فشل تمرير قانون حل الكنيست يمنح نتنياهو دفعة لمواصلة حرب غزة
القدس – شكّل فشل المعارضة الإسرائيلية في تمرير اقتراح قانون لحل الكنيست، صباح الخميس، محطة سياسية مفصلية في المشهد الإسرائيلي المضطرب، ليس فقط لأنه أحبط مسعى لتنظيم انتخابات مبكرة، بل لأنه منح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو دفعة معنوية وسياسية كبيرة، في وقت تتعرض فيه حكومته لضغوط داخلية وخارجية متزايدة، على خلفية الحرب المستمرة في قطاع غزة.
وصوّت 61 نائبا ضد اقتراح المعارضة مقابل تأييد 53، وهو ما حال دون إسقاط الحكومة، رغم محاولات استمالة الأحزاب الدينية المتشددة، حلفاء نتنياهو التقليديين، بسبب الخلاف حول قانون التجنيد الإجباري. لكن رغم التهديدات، لم تنكسر وحدة التحالف الحاكم، ولو مؤقتًا، ما سمح لنتنياهو بتمرير اختبار سياسي آخر، يعكس قدرته على الحفاظ على التماسك الائتلافي في لحظات دقيقة.
ورغم أن النتيجة البرلمانية، جاءت بأغلبية ضئيلة، تحمل في مضمونها رسالة سياسية بالغة الأهمية: نتنياهو ما يزال يملك القدرة على المناورة وتثبيت حكمه، رغم الانقسامات والتحديات. هذا الفوز البرلماني يمنحه غطاءً جديدًا للاستمرار في سياساته، خصوصًا في الملف الأكثر سخونة حاليًا وهو الحرب على غزة.
ومنذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، واجهت حكومة نتنياهو اتهامات بالفشل الاستخباراتي، وتعرضت لانتقادات من عائلات الرهائن الإسرائيليين، ومن فئات واسعة في المجتمع، بما في ذلك قيادات سابقة في الجيش والسياسة. ومع ذلك، فإن تجاوز هذا "الكمين البرلماني" يعيد تلميع صورته كقائد متمسك بالسلطة وممسك بخيوط اللعبة السياسية، رغم الزلازل التي تعصف بإسرائيل على مستويات عدة.
من الزاوية الأخرى، شكّل فشل اقتراح المعارضة نكسة للمكونات السياسية التي كانت تراهن على تفكك الائتلاف الحاكم، عبر ثغرة التجنيد الإجباري. المعارضة كانت تأمل أن تؤدي الانقسامات بين الليكود والأحزاب الدينية إلى تصويت مفاجئ يطيح بالحكومة، ويمهد الطريق لانتخابات مبكرة قد تغيّر موازين القوى. لكن الفشل يعني، وفق النظام البرلماني الإسرائيلي، أنه لا يمكن طرح اقتراح مشابه قبل ستة أشهر، ما يمنح نتنياهو وقتًا ثمينًا لترتيب أوراقه وتجاوز التحديات، وربما استثمار الوضع الأمني لإعادة تأطير الخطاب العام في صالحه.
وستتأثر السياسيات العسكرية في غزة بلا شك بهذه النتيجة. نتنياهو الذي يواجه ضغوطًا من المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار أو الدخول في مفاوضات جدية، سيشعر الآن أن موقفه الداخلي أقوى، وأن فرص استمراره في الحكم ما تزال قائمة، ما يمنحه هامشًا أوسع لمواصلة العمليات العسكرية، بل وتوسيع نطاقها إن اقتضت الحاجة، دون الخوف من تفكك حكومي فوري.
هذا يعني أن آفاق التهدئة أو تسوية سياسية في غزة قد تتأخر، لأن نتنياهو سيرى في الصمود البرلماني دليلًا على أن معادلة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" ما زالت ناجحة في الداخل الإسرائيلي، وأن تأجيل الحسم السياسي الداخلي يتيح له المضي في سياسات الحرب دون تنازلات كبيرة.
ويبدو أن نتنياهو كسب وقتًا سياسيًا ثمينًا، ليس فقط لتعزيز سيطرته، بل أيضًا لإعادة بناء روايته السياسية والعسكرية في ظل استمرار العمليات في غزة. وفي المقابل، خسرت المعارضة فرصة استراتيجية لإسقاط الحكومة، ما سيجعل تحركاتها المقبلة أكثر صعوبة، في ظل نظام سياسي معقد وتحالفات متوترة.
وما بين قانون التجنيد، والرهائن، وضغوط الجبهة الشمالية، سيبقى بقاء نتنياهو في الحكم مرتبطًا بقدرته على توظيف الأزمات لاجتيازها، وهو ما فعله مجددًا هذه المرة في الكنيست.