فوز نتنياهو يجنح بإسرائيل لأكثر الحكومات تطرفا في تاريخها

لجنة الانتخابات الإسرائيلية تعلن فوز زعيم حزب الليكود المتطرف وحلفائه بغالبية تبدو مريحة، في إعلان تزامن مع تفجر الأوضاع في الضفة الغربية ومقتل 4 فلسطينيين في مواجهات مع القوات الإسرائيلية.
لابيد يهنئ نتنياهو ويأمر مكتبه بالاستعداد لانتقال سلس للسلطة
التوتر يخيم على الضفة الغربية بعد مقتل خمسة فلسطينيين
القوات الإسرائيلية تكثف من حملاتها العسكرية في معاقل فصائل فلسطينية

القدس - أعلنت لجنة الانتخابات الإسرائيلية اليوم الخميس فوز رئيس الوزراء السابق وزعيم الليكود بنيامين نتنياهو وحلفائه من اليمين بأغلبية واضحة في الانتخابات، فيما يعيد هذا الفوز خلط الأوراق السياسية في إسرائيل التي تكابد للخروج من أزمة سياسية، بينما تحولت بوصلتها صوب اليمين المتطرف، في حين يقول محللون إنها يمكن أن تكون أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل.

وأظهر الإحصاء النهائي للأصوات أن الكتلة التي يقودها نتنياهو سيطرت على 64 من مقاعد الكنيست البالغ عددها 120 مقعدان ليفتح بذلك الباب أمام تحالفات معقدة لضمان الأغلبية المريحة، بينما يشكل هذا التطور انعطافة مربكة للسياسات الإسرائيلية على مستوى الصراع مع الفلسطينيين وعلى صعيد العلاقات الخارجية.

وهنأ رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته يائير لبيد زعيم حزب الليكود على فوزه في الانتخابات التشريعية التي جرت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني.

وقال لبيد في بيان أصدره مكتبه "دولة إسرائيل فوق أي حساب أتمنى التوفيق لنتنياهو والنجاح لشعب إسرائيل ودولة إسرائيل".

وأعلن أنه ابلغ نتانياهو بأنه أصدر تعليماته إلى مكتبه بالكامل للتحضير لانتقال منظم للسلطة.

وصوت الإسرائيليون الثلاثاء لانتخاباتهم التشريعية الخامسة خلال ثلاث سنوات ونصف في دولة منقسمة سياسيا تسعى من أجل تشكيل تحالفات أو الحفاظ عليها.

والخميس وبعد فرز 99 بالمئة من الأصوات جاءت الكتلة اليمينية برئاسة نتنياهو في الصدارة إذ حصلت على 64 مقعدا، منها 32 لليكود اليميني و18 مقعدا للحزبين المتدينين المتشددين: يهودوت هتوراه لليهود الاشكناز الغربين وحزب شاس لليهود الشرقيين (سفراديم) و14 لليمين المتطرف، فيما تشير النتائج إلى حصول لبيد زعيم حزب الوسط يش عتيد (هناك مستقبل) على 24 مقعدا لحزبه و51 لكتلته مع حلفائه.

ويواجه نيتنياهو اختبارا جديدا في تشكيل حكومة بالتعاون مع حزب قومي متطرف أثار صعوده المفاجئ قلق الكثيرين في الداخل والحلفاء في الخارج إزاء التبعات المحتملة على الديمقراطية الإسرائيلية.

ويبدو نتنياهو (73 عاما)، وهو أطول رؤساء وزراء إسرائيل حكما والشخصية الأكثر أهمية في المشهد السياسي بها منذ وقت طويل، قريبا من العودة لتولي مقاليد الحكم بعد أكثر من عام بقليل من خسارته في انتخابات أمام تحالف غير معتاد من أحزاب يمينية وليبرالية وعربية في عام 2021.

لكن هذه المرة لم يستحوذ نتنياهو وحده على الأضواء، إذ اضطر إلى تقاسمها مع الزعيم اليميني المتطرف إيتمار بن غفير (46 عاما) والذي من المرجح أن يتولى دورا كبيرا في الحكومة بعد أن أصبح تكتل 'الصهيونية الدينية' الذي يرأسه ثالث أكبر كتلة في البرلمان بعد الفوز بما يصل إلى 14 مقعدا.

