة السياسية بسبب اصرارهم على تولي شخصية شيعية لحقيبة المالية اضافة لانتقاداته تجاه المبادرة الفرنسية التي اطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لاخراج البلد من محنته.
وفي مشهد جديد يشير الى حالة التخبط وانسداد الحلول  أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون مساء الأربعاء تأجيل المشاورات النيابية التي كان من المفترض أن تبدأ الخميس بسبب الخلافات.
وقال منسق أممي، الجمعة، إن لبنان بحاجة إلى حكومة عاجلة من أجل معالجة تحدياته المصيرية التي ازدادت خلال الفترة الأخيرة.
جاء ذلك في بيان للمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش، نشره موقع المنظمة الدولية، عشية الذكرى الأولى للتظاهرات التي انطلقت في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
وأضاف كوبيش أنه "إذا ما أراد لبنان أن يبدأ معالجة التحديات المصيرية التي يواجهها"، فعليه إيجاد "حكومة فعالة وفاعلة وداعمة، وذات قدرة وإرادة وصلاحيات لتطبيق الإصلاحات الأساسية المطلوبة بشكل عاجل".
وأشار إلى أن "مظلومية واحتياجات اللبنانيين المشروعة ذهبت أدراج الرياح خلال عام مروع تخللته أزمة اجتماعية واقتصادية متفاقمة، وجائحة قاتلة (كورونا) وانفجار صادم (في مرفأ بيروت)".

الذكرى الاولى لانتفاضة اللبنانيين تمر والبلاد في مأزق سياسي واقتصادي
الذكرى الاولى لانتفاضة اللبنانيين تمر والبلاد في مأزق سياسي واقتصادي

وذكّر كوبيش أيضا بالتدهور الحاد للعملة والتضخم والأزمة في المصارف اللبنانية، إضافة إلى انهيار الاقتصاد والأعمال في ظل شلل سياسي وحكومي واستقالة حكومتين.
واعتبر أن هذه العوامل مجتمعة "عمقت انعدام ثقة اللبنانيين بقادتهم وبلدهم، وأدت إلى انتشار الذعر والإحباط وفقدان المنظور الممزوج بالغضب"، محذرا من "احتمال فتح الباب أمام التطرف".
وأكد أن "الإصلاحات التي يحتاجها اللبنانيون معروفة (لم يذكرها)، وأن النخب السياسية الحاكمة التزمت مرارا وتكرارا بتنفيذها دون الوفاء بتعهداتها".
وشدد كوبيش على أن "حماية الديمقراطية اللبنانية وتطويرها، تتطلب أن تكون استقلالية القضاء أكثر من مجرد هدف معلن بشكل متكرر".
وفي سياق متصل، أشاد المنسق الأممي بالثورة التي شهدتها البلاد العام الماضي، قائلا إن "اللبنانيين كسروا العديد من المحرمات والمقولات حول ما يحتاجون إليه ويريدونه وما يرفضونه".
وفي الوقت الذي يبدو فيه واضحا أن تشكيل الحكومة الجديدة سيستغرق أشهرا مع تعثر المشاورات النيابية قبل بدايتها بسبب الخلافات، قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا الأربعاء إنّ لبنان يشهد وضعا اقتصاديا "كارثيا" بسبب عدم توافر الإرادة السياسية، مشيرة إلى أنّ مؤسستها لا تزال جاهزة لتقديم المساعدة.
وقالت في محادثة أجرتها على هامش اجتماعات صندوق النقد الخريفية مع الناشطة في مجال الأعمال الخيرية مليندا غيتس "نحن على استعداد تام لمساعدة لبنان"، لكنّها أضافت "نحتاج إلى شريك مستعد حقا للالتزام مع صندوق النقد الدولي".
وأشارت إلى ضرورة "إجراء تدقيق في حسابات المؤسسات المالية بما في ذلك حسابات مصرف لبنان".
وتابعت أنّه ينبغي أيضا صوغ برنامج اقتصادي "ذي مصداقية لدى المستثمرين ودائني لبنان"، موضحة أنّ ذلك شرط لإعادة هيكلة الدين اللبناني.
وقالت إنّ الأمر ممكن لكن يد واحدة لا تصفق "نحن لم نبلغ بعد مرحلة التشمير عن سواعدنا والعمل لمساعدة لبنان".
ورأت جورجييفا أنّ "التشرذم" السياسي يغرق لبنان ويمنعه من الخروج من الأزمة، معربة عن قلقها إزاء ازدياد أعداد الشبان اللبنانيين الساعين للهجرة. وتساءلت "إذا غادر الشبان، الأذكياء، من سيخرج لبنان من الأزمة؟". ويتوقع صندوق النقد الدولي انكماشا اقتصاديا في لبنان بنسبة 25 بالمئة هذا العام.
ويشهد لبنان، منذ 17 أكتوبر 2019، احتجاجات شعبية ترفع مطالب اقتصادية وسياسية، بينها رحيل الطبقة السياسية الحاكمة، التي يتهمها المحتجون بالفساد وانعدام الكفاءة.
وفي خضم استمرارها، مرت البلاد بظروف صعبة تفاقمت مع أزمة كورونا العالمية، وانفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب الماضي، الذي خلّف مئات القتلى والجرحى، بجانب دمار مادي هائل في البنى التحية.
ولا يزال يعاني لبنان، تداعيات الانفجار الكارثي الذي زاد صعوبة الوضع في البلد الذي يعيش أساسا أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 ـ 1990).