فزعة فنية لإنقاذ تحفة معمارية مهددة في لبنان

فنانون يقيمون معارض لإلقاء الضوء على معلم من تصميم أوسكار نيماير أشهر معماريي العالم في القرن العشرين، مهدّد بالانهيار في حال لم تتّخذ إجراءات سريعة لترميمه.
نموذج فريد في لبنان والمنطقة، يختصر تطوّر العمارة في مئة عام
قيمة معمارية وتوثيق لمرحلة ذهبية من تاريخ لبنان الحديث
اليونسكو تدرس إدراج التحفة المعمارية على لائحة التراث العالمي

طرابلس (لبنان) - على مقربة من شاطئ طرابلس في شمال لبنان ترتفع تحفة معمارية يجهل كثير من اللبنانيين أنها من تصميم أوسكار نيماير أشهر معماريي العالم في القرن العشرين، وأنها مهدّدة بالانهيار في حال لم تتّخذ إجراءات سريعة لترميمها.
ويسعى فنانون من خلال معارض حديثة لإلقاء الضوء على هذه المباني التي تشكّل "معرض رشيد كرامي الدولي" فيما تدرس منظمة اليونسكو إدراجها على قائمة مواقع التراث العالمي.
ويتحدث المهندس اللبناني وسيم ناغي، وهو رئيس اتحاد المهندسين المعماريين في حوض المتوسط، عن أهميّته المعمارية قائلا "إنه نموذج مستقبليّ فريد في لبنان والمنطقة، بالحداثة واعتماد المنحنيات، يختصر تطوّر العمارة في مئة عام".
ويمتد المجمع وهو من تصميم المهندس البرازيلي ذي الشهرة العالمية أوسكار نيماير في العام 1962، على مساحة إجمالية من مليون متر مربّع، ليكون بذلك "من أضخم أعماله خارج البرازيل" وفقا لناغي. أما المباني المقامة فيه فمساحتها 110 آلاف متر مربع.
وقد صمم نيماير مدينة برازيليا عاصمة البرازيل وهو توفي في العام 2012 عن 105 أعوام.
وتحمل هذه التحفة المعمارية التي حولت خلال مرحلة من الحرب اللبنانية (1975-1990) إلى مقر للقوات السورية، آثار الاهمال التام مع ظهور تصدعات في الابنية وانتشار أعشاب غازية.
وإضافة إلى القيمة العمرانية الفريدة لهذا المعلم، يرى منظّمو معرض "أطوار العمران" أنه "يوثّق لمرحلة ذهبية من تاريخ لبنان الحديث بما حملته من أحلام عمرانية وعلمية وثقافية" أودت بها الحرب الأهلية العام 1975، بحسب ما تقول مفوّضة المعرض كارينا الحلو.

برنامج فضاء لبناني
ففي أحد مبانيه، وتحديدا تحت مدرج لهبوط الطائرات المروحية، كان مقرّرا أن يقام متحف يوثّق لمحاولة لبنانية جريئة في غزو الفضاء لا يعرف كثير من اللبنانيين عنها شيئا.
ففي الستينيات من القرن العشرين، وفيما كان لبنان يعيش نهضة ثقافية وفنيّة وعلمية، وانتعاشا مالياً وسياحيا، دعمت الحكومة مشروعا فضائيا تكلّل فعلاً بإطلاق صواريخ تجريبية صغيرة غير مأهولة.
لكن برنامج الفضاء توقّف في العام 1969، أما متحف الفضاء فلم يبصر النور هو أيضا بسبب قيام الحرب.
ولذا، حاول فنانون لبنانيون أن يحيوا الذكرى من خلال أعمال حديثة وضعت في المكان الذي كان مقررا أن يقام فيه متحف الفضاء.
ومن هذه المعروضات صاروخ يشبه صاروخ "سيدر" الذي أطلق فعلا في الستينيات، وبعض المجسّمات والأفلام الوثائقية والتحريكية التي تظهر إقلاع الصواريخ اللبنانية وهبوطها.
ومن الأجنحة التي احتلّت مباني المعلم عمل مسرحي تجريبي في القبّة الكبيرة للبناني زاد ملتقى تحت عنوان "دونت فول" (لا تقع)، وعرض صوتي للمكسيكي إدواردو أراغون يسلّط الضوء على مشكلة مكتومي القيد في طرابلس، وعشرة أعمال في القاعة الكبرى لفنانين لبنانيين ومكسيكيين تتركّز حول فكرة "أطوار العمران" من التاريخ القديم وحتى الآن.
 خطر محدق 
والهدف من هذه المعارض، إضافة إلى تذكير اللبنانيين بماض مشرق عاشه بلدهم، هو "إلقاء الضوء على الخطر المحدق بهذا المعلم"، بحسب كارينا الحلو.

في الستينيات من القرن العشرين، وفيما كان لبنان يعيش نهضة ثقافية وفنيّة وعلمية، وانتعاشا مالياً وسياحيا، دعمت الحكومة مشروعا فضائيا تكلّل فعلاً بإطلاق صواريخ تجريبية صغيرة غير مأهولة

وتوضح "من الجيّد أن نرمم المباني الشاهدة على التاريخ القديم للبنان، لكن ينبغي أيضا الاعتناء بتلك المعالم التي توثّق للتاريخ الحديث لهذا البلد، تاريخ الجمهورية اللبنانية".
ويقول وسيم ناغي، وهو أيضا متخصص بالترميم "هذه المباني مشيّدة من الاسمنت المسلّح، وهي تحتاج إلى ترميم سريع، هناك مبان تتآكل، وكتل تتساقط وكثير من التصدّعات".
ويؤكد "يجب القيام بمعالجة حقيقية".
ويشرح خطة العمل اللازمة لإنقاذه "نحتاج إلى دراسات معمّقة، ثم تلزيم المشاريع لشركات متخصصة، وهذا يحتاج إلى مال كثير، وبالتالي لقرار حكومي".
وفي ظلّ التعثّر السياسي والاقتصادي والأزمات المتلاحقة في لبنان وفشل السلطات في إدارة الكثير من الملفات الملحّة، لا يُبدي المهندس تفاؤلا كبيرا بأن تأخذ هذه الأمور مجراها.
ويقول محذّرا "نحن نخشى من وقوع مفاجآت غير سارّة، وخصوصا في موسم المطر، نطلق نداء طارئا للدولة للتدخّل".
لكنه يؤكد "أتفاءل بعض الشيء من أن يصبح الموضوع في اهتمام اليونسكو... لكن الجو المأزوم في البلد لا يبشّر بكثير من الخير".
وقبل أيام، قالت مندوبة لبنان في منظمة اليونسكو سحر بعاصيري إن بعثة بلدها "تتطلّع إلى متابعة العمل لوضعه على لائحة التراث العالمي عن فئة العمارة الحديثة".
ويقول أكرم عويضة رئيس مجلس إدارة "معرض رشيد كرامي" "نحاول أن نحصل على أموال من الحكومة.. لقد تلقينا وعودا من مسؤولين ولكن لم تتحقق بعد، نأمل أن تتحقق في القريب العاجل لأن بعض المباني تحتاج إلى تدخّل سريع".
ويختم قائلا "نأمل أيضا أن نحصل على تصنيف من اليونسكو... فهذا قد يفتح الباب لأموال من جهات مانحة".