فضيحة الوقود المغشوش تشعل حربا سياسية ضد التيار العوني

سليمان فرنجية رئيس تيار المردة يشن هجوما غير مسبوق على الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل ويتهم التيار الحر بـ"الكذب" ومحاولة التأثير على القضاء وتسييس ملف الوقود المغشوش.
6 وزراء من التيار الوطني الحر يخضعون للتحقيق
الصفقة كلفت خزينة الدولة خسائر بحوالى 400 مليون دولار
تمسك جبران باسيل بوزارة الطاقة تثير الشكوك أكثر

بيروت - اتهم سليمان فرنجية رئيس تيار المردة الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، بـ"الكذب" ومحاولة التأثير على القضاء بخصوص فضيحة الوقود المغشوش، مشيرا إلى أن التيار العوني يريد تسييس الملف للإفلات من مسؤولية وزرائه فيه.

وأثارت تصريحات الوزير والنائب السابق التي خصص لها مؤتمرا صحافيا أمس الاثنين، جدلا واسعا حيث يتابع الشارع اللبناني هذه الأيام سجالا محموما واتهامات خطيرة بين السياسيين بعد أن طالت تحقيقات القضاء وزراء من التيار الوطني الحر وأحزاب أخرى حول قضية الوقود المغشوش لمؤسسة الكهرباء لتكشفت المزيد من المعطيات الخطيرة عن تورّط موظفين في وزارة الطاقة ورجال أعمال مدعومون سياسيا.

وشن فرنجية هجوما حادا على التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، مؤكدا أن رئيس المنشآت النفطية، سركيس حليس، المحسوب على تيار المردة والذي صدرت مذكرة توقيف غيابية بحقه للتحقيق معه بملف الوقود المغشوش "سيمثل أمام العدالة ولكن ليس عدالة جبران باسيل".

وطالب فرنجية بأن يتحمل الوزراء المتعاقبون على وزارة الطاقة المسؤولية في هذا الملف، مشيرا إلى أنه خلال فترة العقد مع الشركة 6 من أصل 7 وزراء للطاقة كانوا تابعين  للتيار الحر.

وأوضح وزير الداخلية اللبناني الأسبق أن هناك تلاعب في تحديد مسؤوليات الفساد في هذا الملف حيث يتم توجيه المسؤولية للوزير ما فوق عندما يتعلق الأمر بوزارة الأشغال بينما تصبح المسؤولية من المدير العام وما دون عندما يتعلق الأمر بوزارة الطاقة، في إشارة لوزراء التيار الحر.

وتفجر الجدل بخصوص ملف الوقود المغشوش أكثر بعد أن بدأ سياسيون يتبادلون الاتهامات فيما بينهم على إثر توجيه القضاء دعوات للاستماع إلى وزراء الطاقة السابقون، ستة منهم ينتمون إلى التيار الوطني الحر، وفي مقدمتهم رئيسه جبران باسيل الذي تولى جقيبة الطاقة عام 2009.

وكشفت التحقيقات عن أسماء لشخصيات محسوبة على تيار المردة أيضا ومن هناك بدأت سبحة المتورّطين تنفرط شيئا فشيئا ليدخل ملف الوقود المغشوش ضمن سجال سياسي خطير تم خلاله تبادل الاتهامات وكشف الفضائح بين الجانبين يرجح أن تطيح بعدد كبير من السياسيين والمسؤولين ورجال الأعمال.

وبدأت التحقيقات في هذه القضية التي ضاعفت أزمات لبنان الاقتصادية، مع اكتشاف باخرة من الوقود المغشوش المستورد من الجزائر منتصف أبريل الماضي، لتكشف القضية النقاب عن عمليات فساد مماثلة أخرى.

وبيت التحقيقات أن الوقود المغشوش المستورد لا يتطابق مع المواصفات المطلوبة وتم ذلك بالتواطؤ مع موظفين ومسؤولين في مختلف المستويات ما أدى إلى أعطال في شركة الكهرباء وخسائر في خزينة الدولة اللبنانية تقدر بـ400 مليون دولار أميركي.

ونهاية الشهر الماضي أمرت محكمة لبنانية بإيداع 17 شخصا الحبس المؤقت على ذمة التحقيق، بينهم ممثل شركة سوناطراك الجزائرية للمحروقات في لبنان.

hg
الفساد يستزف الدولة واللبنايون يموتون جوعا

وطلب القضاء اللبناني الكشف عن السرية المصرفية والحركة المصرفية للشركات المستوردة وعدد من كبار المتورطين في القضية بعدما أصدرت مذكرتي توقيف بحق مديرة عام النفط أورور الفغالي ورئيسة المختبرات المركزية في المنشئات النفطية خديجة نورالدين.

وينتظر أن تتوسّع دائرة الملاحقات لتطال عدداً كبيراً من موظفي وزارة الطاقة والمنشآت النفطية ومسؤولين وموظفين لدى سوناطراك التي تستورد الفيول لصالح لبنان، ومديرين وموظفي شركة "زد آر إنيرجي" وفي المختبرات التي تتولى فحص عينات الفيول المستورد.

وكان جبران باسيل أول المسؤولين الذين تعرضوا لانتقادات حادة خلال الاحتجاجات في لبنان، حيث تحوم شبهات فساد حول وزارات كان يقودها وزراء من التيار الحر الذي أثار تمسكه بوزارة الطاقة خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة بعد استقالة حكومة سعد الحريري تساؤلات حول وجود ملفات فساد يريد باسيل إخفائها.

