فضيحة الوقود المغشوش.. ما خفي بلبنان كُشف في الجزائر

مصادر قضائية تؤكد اعتراف بعض المتهمين في قضية الوقود المغشوش بقبض رشى للتلاعب بنتائج التقارير المخبرية، إضافة إلى الاشتباه في تلقي موظفين رشى لتأمين دخول شحنات الوقود ما كان يتسبب بأعطال وانقطاع الكهرباء في لبنان.
الصحافة الجزائرية تكشف أسماء مسؤولين سابقين متهمين بالفساد جنسهم لبنان
وزراء التيار الوطني الحر أكثر المشتبه بهم بعد تعاقبهم على وزارة الطاقة
الحكومة الجزائرية تبرأت من الفضيحة وتفتح تحقيقا

بيروت - لا تزال فضيحة الوقود (الفيول) المغشوش في لبنان، تتصدر المشهد المحلي، على الرغم من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها البلاد، في ظل توسع دائرة الاستدعاءات والتحقيقات والاتهامات لموظفين حكوميين وغير حكوميين.
ومنذ أبريل/ نيسان الماضي، تحقق السلطات اللبنانية بقضية الوقود المغشوش، التي أدت إلى توقيف ممثل شركة سوناطراك الجزائرية في البلاد طارق الفوال، و16 شخصا آخرين، في قضية تسليم شحنة تتضمن عيوبا في نوعية الوقود، لصالح شركة كهرباء لبنان.
وترتبط سوناطراك، منذ يناير/ كانون الثاني 2006، باتفاقية مع وزارة الطاقة اللبنانية، لتزويدها بوقود الديزل وزيت الوقود (الفيول) حيث تقوم ببيع وقود السيارات و"المازوت" إلى مؤسسة كهرباء لبنان عبر شركتين، إحداهما شركة "زي. آر انيرجي" اللبنانية.
في 20 مايو/أيار الماضي، ادعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، على 12 شخصا من بينهم المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، بأكثر من جرم منها التقصير الوظيفي وتقاضي رشى وغيرها.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر قضائية، باعتراف المتهمين، بقبض رشى للتلاعب بنتائج التقارير المخبرية، إضافة إلى الاشتباه في تلقي موظفين رشى لإدخال وقود مغشوش، ما كان يتسبب بأعطال وانقطاع الكهرباء.
من جهتها أصدرت سوناطراك، بياناً قالت فيه إن "قضية الوقود المغشوش، تتعلق بخلاف يعود إلى 30 مارس/آذار الماضي، عندما تلقت سوناطراك إشعارا من وزارة الكهرباء والمياه اللبنانية، بخصوص عيب في النوعية لإحدى شحنات الوقود المسلمة لشركة كهرباء لبنان بتاريخ 25 من الشهر ذاته".
وتوقعت الشركة "تسوية فعلية ونهائية لهذه الوضعية قريبا، نظرا للعلاقات المتميزة التي تربط الطرفين.. نحترم التزاماتنا التعاقدية فيما يخص التموين لصالح شركة كهرباء لبنان"، نافية الإتهامات التي وجهتها الصحافة اللبنانية ضدها ووصفتها بـ"الادعاءات غير الصحيحة والكاذبة".
وقال المسؤول في الرئاسة الجزائرية محمد السعيد، في 20 مايو الماضي، إن فضيحة الوقود المغشوش المستورد من بلاده والتي انفجرت مؤخرا في لبنان، قضية داخلية.
وأوضاف أن "القضية لبنانية داخلية، والدولة الجزائرية غير متورطة وغير معنية، وهناك شركة تجارية تابعة لسوناطراك، هي من باعت الوقود"، مشيرا إلى أن "رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، أمر وزارة العدل بفتح تحقيق حول ملابسات القضية، وإذا ثبت تورط أشخاص فالقضاء سيحاسبهم، لكن المؤكد أن الدولة الجزائرية لا علاقة لها بالقضية".

