فوز بطعم الهزيمة يضع النهضة أمام مصيرها لحكم تونس

استطلاعات الرأي وضعت النهضة في المرتبة الأولى لنتائج الانتخابات التشريعية بـ40 مقعدا فقط في البرلمان،في حين يستوجب تشكيل تحالف حكومي أغلبية بـ109 نائب.
تخوف من الدعوة لانتخابات مبكرة في حال فشل النهضة تشكيل حكومة
أحزاب الوسط ترفض التحالف مع النهضة في البرلمان
النهضة خسرت حوالى نصف مقاعدها في البرلمان القادم

تونس - "فوز بطعم الهزيمة" تكبدته حركة النهضة الإسلامية حسب آخر استطلاعات الرأي بعد انتهاء عملية التصويت في الانتخابات التشريعية التي جرت في تونس أمس الأحد.

وأظهر استطلاعا رأي لمؤسستين تونسيتين أن حزب حركة النهضة ستحصل على 40 مقعداً، مقابل حصول حزب "قلب تونس" الذي أسسه رجل الأعمال وقطب الإعلام الموقوف نبيل القروي على ما بين 33 و35 مقعداً، في البرلمان المكوّن من 217 نائباً.

والنهضة التي رفضت الاعتراف بما نشرته استطلاعات الرأي بعد التصويت في الدور الأول للانتخابات الرئاسية والتي انهزم فيها مرشحها عبد الفتاح مورو داعية آنذاك إلى انتظار صدور النتائج الرسمية، بالغت ليل الأحد باحتفالات من أمام مقر الحزب بمونبليزير وسط العاصمة تونس وصلت إلى اطلاق الشماريخ وهتافات النصر.

وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بعنوان "سجود للكرسي" يظهر رئيس النهضة راشد الغنوشي وهو يدعو أنصاره في مقر الحزب للسجود على إثر تصدر حزبه نتائج استطلاعات الرأي، حيث ظهرت امرأة إلى جانبه وهي تهنئه قائلة "الحمد لله اقتلعناهم كالحجر"، في إشارة لصعوبة الفوز الذي حققته الحركة الإسلامية في هذه الانتخابات التشريعية.

ونشرت صفحة تحمل اسم "كارهي الأحزاب الانتهازية" على فيسبوك الفيديو وأرفقته بتدوينه جاء فيها "هذا دليل على الخوف الشديد لدى حركة النهضة من الفشل مرة أخرى بعد فقدان شعبيتها وفوزها بـ40 مقعدا فقط".

وكتب أحد الناخبين التونسيين تدوينة على فيسبوك قال فيها "جمهور النهضة يهتف و يزغرد بالنصر المبين في الطرقات "الشعب يريد النهضة من جديد". لا و الله. الشعب لا يريدكم من جديد .انتم فقط 17.5 بالمئة من 40 بالمئة من الناخبين .أي 500 ألف من 7 مليون ناخب. 40  مقعد فقط من جملة 217. و83.5 بالمئة من المصوتين أرادوا غيركم .
وأضاف "60 بالمئة من الناخبين لا يريدونكم و لا يريدون غيركم .الشعب لا يريدكم .انتم فقط حزب منظم ومهيكل يهتم بكل التفاصيل ويصرف أموالا لا تحصى من أجل الهدف".

ومن المقرر إعلان النتائج الرسمية النهائية للانتخابات التشريعية خلال 3 أيام.

وحسب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فإن نسبة المشاركة داخل تونس بلغت 41.32 بالمئة، وبالخارج 16.4 بالمئة.

وحسب استطلاعات الرأي التي نشرت الأحد، فإن النهضة التي تدعم الحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد، قد خسرت تقريبا نصف مقاعدها في البرلمان القادم.

يأتي ذلك بعد خسارة أولى للحزب الإسلامي بحوالى 80 ألف صوت بين الانتخابات البلدية منتصف 2018 والدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في أيلول/سبتمبر الماضي.

وأعلنت أحزاب الوسط من بينها حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب، اللذان تحصلا معا حسب نفس الاستطلاعات على مقاعد في البرلمان تصل إلى حوالى 30 مقعدا، بعدم المشاركة في الحكومة المقبلة واصطفافهم إلى جانب المعارضة.

كما أكد حزب "قلب تونس" الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد النهضة والحزب الدستوري الحر (14 مقعد تقريبا) إنهما لن يتحالفا مع الحركة الإسلامية.

