فريد بوغدير يطير بـ'كاميرا عربية' إلى بولونيا

المخرج التونسي يستعد لتقديم النسخة المرممة من فيلمه الوثائقي الطويل في مهرجان 'السينما المستعادة' بإيطاليا.

تونس - سيشهد فيلم "كاميرا عربية" للمخرج التونسي فريد بوغدير، أخيرا عرضه العالمي الأول في مهرجان "السينما المستعادة"، في مدينة بولونيا الإيطالية، بعد أن تم رفضه من قبل لجان اختيار المهرجانات الأوروبية المخصصة للأفلام الكلاسيكية المرممة.

ويتتبع فريد بوغدير في الفيلم تطور اهتمام صانعي الأفلام بإنتاج سينما أكثر وعيًا اجتماعيًا. تشمل الموضوعات قضية حقوق الأراضي الفلسطينية وطبيعة الهوية العربية. يشترك صانعو الأفلام أيضًا في الرغبة في تطوير تقليد شعري قوي.

وستعرض النسخة التي تم ترميمها العام الماضي من قبل الأرشيف الفرنسي للسينما التابع للمركز الوطني للسينما والصورة المتحركة، في بولونيا ضمن قسم "الأفلام الوثائقية المستعادة" في مهرجان "السينما المستعادة" الذي تعقد دورته التاسعة والثلاثين في الفترة الممتدة بين الحادي والعشرين والتاسع والعشرين من يونيو/حزيران الجاري.

وتنشر وكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات)، حصريا، المراحل الرئيسية التي سبقت اختيار هذا الفيلم الأيقوني في السينما العربية والأفريقية، في بولونيا، منذ إنتاجه سنة 1987 وحتى ترميمه، والعقبات التي حالت دون ترشيحه في مهرجانات أوروبية أخرى.

وقال المخرج فريد بوغدير "لقد أكد مهرجان السينما المستعادة الذي يعتبر اليوم أهم تظاهرة عالمية لعرض الأفلام الكلاسيكية، التي تركت بصمة في تاريخ السينما بنسخها المرممة، الاختيار الرسمي للعرض العالمي الأول لفيلم 'كاميرا عربية'، في نسخته الجديدة عالية الدقة (4K)، بفضل تدخل أرشيف الفيلم التابع للمركز الوطني الفرنسي للسينما في بوا دارسي".

وسيحضر المخرج والناقد والمؤرخ السينمائي التونسي فريد بوغدير تقديم
النسخة المرممة من الفيلم الوثائقي الطويل "كاميرا عربية" ببولونيا في الرابع والعشرين من يونيو/حزيران الجاري، بعد أن قدمها عند إنتاجها في مهرجان كان السينمائي.

ويقدم "'كاميرا عربية' أهم أفلام الموجة الجديدة في السينما العربية مع تصريحات قوية لمؤلفيها، الذين لا يزال بعضهم ينشط حتى اليوم"، وفق بوغدير، ذاكرا في هذا الصدد سينمائيين مثل الفلسطيني ميشيل خليفي، وآخرين راحلين مثل المصري يوسف شاهين، والسوري عمر أميرالاي، والتونسي عبداللطيف بن عمار، واللبناني برهان علوية مخرج الفيلم الشهير "كفر قاسم" الذي نال التانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية 1974، والذي تناول مذبحة المدنيين الفلسطينيين التي ارتكبها جيش الاحتلال عام 1956.

ويعد فيلم "كاميرا عربية" أول فيلم وثائقي طويل، خصص لـ"الموجة الجديدة"، في السينما العربية التي نشأت بعد "حرب الأيام الستة" عام 1967، على خطى الرائد والسباق يوسف شاهين، بحسب ما أشار إليه بوغدير.

وظهرت هذه الموجة الجديدة من السينما العربية كرد فعل على السينما التجارية المصرية التي كانت تسيطر آنذاك، وبلا منازع على العالم العربي، مفضلة عليها "سينما المؤلف"، التي تكشف عن الواقع الاجتماعي والسياسي اليومي للدول العربية من خلال إبداع جمالي أصيل.

ويعتبر "كاميرا عربية، 20 عاما من السينما العربية الجديدة" الجزء الثاني بعد "كاميرا أفريقيا، 20 عاما من السينما الأفريقية"، من فيلمين وثائقيين، أنجزهما بوغدير كملحقات مصورة لأطروحة دكتوراه الدولة التي قدمها في السوربون، وهي مخصصة للسينمائيين العرب والأفارقة الجدد.

وكان رفيق درب هؤلاء السينمائيين لفترة طويلة، خاصة خلال أيام قرطاج السينمائية منذ عام 1966 ومهرجان فيسباكو في واغادوغو منذ عام 1969، أين نال تكريما عام 1987.

وينوه بوغدير بالمونتاج المبتكر للفيلم بفضل براعة التونسية مفيدة التلاتلي (1947-2021)، قبل فترة وجيزة من انتقالها إلى الإخراج.

وعرض "كاميرا عربية" في عام صدوره، في الاختيار الرسمي لمهرجان "كان" في دورته الأربعين. وقال بوغدير "واجه الفيلم صعوبات كثيرة في العرض بعد ذلك، أكثر مما واجهه فيلم (كاميرا أفريقيا)".

