فضيحة 'قطر غيت' تُعجل بضوابط أخلاقية في المؤسسات الأوروبية

مشروع لإنشاء هيئة أوروبية ستقوم بالكشف عن ممتلكات وأصول المسؤولين الأوروبيين أثناء وبعد تولي المهامّ، لكنها تفتقر إلى صلاحيات للتحقيق أو لفرض عقوبات.
نواب أوروبيون يطالبون بسلطة مستقلة ذات صلاحيات واسعة للتصدي للفساد
35 في المئة فقط من الأوروبيين راضون عن مكافحة الفساد داخل الاتحاد الأوروبي

بروكسل - تعرض المفوضية الأوروبية اليوم الخميس مشروعها لإنشاء هيئة جديدة مسؤولة عن وضع معايير أخلاقية للمؤسسات الأوروبية وهو مقترح وعدت به قبل تفجُّر أكبر قضية فساد تهزّ البرلمان الأوروبي والمعروفة إعلاميا بـ"قطر غيت" ويقول محققون إنها على صلة  بالدوحة وهو ما تنفيه الإمارة الخليجية الثرية، بينما يعتبر خبراء وأعضاء في المؤسسة التشريعية أن هذه الخطوة "غير كافية"، في حين وصفها البعض بـ"هيئة أخلاقية فارغة" بما أنها تفتقر إلى صلاحيات التحقيق وفرض العقوبات.

وكانت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين تعهدت بإنشاء مثل هذه الهيئة قبل أن تبدأ فترة ولايتها في 2019. وتأخر المشروع لكنه اكتسب أهمية بعد فضيحة الفساد التي هزت البرلمان الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول 2022.

وأكدت نائبة رئيسة المفوضية فيرا جوروفا المكلفة القيم والشفافية الثلاثاء أنه "يجب إنشاء الهيئة قبل الانتخابات الأوروبية التي ستجرى في يونيو/حزيران 2024 لتعزيز ثقة الناخبين مع قواعد بسيطة ومفهومة تفرض على المسؤولين".

وكشف استطلاع للرأي نشرت نتائجه الثلاثاء أن 35 في المئة فقط من الأوروبيين راضون عن مكافحة الفساد داخل الاتحاد الأوروبي.

وستكلف الهيئة المقترحة بمسؤولية تطوير قواعد أخلاقية مشتركة في سلسلة من المجالات، من كشف الممتلكات والأصول والمصالح إلى الأنشطة الخارجية أثناء وبعد تولي المهام والهدايا والدعوات والرحلات والجوائز والاجتماعات مع مجموعات الضغط.

وستفرض هذه المعايير على المسؤولين السياسيين في تسع مؤسسات تابعة للاتحاد الأوروبي. وستطال خصوصا كل المفوضين الأوروبيين ولكن ليس الموظفين المدنيين الذين يخضعون أساسا لقواعد مشتركة وأعضاء البرلمان الأوروبي (باستثناء مساعديهم البرلمانيين) ورئيس المجلس الأوروبي ووزراء البلد الذي يتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي.

ومن هذه المؤسسات التي تشمل محكمة العدل التابعة للاتحاد أيضا، ديوان المحاسبة والبنك المركزي الأوروبي. وستكون مطالبة بتكييف قواعدها الخاصة على الأقل مع مستوى المعايير المحددة وستكون مسؤولة وحدها عن تطبيقها.

لكن الهيئة المكونة من ممثلين عن المؤسسات المعنية وخبراء مستقلين لن يكون لديها أي صلاحيات للتحقيق أو لفرض عقوبات لأن المفوضية رأت أن المؤسسات لن تقبل بذلك.

وأكدت جوروفا "أقترح هيكلًا يحدد المعايير المشتركة لكنه لن يكون بلا فائدة وسيتعين تطبيق هذه المعايير"، فيما يواصل معارضو المشروع المطالبة بسلطة مستقلة ذات صلاحيات واسعة.

وقال النائب الأوروبي في تكتل "تجديد أوروبا" جيل بواييه "نحن بحاجة إلى هيئة تتمتع بصلاحيات التحقيق لتكون قادرة على منع الفساد بدلاً من العلاج والمجازفة بتقويض ثقة مواطنينا"، مضيفا "لن يكون مفهوما الاستمرار في أن تراقب المؤسسات نفسها بنفسها"، في حين أكدت مجموعة الوسطيين والليبراليين أنها لا تستطيع دعم "هيئة أخلاقية فارغة".

وعلق دانيال فرويند النائب عن دعاة حماية البيئة (الخضر) قائلا إن "هناك خداعا في التسمية. فما هو مقترح لا علاقة له بالمناقشات التي أجريناها في البرلمان الأوروبي بعد قطرغيت".

وأضاف أنه "ستكون لجنة تأتي المؤسسات المختلفة إليها لمناقشة ما هي الهدية أو تضارب المصالح وليس هذا ما نحتاج إليه".

ويتضمن اقتراحه الذي اعتمده البرلمان في سبتمبر/أيلول 2021 إنشاء هيئة تتمتع بسلطة التحقيق والتوصية بعقوبات.

وقال أستاذ القانون الأوروبي في باريس البرتو أليمانو إن الهيئة التي يجري إعدادها "أضعفت على ما يبدو إلى درجة أنها أصبحت مجرد تغيير تجميلي".

وقالت وسيطة الاتحاد الأوروبي إيميلي أوريلي إنه في أوج فضيحة "قطرغيت" كشفت "ستة أشهر من النقاشات أن إنشاء إطار أخلاقي متين ليس سهلا"، مشيرة إلى أن "النقاشات السياسية والقانونية والإدارية" أدت إلى تعكير "الطرح الذي كان واضحا في ألأيام الأولى". وهي قلقة من الوسائل الضئيلة جدا المقترحة لهذه الهيئة وهي ثلاثة موظفين وميزانية سنوية من 600 ألف يورو، حسب جوروفا.

وتعتقد إميلي أوريلي أن الأمر كله سيكون مرتبطا بالتنفيذ، موضحة أن الإدارات الأكثر أخلاقية "ليست بالضرورة تلك التي لديها أطول القواعد بل تلك التي تترسخ فيها ثقافة النزاهة لدرجة أن هذه القواعد تصبح غير ضرورية"، محذرة من أن تغيير العقليات قد يستغرق بعض الوقت وأن الهيئة الجديدة "لن تكون حلاً فوريًا".

وأطاحت تحقيقات "قطر غيت" بالعديد من المسؤولين الأوروبيين، بعد أن وجهت لهم اتهامات بتلقي رشاوى من قطر لتلميع صورتها في غمرة الانتقادات التي واجهتها على خلفية ملفات تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان، فيما ضبط المحققون أموالا تقدّر بـ1.5 مليون أورو خلال مداهمات لشقق ومكاتب بعض المشتبه بهم.

ونفت قطر مرارا أي علاقة لها بفضيحة الفساد التي وضعت مصداقية البرلمان الأوروبي على المحكّ وشكّلت منعطفا حاسما للتصدي لتنامي نفوذ اللوبيات الساعية إلى التأثير على قرارات أحد أهم مؤسسات التكتّل.