فرنسا.. والإمامة الكبرى للمسلمين

العمليات الإرهابية أدت إلى أزمة في شرعية تمثيل المسلمين حيث لا تمثل المنظمات الإسلامية القائمة المنتسبة إلى دول المنشأ أو جماعات الإسلام الحركي الإخواني أو السلفي مختلف المكونات للوجود الإسلامي في فرنسا مما يعوق اندماجها في المجتمع.

بقلم: محمد البشاري

تنظيم الإسلام مشروع قديم جديد في فرنسا، يتجدد طرحه عشية كل استحقاقات انتخابية رئاسية، ويستمر مع كل حدث إرهابي يصيب فرنسا، ويثير تهمة عجز المنظمات التمثيلية للمسلمين بمجالسها ومؤسساتها في استيعاب الشباب المسلم وتحصينه من الانجراف وراء الجماعات القتالية أو تيارات الإسلام السياسي. لقد حاولت جميع الحكومات التي نجحت منذ ثمانينيات القرن الماضي أن تنشئ تصوراً يحدد ماهية الإسلام بفرنسا، بهدف مزدوج يتمثل أولاً في إنجاح اندماج الجالية المسلمة في فرنسا، وثانياً محاربة التطرف الديني، خصوصاً في أوساط شباب الضواحي الذين يعيشون التهميش الاقتصادي وضحية للتمييز العنصري وللخطابات الدينية المؤدلجة.

شهدت فرنسا عدة أعمال إرهابية أزهقت الآلاف من الأرواح البريئة، وذلك منذ الثورة الخمينية وتصديرها لمشروع ثورة ولاية الفقيه، حيث شهدت شوارع «جون بار» بباريس تفجيرات واغتيالات، مروراً بالعمليات الإرهابية من طرف الجماعات المقاتلة الجزائرية وتوظيفها لشباب الضواحي في تنفيذ إجرامها الإرهابي بأسواق ليل وليون وميترو باريس، واختطاف الطائرة الفرنسية بمطار مارسيليا، إلى أحداث خالد قلقال

ومحمد ميرا والضربات المتتالية لـ«القاعدة» و«داعش» واستهدافهما لفرنسا وشعبها ومؤسساتها بالداخل والخارج. كان هدف كل المشاريع السياسية اليسارية واليمينية هو إنشاء (إسلام فرنسي) وفقاً للقيم الوطنية، وخاصة العلمانية، وبعيداً عن تأثير جماعات التطرف والتحزب الراديكالية التي تسود كثيراً من دول العالم الإسلامي. جرت محاولات سابقة لتأسيس إسلام فرنسي - تحويل الإسلام إلى فرنسا عِوَض الإسلام في فرنسا الذي هو على صلة وثيقة ببلدان منشأ المسلمين الفرنسيين، لا سيما المغرب والجزائر وتونس وتركيا.

أدى ذلك إلى أزمة في شرعية تمثيل المسلمين، حيث لا تمثل المنظمات الإسلامية القائمة، المنتسبة إلى دول المنشأ أو جماعات الإسلام الحركي «الإخواني» أو السلفي، مختلف المكونات للوجود الإسلامي في فرنسا، مما يعوق اندماجها في المجتمع، وطبقاً لحكومة ماكرون، يفتح الطريق أمام أيديولوجيات خطيرة توظف هذا الوجود في أجندتها السياسية. هيكلة الإسلام في فرنسا، الفكرة ليست جديدة على خلاف الطوائف الأخرى، فإن الإسلام السني غير مجهز بتنظيم هرمي واضح لا يقبل الجدل، ولذلك تفتقر الدولة إلى محاور متميز وكانت تحاول منذ 30 عاماً، سد هذه الفجوة، لإنشاء هذا الهيكل. فمن مبادرة «كورف»(مجلس التأمل في الإسلام في فرنسا) للوزير الاشتراكي «بيار جوكس» إلى (المجلس الفرنسي للدين الإسلامي) الذي أنشأه الوزير اليميني نيكولا ساركوزي، فإنها باءت بالفشل، لذا بادر المجلس الفرنسي للدين الإسلامي بإطلاق مبادرة داخلية للبحث عن آليات جديدة لإصلاح المجلس سيتم الكشف عنها في يونيو الجاري وطرحها على الحكومة، وكأنه في سباق مع مشروع محاولة لإعادة التفكير في تنظيم الإسلام في فرنسا لإيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية، الذي قال في مقابلة في«جورنال دو ديمانش» إنه يأمل في «إرساء الأساس لهيكل جديد للمسلمين في عام 2018»، دون تحديد المسارات المفضلة. وللقيام بذلك، فإنه يضاعف المشاورات والمقابلات، بين الخبراء ولكن أيضاً بعض الزعماء الدينيين. «أيا كان الخيار الذي يتم اختياره، فإن هدفي هو في كل الأحوال إيجاد حلول من قلب العلمانية، وضمان حرية الاعتقاد من عدمه، من أجل الحفاظ على التماسك الوطني».

من بين سبل التفكير التي بدأها إيمانويل ماكرون: الحد من تأثير الدول الأجنبية، والتي تشمل بناء المساجد. يحظر قانون 1905 المتعلق بالفصل بين الكنيسة والدولة على السلطات بناء أماكن العبادة: إذا كان المسلمون يريدون مسجداً، فإن المؤمنين يمولونه، بفضل التبرعات. وهذا ما يدفع المصلين إلى التحول إلى التمويل الأجنبي، بما في ذلك دول الخليج.

ومع ذلك، تخشى السلطات أنه من خلال هذه التبرعات، تفرض الدول رؤية معينة للدين، صارمة للغاية في أعينها. «يمكننا التحكم في مصدر المال وطريقة استخدامه ولكن لا يمكننا حظر التبرعات الأجنبية». وللتذكير بأن الكاتدرائية الروسية الأرثوذكسية الجديدة التي افتتحت في باريس تم تمويلها بالكامل من موسكو.

من الواضح أن فكرة (الإمام الأعظم) لمسلمي فرنسا جعلت طريقها- حسب مصدر مقرب من الإليزيه- «إيمانويل ماكرون محاطاً بشخصين: حكيم القروي كان يهمس في أذنه اليمنى، والحاخام الأكبر لفرنسا في أذنه اليسرى». وتحت تأثير كايم كورسيا، قد يسارع الرئيس الفرنسي في إنشاء هذه الإمامة العظيمة وإسنادها للإخواني طارق أوبرو إمام مدينة بوردو، خصوصاً بعد فشل جان-بيير شوفينمو وزير الداخلية الأسبق في إدارة «مؤسسة الإسلام في فرنسا» - وكان تنصيبه لرئاستها قد أثار استياء المسلمين - مرة أخرى، يشجع الدولة إنشاء الإمامة العظمى، دون أن يتم استشارة المسلمين.

فهل يمكن لماكرون فرض (الإمامة الكبرى) على المسلمين بفرنسا دون الرجوع إليهم؟ وهل سترضى المؤسسات الإسلامية الأخرى بقبول رموز الإسلام السياسي على رأس هذه المؤسسة الجديدة؟