فرنسا ترفض تسليم عضو بارز في 'الماك' في ذروة التوتر مع الجزائر
باريس - رفضت محكمة الاستئناف في باريس اليوم الأربعاء طلب الجزائر تسليم المعارض والعضو البارز في حركة تقرير مصير منطقة القبائل 'ماك' أكسل بلعابسي الذي وجهت له السلطات الجزائرية تهمة ارتكاب "أعمال إرهابية"، فيما ينذر هذا الرفض بمزيد تأجيج التوتر بين البلدين اللذين يسيران إلى قطيعة دبلوماسية.
وفي إعلانه قرار المحكمة، قال رئيس غرفة تسليم المجرمين إن الطلب المقدم من السلطات الجزائرية "لا ينطبق"، فيما صفق الحضور لمدة وجيزة في القاعة بعد صدور الحكم.
وقال محامي بلعباسي، جيل ويليام غولدنادل "إنه لأمرٌ يبعث على الارتياح الكبير، إنه يوم جيد للقضاء الفرنسي. أستطيع القول إنه يوم حزين للقضاء الجزائري، ولا مكان للعدالة في الجزائر طالما أن النظام الدكتاتوري يواصل قمع مواطنيه، وخاصة شعب القبائل".
ويقبع المئات من المعارضين والنشطاء في السجون بعد أن وجهت له تهم وصفتها منظمات بأنها "مفبركة"، فيما تشير تقارير إلى أن البلاد تحولت إلى سجن كبير في ظل اشتداد القمع والتضييق على الحريات.
وكان أكسل بلعابسي من الأصوات النشطة والمؤثرة في الحراك الشعبي، حيث شارك في المظاهرات وعبّر عن آرائه ومطالبه عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بينما عُرف بانتقاداته الصريحة للسلطة في الجزائر، ودعوته إلى التغيير السياسي والديمقراطي.
وتصنف الحكومة الجزائرية حركة "الماك" كمنظمة إرهابية وانفصالية، وترفض بشدة مطالبها بالاستقلال وتتهمها بالعمالة لقوى أجنبية والسعي إلى زعزعة استقرار البلاد ووحدتها الترابية، لكنها في المقابل تدعم جبهة بوليساريو وتوفر الغطاء السياسي لقادتها، ضمن مساعيها لإطالة أمد النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
ويتهم القضاء الجزائري بلعباسي (42 عاما) بارتكاب 14 جريمة، تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام، إذ ينص قانون العقوبات على هذه العقوبة لكنها لم تعد تُطبق بموجب تعليق مؤقت يسري منذ 1993.
والمعارض المقيم في فرنسا منذ 2012 ولم يعد إلى الجزائر منذ أغسطس/آب 2019، متهم بأنه أوعز بإشعال الحرائق التي أودت بحياة 90 شخصا على الأقل ودمرت آلاف الهكتارات في صائفة 2021 في منطقة القبائل.
كما يُشتبه في أنه كان "المحرض" على قتل جمال بن إسماعيل (38 عاما)، الشاب الذي توجه لمنطقة القبائل خلال صيف 2021 للمساعدة في إطفاء الحرائق وساد الظن خطأ بأنه مُشعل الحريق.
وقال المعارض الجزائري خارج قاعة المحكمة "النضال مستمر لأننا لن نتوقف هنا"، مؤكدا أن "شعب منطقة القبائل بريء" من الاتهامات التي وجهها النظام الجزائري.
وتسعى "ماك" في نهاية المطاف إلى إقامة دولة مستقلة في منطقة القبائل، منفصلة عن الجزائر، وتهدف إلى الدفاع عن الهوية الثقافية واللغوية الأمازيغية وحمايتها وتطويرها، كما تتطلع إلى تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة في المنطقة، تخدم مصالح سكانها.
وفي أبريل/نيسان من العام الماضي أعلن زعيم الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل بالجزائر (الماك) فرحات مهني من أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك ولادة دولة القبائل، في خطوة رغم رمزيتها إلا أنها أربكت النظام الجزائري الذي يواجه عدة أزمات داخلية في ظل تنامي الاحتقان الاجتماعي وخارجية نتيجة تفاقم عزلة البلاد إثر تصدع علاقاتها مع عدة دول أفريقية، فيما لا تلوح أي بوادر للتهدئة مع فرنسا.
وتمر العلاقات الفرنسية الجزائرية بمرحلة جمود وتوتر، حيث لا يوجد سفير فرنسي معتمد في الجزائر ولا سفير جزائري في فرنسا، فيما يتجه البلدان إلى قطيعة وعلى الرغم من ذلك، لا يزال التعاون الاقتصادي والتجاري قائمًا، وإن كان قد يتأثر سلبًا بالتوترات السياسية.
ويرى مراقبون وشخصيات فرنسية أن طي صفحة الخلافات بين باريس والجزائر يتطلب معالجة القضايا التاريخية العالقة وبناء الثقة والاحترام المتبادل، وتعزيز المصالح المشتركة.