ومطلع مايو الماضي، بحث وزير الطاقة والمياه اللبناني ريمون غجر مع سفير الجزائر عبدالكريم ركايبي ملف سوناطراك والعقد الموقع مع وزارة الطاقة والمياه.

وقالت الوزارة إنغجر أبلغ ركايبي أن قضية الوقود المغشوش بيد القضاء و"يتم تزويده بالمعلومات المطلوبة، وطالما أنه لدى القضاء فهو ليس للتداول في انتظار كلمته النهائية".

ا
الصندوق الأسود للفساد في لبنان وسبب انهيار اقتصاده

ويبدو ان السلطات الجزائرية التي تخوض منذ سنة حربا قضائية ضد الفاسدين من نظام عبدالعزيز بوتفليقة لتهدئة الشارع الذي انتفض ضده، انزعجت فعلا من الفضيحة التي فجرتها وسائل الإعلام اللبنانية لكنها تبرات من المسؤولية، حيث كشفت صحف جزائرية أن وزير طاقة سابق ووسطاء جزائريين هم من تورطوا في الملف مع مسؤولين لبنانيين.

وطالبت صحيفة " لوماتان دالجيري" التي رفضت توجيه أصابع الاتهام إلى الجزائر لتوريطها في قضية الوقود المغشوش، لبنان بالـ"البحث عن لصوصه داخله" بدل الزج باسم الجزائر في الفضيحة التي تحولت إلى "تصفية حسابات بين المسؤولين اللبنانيين".

وكشفت الصحيفة التي وصفت لبنان بأنه أصبح "جنة الفاسدين في العالم" أسماء مسؤولين جزائريين تحقق معهم السلطات في الجزائر بخصوص ملفات فساد لكن لبنان كافئهم بمنحهم الجنسية اللبنانية.

وشنت الصحيفة الجزائرية في تقرير نشرته في مايو الماضي هجوما على النائبة في البرلمان اللبناني بولا يعقوبيان بعد حديثها لوسائل إعلام لبنانية عن تورط الجزائر في القضية عبر حديثها عن عقود سرية بين لبنان وأحد فروع شركة سوناطراك.

وكتبت "لوماتان دالجيري" متوجهة ليعقوبيان إن "إخوانها الجزائريين حددوا 'لصوصهم' و'الفاسدين' في بلادهم من خلال طردهم من البلاد ولكن للأسف وجدوا في لبنان ملجأ، حيث عرض عليهم الجنسية، وسمح لهم بفتح حسابات مصرفية دون التحقيق حتى في مصادر أموالهم بل سمح لهم بإنشاء شركات خارجية وما إلى ذلك".

وأضافت الصحيفة إن أسماء هؤولاء "معروفة ومنتشرة بحرية في لبنان وهم: فريد بجاوي وشكيب خليل وعبدالمؤمن ولد قدور وأولاده ، وآخر من لجأ إلى لبنان هرباً من العدالة هو عبدالسلام بو شوارب".

ويحقق  القضاء الجزائري منذ سقوط نظام بوتفليقة في أبريل 2019 في قضايا فساد تورط فيها مسؤولون سابقون ووزراء يقبع البعض منهم في السجن حاليا في انتظار محاكمتهم فيما حكم على البعض الآخر بالسجن.

وفي 10 كانون الأول/ديسمبر الماضي، قضت محكمة جزائرية بـ 20 سنة سجنًا نافدًا غيابيا في حقّ وزير الصناعة الأسبق عبد السلام بوشوارب، أحد أبرز رموز نظام بوتفليقة، مع إصدار مذكّرة توقيف دولية ضده. أما شكيب خليل وزير الطاقة والمناجم السابق فقد أصدر وزير العدل الجزائري الحالي بلقاسم زغماتي، عندما كان يشغل منصب نائب عام لمجلس قضاء الجزائر العاصمة، مذكرة توقيف دولية ضده إلى جانب 8 متهمين آخرين معه في قضية أخرى تتعلق بسوناطراك، بينهم زوجته وابنيه، ومدير مكتبه السابق رضا حماش، والوسيط فريد بجاوي، غير أن السلطات رفضت الطلب وأقيل على إثر ذلك زغماتي من منصبه.