وقال فرنجية الاثنين متوجها للتيار الحر "أجمل ما حصل أنه وصل إلى السلطة والناس كشفتهم، وإن لم يحاكمهم القضاء، أنتم كذبتم على الناس عام 1989 (الحرب الأهلية)، ودمرتم لبنان والمناطق المسيحية، وكذبتم على الناس عام 2005، والآن تكذبون على الناس".

وأضاف "نؤمن بالدولة، ونحن أول فريق سلّم سلاحه للدولة بعد الحرب الأهلية، ونحن أيضاً نؤمن بالعدالة، وليعلم القضاة الخائفون والموعودون بمراكز أنه خلال سنتين، أي مع انتهاء ولاية ميشال عون، ستتغير كل المعادلات، وبما أنهم لا يمكنهم تبييض صفحتهم، يحاولون تشويه صورة الآخرين".

واتّهم رئيس تيار المردة التيار الوطني الحر بالكذب على اللبنانيين في موضوع الغاز والنفط، في إشارة للاكتشافات التي تحدثت عنها الحكومة مؤخرا في مياه لبنان الإقليمية.

وقال فرنجية أن شركة "توتال الفرنسية تنوي المغادرة ودفع البند الجزائي".

وتحدثت مصادر لبنانية تواكب التحقيق عن "معطيات مذهلة في هذا الملف تبيّن حجم السمسرة والصفقات التي تحصل على حساب خزينة الدولة التي تمثل خسائر قطاع الكهرباء العبء الأكبر عليها في ظل استمرار المشكلات التي يعاني منها القطاع نتيجة عدم إقدام الدولة حتى الآن على إنشاء معامل تكفي تغذية لبنان بالكهرباء.

كهرباء لبنان
ازمة الكهرباء تؤرق لبنان منذ 3 عقود ولم ينجح في حلها السياسيون

وردّت رئاسة الجمهورية على تصريحات فرنجية التي اعتبرتها "إساءات" تضر بسمعة لبنان ومصلحته واقتصاده في بيان قائلة إن "كلامه الانفعالي لا يمت في معظمه إلى الحقيقة بصلة، وفيه تزوير للوقائع، وبالتالي لا يستحق الرد".

وأضاف بيان الرئاسة "أصدق ما قاله هو وقوفه إلى جانب ناسه، سواء كانوا مرتكبين أو متهمين بتقاضي رشاوى. وبدلاً من أن يفاخر فرنجية بحمايته لمطلوبين من العدالة، كان الأجدر به أن يرفع غطاءه عنهم ويتركهم يمثلون أمام القضاء"، في إشارة إلى سركيس حليس.

ويخشى جبران باسيل أن تتحول قضية الوقود المغشوش إلى كابوس ضده يمكن لفرنجية أن يكشف من خلالها ملفات خطيرة أخرى خصوصا أن رئيس تيار المردة يعد منافسا قويا له في الانتخابات الرئاسية المقبلة باعتباره من المقربين لحليفه حزب الله.

وتطرق فرنجية لذلك خلال المؤتمر الصحفي قائلا أن توقيت تركيز التيار العوني على فتح ملف الكهرباء هو بمثابة "بداية حرب الرئاسة عند باسيل"، نافياً أن يكون هو من رشح نفسه للرئاسة "بل اسمي يطرحه فرقاء".

ويصر التيار الحر والرئيس عون ورئيس الحكومة حسان دياب على تأييدهم لفتح بعض ملفات الفساد، لاثبات جدية الوعود التي قدموها للبنايين، وأيضا لاستعادة البعض من الأموال المنهوبة لإظاهر جدية الدولة في ذلك أمام المجتمع الدولي، مؤكدين على أن الحسم فيها يبقى بيد القضاء.

ويطالب اللبنانيون بمحاسبة المتورطين في ملفات فساد عديدة في البلاد لكنهم لا يخفون تخوفهم من استغلال السياسيين قضية الوقود المغشوش وتوظيفها كورقة ضغط فيما بينهم للحصول على استحقاقات انتخابية أو مناصب وزارية مستقبلا، لامتلاكهم جميع خفايا المخالفات التي ارتُكبت على مدى السنوات الماضية.

ولبنان الذي يعاني من أزمة اقتصادية أدت إلى اندلاع احتجاجات لا تزال متواصلة إلى اليوم، بأمسّ الحاجة لتلك المليارات التي تنهب يوميا بصفقات مشبوهة حتى يتمكن من مواصلة استيراد المواد الأساسية، في ظل شح العملة الأجنبية لدى المصرف المركزي وخزينة الدولة التي استنزفت.

ويأتي هذا السجال بينما ينتظر المجتمع الدولي من حكومة حسان دياب التوافق على خطة إصلاحات اقتصادية عاجلة ومقنعة وفي مقدمتها ملف الكهرباء حتى يوافق على تقديم مساعدة مالية يمكنها انتشال البلاد من الإفلاس.

ويأمل اللبنانيون الذين يدفعون فاتورتين للكهرباء شهريا، إحداهما لأصحاب المولدات الكهربائية والثانية لوزارة الطاقة، أن يفتح هذا الملف أول الأبواب نحو محاسبة جدية تطال المسؤولين الذين تورطوا في قضايا فساد نخرت خزينة الدولة إلى حد الإفلاس.