لكن النهضة التي هاجمت الفائز في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسية نبيل القروي ومؤسس "قلب تونس" خلال حملتها الانتخابية، واتهمته بالفساد، تراجعت عن موقفها مباشرة إثر فوز حزبه بالمرتبة الثانية.

وقال رئيس النهضة راشد الغنوشي في تصريح صحفي مساء الأحد، إن حزبه ليس "مسرورا  باستمرار وجود نبيل القروي في السجن".

في المقابل أعلن أسامة الخليفي عضو المكتب التنفيذي لـ"قلب تونس" ومدير الحملة الانتخابية للحزب مساء الأحد في تصريح لإذاعة محلية، أنه في حال كان حزب قلب تونس في المرتبة الثانية سيكون في المعارضة ولن يتحالف مع النهضة.

وفي حال تأكد التقديرات التي وضعت النهضة في المرتبة الأولى سيكون أمام الحزب الإسلامي مهمة صعبة للغاية في تشكيل تحالف حكومي إذ إنّه بحاجة لأغلبية 109 نواب.

وأعلن القيادي في النهضة والمتحدث باسمها عماد الخميري اليوم الاثنين، إن الحزب سيعمل على التفاوض مع الأحزاب والمستقلين القريبين منها من أجل التوصل إلى تشكيل الحكومة.

وقال "سنجلس مع كل الأحزاب السياسية والقوائم المستقلة التي تلتقي معا، للعمل على الاستجابة لطلبات التونسيين في العدالة الاجتماعية وخاصة مكافحة الفساد".

النهضة تحتفل بضعف خصومها لا بقوتها
النهضة تحتفل بضعف خصومها لا بقوتها

وتعول النهضة على حزب "ائتلاف الكرامة" برئاسة المحامي المقرب من الإسلاميين سيف الدين مخلوف، الذي استغل الفراغ الذي تركته النهضة باقترابها من الوسط خلال مشاركتها في الحكم طيلة السنوات الماضية، حيث أعاد تشكيل كتلة حزبية هامة من المنتظر أن يتحصل على عدد جيد من المقاعد في البرلمان.

وتنذر هذه التقديرات في حال ثبتت صحّتها، بمشهد برلماني مشتت سيكون من الصعب خلاله تشكيل تحالفات، خصوصا أن أغلب السياسيين أو الأحزاب التي تحالفت مع النهضة في السابق شهدت تشتتا واندثارا كان بمثابة الانتحار السياسي.

ويتخوف عدد كبير من التونسيين من أي يؤدي فشل تشكيل حكومة جديدة في الأشهر القليلة القادمة، إلى ضرورة الدعوة لإقامة انتخابات مبكرة تعيد تشكيل البرلمان من جديد.

وكان حزب "نداء تونس" الذي فاز أمام الحركة الإسلامية في الانتخابات الماضية بزعامة الرئيس السابق الراحل الباجي قائد السبسي، من أكبر الأحزاب التي تصدت لمشروع الإسلام السياسي في تونس، لكن استطلاعات الرأي بينت أن هذا حزب الذي كان غريم النهضة في انتخابات 2014 لم يحصل سوى على مقعد وحيد في البرلمان القادم بسبب تشققه.

وفشل نداء تونس في الحفاظ  على تماسكه بعد أن عصفت الخلافات بين قياداته بعد تحالفه مع الإسلاميين الذين سيطروا في الأخير على حكومة يوسف الشاهد وعلى البرلمان الحالي ما أدى إلى نهاية الحزب برحيل مؤسسه الباجي قايد السبسي.

ويرى مراقبون للشأن التونسي أن النهضة لم تعد ذلك الحزب المعروف بانضباط قواعده وتنظيمها المحكم خصوصا بعد خروج الخلافات الداخلية في الحزب إلى العلن مؤخرا، بل ساهم ضعف منافسيها من سياسيين مستقلين وأحزاب في تصدرها ترتيب التصويت لاختيار نواب البرلمان الثالث المنتخب ديمقراطيا منذ الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2011.

ويقول مراقبون إن النهضة التي ستعقد في 2020 مؤتمرها العام لتجديد قواعدها وانتخاب رئيس وهيئات جديدة، ستجد نفسها في منعطف تاريخي سيحدد مصير بقائها على الساحة السياسية في تونس، خصوصا إنها ستحكم هذه المرة بشكل مباشر وتسكون المسؤولة أمام التونسيين عن سنوات الحكم الخمس القادمة في البلاد، بعد تبرؤها مرارا من فشل الحكومات المتعاقبة التي شاركت فيها.