وصرح المخرج مستغربا "رغم ترميمه منذ أكثر من عام، في 2024، لم يقبل بعرضه أي قسم من أقسام المهرجانات الأوروبية المخصصة للكلاسيكيات المرممة".

وأضاف "ومع ذلك، فقد تم ترميمه بدقة عالية (4K) بفضل التدخل الحاسم لنفس قسم أرشيف الفيلم بالمركز الوطني الفرنسي للسينما في بوا - دارسي، الذي رمم الجزء الأول من فيلم 'كاميرا أفريقيا' وفور ترميمه في عام 2019، تم اختيار الأخير فورا من قبل مهرجان 'كان' في قسمه المرموق 'كان كلاسيك' الذي يضم الأفلام التي وسمت تاريخ السينما العالمية".

ويرجح بوغدير أن وجود مقطع من فيلم "كفر قاسم" في "كاميرا عربية" قد يكون هو ما أعاق حتى الآن عرض النسخة المرممة على الصعيد الدولي، فمقطع "كفر قاسم"، حسب تساؤلات المخرج، ربما يمكن اعتباره "صادما" للبعض في السياق الحالي في الشرق الأوسط مذكرا في هذا السياق أنه قام، حين ترأس أيام قرطاج السينمائية عام 2024، "بتكريم السينما الفلسطينية على جميع مستويات المهرجان".

وأعرب بوغدير عن سعادته باختيار فيلمه في مهرجان بولونيا، قائلا "يبدو أن التحدي قد تم تجاوزه أخيرا في إيطاليا، على يد جيان لوكا فارينيلي، مدير مهرجان 'السينما المستعادة'، ورئيس سينماتيك بولونيا، وهو صديق قديم وعظيم ومتعاون مع سينماتيك تونس، الذي وصف 'كاميرا عربية' بـ'الفيلم الرائع' وأنه 'من المهم جدا عرضه في السياق الحالي'".

وجاء في افتتاحية مهرجان "السينما المستعادة" 2025 بقلم جيان لوكا فارينيلي: "هناك أفلام تنقلك إلى حيث لم تذهب من قبل، أو إلى قلب ما عشته بالكامل ونسيته: كما في فيلم 'كاميرا عربية' الثمين".

ويعرض فيلم بوغدير ضمن مجموعة مختارة من الأفلام الأيقونية في السينما العالمية في كتيب الدورة 39 لمهرجان "السينما المستعادة" الذي سيكرم المخرج الياباني الكبير ميكيو ناروسي، والمايسترو الإيطالي لويجي كومنشيني، بالإضافة إلى روائع مستعادة للهندي ساتياجيت راي، والإيراني بهرام بيضائي، والألماني جوزيف فون ستيرنبرغ، والإنكليزي ألفريد هيتشكوك، والفرنسي جان رينوار.

وقال بوغدير في حديثة مع وكالة (وات) إنه بعد مهرجان "السينما المستعادة" من المنطقي أن يعرض "كاميرا عربية" بعد ذلك للجمهور التونسي خلال الدورة 35 لأيام قرطاج السينمائية التي ستقام من 7 إلى 20 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

والفيلم الوثائقي "كاميرا أفريقيا 20 عاما من السينما" مدته 98 دقيقة، وهو إنتاج تونسي فرنسي مشترك عرض في مهرجان "كان" عام 2019 بنسخة مرممة ضمن خطة ترميم أطلقها المعهد الفرنسي والمركز الوطني للسينما تحت إشراف لجنة التراث السينمائي الأفريقي.

وفي عام صدوره سنة 1983، تم اختيار "كاميرا أفريقيا" في قسم "نظرة ما" في مهرجان "كان".

ويتناول الفيلم الذي أنجز على مدى 10 سنوات، بدايات السينما في أفريقيا وتطورها، من خلال مقتطفات من أفلام وشهادات لسينمائيين أفارقة تم جمعها على هامش الدورات المتتالية لأيام قرطاج السينمائية ومهرجان فيسباكو.

وقدم بوغدير خلال عرضه في "كان كلاسيك"، فيلما ينطلق من "ذلك الإيمان الاستثنائي، لدى سينمائيي ما بعد الاستقلال، بأن السينما يمكن أن تغير العالم". وكان بوغدير قد تحدث أيضا عن "كاميرا عربية" الذي كان يأمل أن يراه يوما ما بنسخة مرممة في نفس القسم.

وها هو الحلم يتحقق في إطار مهرجان "السينما المستعادة" المرموق، وهو تجمع سينمائي كبير مخصص للسينما التراثية يجمع المتخصصين في ترميم الأفلام، وأغلبهم من مديري دور السينما، السينماتيك، من القارات الخمس.

وفريد بوغدير مخرج تونسي وناقد ومؤرخ سينمائي، وهو أيضا صحفي بمجلة "جون أفريك" منذ سنة 1971 وأستاذ بجامعة تونس. فاز أول عمل روائي طويل له "عصفور سطح" (أو الحلفاوين) الذي يعد أشهر الأفلام التونسية في العالم بعدة جوائز من بينها التانيت الذهبي في أيام قرطاج السينمائية سنة 1990.