فرنسا تستعد لمغادرة مالي كرها

الانقلاب العسكري في مالي وتنامي مشاعر العداء لفرنسا يسرّعان الانسحاب الفرنسي العسكري والغربي باتجاه إعادة الانتشار في دول الساحل لمواصلة الحرب على الإرهاب.
فرنسا تنسق مع شركائها عملية انسحاب من مالي حتى لا تكون في الواجهة
مخاوف من انسحاب فوضي للقوات الفرنسية وشريكاتها من مالي
فرنسا القوة الاستعمارية السابقة تشعر بأنه غير مرغوب في وجودها بمالي

باريس - بضغط من المجلس العسكري الحاكم في باماكو، تستعد باريس وشركاؤها لإعلان انسحابهم من مالي مع تهيئة معالم الانتشار العسكري الإقليمي الفرنسي فيما لا تزال الجماعات الجهادية تحتفظ بقدرتها على إلحاق ضرر بمنطقة الساحل وتهدد خليج غينيا، ما يفتح الباب لروسيا لتوسيع نفوذها في المنطقة.

وأربك الانقلاب العسكري في مالي حسابات فرنسا في منطقة الساحل وأعاد خلط الأوراق من جديد فيما تكابد في مواجهة وضع صعب ومعقد وانتقادات داخلية وخارجية على خلفية ما أُعتبر انتكاسة كبيرة لمهمة قوة برخان في المنطقة أي مكافحة الإرهاب وكبح تمدد الجماعات المتطرفة.

وعلى عكس ما كان متوقعا، زادت الجماعات الجهادية قوة ووسعت نفوذها ومناطق سيطرتها، ما أحرج فرنسا التي بات وجودها في السنوات الأخيرة غير مرغوب فيه وتعرضت لاحتجاجات واسعة في مالي تطالبها بالرحيل.

ويجتمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع "رؤساء الدول الشريكة" في الإليزيه مساء الأربعاء لبحث وجود فرنسا في منطقة الساحل، لا سيما في مالي، في إطار مكافحة الإرهاب، وفق ما أعلن الناطق باسم الحكومة غابريال اتال الثلاثاء.

وأوضح "أنه ليس موضوعا فرنسيا ماليا لقد أضفينا على وجودنا في منطقة الساحل طابعا أوروبيا مع مساندة اثنتي عشرة دولة أوروبية انضمت إلينا"، مضيفا "يتعين اتخاذ القرارات من خلال هذا العمل التشاوري مع جميع الشركاء".

وتابع "وبذلك سيُعقد لقاء مساء غد (الأربعاء) في قصر الإليزيه" مع رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون "ورؤساء الدول الشريكة لوجودنا في منطقة الساحل من أجل مكافحة الإرهاب"، بحسب اتال.

وتقول مصادر متطابقة إنه من المقرر أن يعلن الرئيس إيمانويل ماكرون مساء الأربعاء أو الخميس انسحاب القوات الفرنسية في مالي من عملية برخان المناهضة للجهاديين، على هامش قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي التي ستعقد في بروكسل.

ومن المقرر أيضا أن تنسحب "مجموعة تاكوبا الأوروبية للوحدات الخاصة" التي شكّلت بمبادرة من فرنسا في العام 2020 وتهدف إلى الوقوف بجانب الجيش المالي في مواجهة الجماعات الجهادية.

وقال وزير الدفاع الإستوني كالي لانيت للصحافة الإستونية "من المستحيل الاستمرار في ظل هذه الظروف، جميع الحلفاء الآخرين يشاطروننا الرأي"، في إشارة إلى العراقيل المتكررة التي تضعها حكومة مالي لعمل الشركاء الأجانب ومنها طرد السفير الفرنسي والمطالبة بانسحاب كتيبة دنماركية و"عدم تنظيم انتخابات ديمقراطية" خلافا لتعهد المجلس العسكري بإعادة السلطة بسرعة إلى المدنيين.

ويبدو أن الأوروبيين المشاركين في بعثة تاكوبا والشريكين البريطاني والأميركي، المساهمين في الجهود المبذولة في مالي، تجاوزوا بعض الخلافات، لا سيما حيال ترك المجال مفتوحا أمام النفوذ الروسي في مالي، في حين يتهم الغربيون المجلس العسكري بـالاستعانة بمجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية، بحسب عدة مصادر مطلعة.

وتشكل هذه الجبهة الموحدة ضرورة سياسية للإليزيه، فهي تحول من جهة دون وضع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، في الواجهة، على خلفية تنامي المشاعر المعادية لها في منطقة الساحل، ومن جهة أخرى بدون المقارنة مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في اغسطس/اب الماضي والذي اتسم بالفوضى.

وأشار مصدر قريب من الرئاسة الفرنسية إلى أن "المغير الحقيقي للعبة هو أن القوات المسلحة المالية ستحرم بين ليلة وضحاها من دعمنا الجوي، الأمر الذي يهدد بحدوث فراغ أمني".

قد يؤدي الانسحاب القسري من مالي حيث قتل 48 جنديا فرنسيا (53 في منطقة الساحل) إلى انتكاسة مؤلمة لباريس التي تتولى الآن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي وقبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي من المتوقع أن يترشح فيها ماكرون لولاية رئاسية جديدة.

ومع ذلك، تعتزم باريس مواصلة قتال الجهاديين في المنطقة، حيث لا تزال الحركات التابعة للقاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية تنشط بقوة على الرغم من القضاء على العديد من قادتها.

وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الاثنين "إذا لم يتم استيفاء الشروط لنتمكن من العمل في مالي، فسنواصل محاربة الإرهاب إلى جانب دول الساحل التي تطالب جدا بذلك".

ومن المرجح أن تؤدي النيجر المجاورة، الحليفة التي تستضيف قاعدة جوية فرنسية، دورا مهما في الانتشار الجديد. وكانت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي زارت نيامي مطلع فبراير/شباط حيث التقت الرئيس النيجيري محمد بازوم.

وتسعى باريس كذلك للوقوف إلى جانب دول أخرى في غرب إفريقيا (ساحل العاج والسنغال وبنين) لمساعدتها على مواجهة انتشار الجهاديين نحو خليج غينيا.

ويتمثل التحدي في الأشهر المقبلة في جعل الوجود الفرنسي أقل بروزا عبر تعزيز"التعاون"، دون أن يحل مكان القوات المحلية. كما سيتعين على باريس تحمل عواقب طموحاتها الإستراتيجية المخيبة للآمال في مالي، على الرغم من الانتصارات التي لا يمكن إنكارها ضد الجماعات المسلحة.

لم تتمكن السلطة السياسية في مالي مطلقا من نشر الوسائل اللازمة لبسط سلطتها وخدماتها في المناطق شبه الصحراوية التي مشطتها بعثة برخان. ولا يزال الجيش المحلي ضعيفا للغاية رغم الجهود المبذولة منذ سنوات لتدريبه.