ويقيم خليل المطلوب للعدالة الجزائرية بالولايات المتحدة الأميركية وهو متورط في قضية سوناطراك 2 المتعلقة بإبرام عقود مشبوهة مع شركات إيطالية، مع فريد بجاوي وهو قريب وزير الخارجية السابق والقاضي بمحكمة العدل الدولية سابقا محمد بجاوي.

ورغم تلك المحاولات لتتبع هؤولاء المسؤولين المتهمين في قضايا فساد في عهد بوتفليقة لم تتمكن السلطات الجزائرية من تسلمهم، حيث تتواتر أنباء عن إقامة بوشوارب بين فرنسا ولبنان، وإقامة أبنائه وبعض المطلوبين الآخرين بإسبانيا.

hg
وزراء التيار الوطني الحر أبرز المشكوك في تورطهم في القضية

ويبدو أن المتورطين في ملف البنزين المغشوش في لبنان أصبحوا يتوجسون من القضاء في الجزائر أكثر من نظيره في بلادهم بعد أن كشفت الصحافة منحهم الجنسية ومزاولة أعمالهم بكل حرية بينما ينتفض اللبنانيون ضد الطبقة الحاكمة منذ نوفمبر الماضي بسبب الفساد المستشري في الدولة وسط معاناة الشعب من أزمة اقتصادية واجتماعية وضعت البلاد على حافة الإفلاس.

واستمع القضاء الأسبوع قبل الماضي إلى إفادة وزيرة الطاقة السابقة، ندى البستاني من التيار الوطني الحر، الذي أسّسه رئيس الجمهورية ميشال عون، والوزير الأسبق محمد فنيش المنتسب إلى حزب الله.

ويقوم لبنان باستيراد الفيول لتشغيل معامل قطاع الكهرباء لديه الذي يعاني منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 وعجزت الحكومات المتعاقبة عن إصلاحه حتى الآن.

وتعاقب على وزارة الطاقة اللبنانية وزراء من التيار الوطني الحر بل زاد تمسكهم بحقيبتها وبالخصوص بشركة كهرباء لبنان في السنوات الأخيرة الشكوك حول معرفة هؤولاء الوزراء بالفساد المستئري في الوزراة لا بل يتهمهم الشارع اللبناني بالتواطؤ مع الفاسدين والمشاركة في الأرباح.
وقال البستاني في تصريح صحفي إن "ملف الفيول المغشوش بالقضاء، ليأخذ مجراه القانوني"، ممتنعة عن إعطاء رأيها بشأن القضية إلى حين قول القضاء كلمته فيها.
في المقابل أشار النائب انطوان حبشي، عضو كتلة "الجمهورية القوية" البرلمانية، التابعة لحزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، إلى أن "الكتلة تقدمت بشكوى حول الكهرباء ووزارة الطاقة".
وقال حبشي إن "التكتل لن يهادن بهذا الموضوع في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها، للنهوض بالبلد والاقتصاد المحلي، فإن ذلك يتطلب معالجة الملفات التي كبدت الخزينة خسائر باهظة".
وأضاف "لا يوجد جهة محددة نحملها المسؤولية، كل المسؤولين الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة بدءاً من توقيع هذا القرار إلى حين اكتشاف الموضوع يتحملون المسؤولية".
بدوره، قال مدير تشغيل معملي الذوق والجية في شركة MEP المشغلة لكهرباء لبنان يحيى مولود، والذي تم استجوابه من قبل قاضي التحقيق "كنا نقوم بالإجراءات اللازمة والفحوصات، وبعض الأمور لا تظهر بالفحوصات، بل خلال فترة التشغيل وهذا ما أبلغنا عنه حتى وصلنا إلى هذه النتيجة".
وأضاف مولود "بالنسبة لنا، رفضنا استلام أي شحنة غير صالحة للتشغيل، والمسؤولية فيما بعد تعود للشاري الذي هو في وزارة الطاقة".