وقال عساف شابيرا، مدير قسم الإصلاح السياسي في معهد إسرائيل للديمقراطية، إنه بينما انضمت الأحزاب الدينية بانتظام إلى كنف تحالفات يمينية سابقة، فإن حزب الصهيونية الدينية في طريقه لممارسة تأثير غير مسبوق، مضيفا أن "هذا الحزب حقق نجاحا كبيرا، إذ لم يحقق أي حزب ديني في إسرائيل مثل هذا العدد على الإطلاق".

وحظي بن غفير بدعم كثير من الناخبين الذين لا ينتمون إلى قاعدة ناخبيه المعتادة من المتدينين، لكن صعود السياسي صاحب التصريحات التحريضية والمثيرة للجدل الذي كان يدعو حتى وقت قريب لطرد الفلسطينيين، أثار مخاوف واسعة النطاق بين العديد من الإسرائيليين، وخاصة فيما يتعلق بالأمن.

وبرزت مخاوف مماثلة تحديدا في أعقاب أعمال العنف التي اندلعت في بعض المدن المختلطة بين العرب واليهود العام الماضي، مما تسبب في صدمة عميقة للعديد من السكان.

وقالت المعلمة موريا سيباج (29 عاما) "استيقظ الناس ورأوا أن ما يحدث في البلاد لا يمكن تجاهله. دعونا نأمل أن يستتب الأمن مرة أخرى، هذا هو المهم بالنسبة لي الآن".

صعود مفاجئ لحزب قومي متطرف بزعامة بن غفير يثير قلق الكثيرين في الداخل والحلفاء في الخارج
صعود مفاجئ لحزب قومي متطرف بزعامة بن غفير يثير قلق الكثيرين في الداخل والحلفاء في الخارج

وقال بن غفير إنه يريد أن يصبح وزيرا للشرطة، لكن لا يزال من غير الواضح ما الذي سيفعله نتنياهو، الذي سيُحاكم بتهم فساد ينفيها، بمجرد عودته إلى رئاسة الوزراء أو المناصب التي قد تعرض على بن غفير وشريكه بتسلئيل سموتريتش.

وفي خضم تصاعد الصراع مع الفلسطينيين من جديد وتنامي التوترات اليهودية العربية داخل إسرائيل، كتب بن غفير على تويتر اليوم الخميس "حان الوقت لفرض النظام هنا. حان الوقت ليكون هناك سيد للأرض".

وتصاعدت المخاوف في إسرائيل وخارجها من أن بعض الإجراءات التي تحدث عنها اليمين المتطرف، مثل طرد أي شخص يعتبر "غير مخلص" لإسرائيل أو فرض قيود أكبر على المحاكم، كما اقترح سموتريتش، أنه يمكن أن تغير الطابع الديمقراطي لإسرائيل إذا جرى تنفيذها.

وقال ديفيد ماكوفسكي الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "أعتقد أنه تحول في الأعراف الديمقراطية... لا أعتقد أن هذا يعني أنها لم تعد ديمقراطية، لكنه بالطبع تحول بالنسبة لبلد طالما تفاخر باستقلال القضاء".

وجزء من عملية التوازن التي تواجه نتنياهو سيتمثل في ضمان ألا تسبب هذه المخاوف مشاكل مع الحلفاء، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي لا تبدي أي قدر يذكر من الحماس للشريك الجديد.

وردا على سؤال حول القلق بشأن التعامل مع بن غفير، الذي أدين في عام 2007 بالتحريض العنصري ودعم حركة كاخ، وهي مجموعة مدرجة على قوائم الإرهاب الإسرائيلية والأميركية، امتنع متحدث باسم وزارة الخارجية عن التعليق على ما قال إنها "افتراضات".

وقال إن الإدارة الأميركية تأمل في أن "يواصل جميع المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين نشر قيم المجتمع الديمقراطي المنفتح، بما في ذلك التسامح والاحترام للجميع في المجتمع المدني، وخاصة الأقليات".

وقد يتوقف الكثير أيضا على نتيجة انتخابات الكونغرس التي ستجرى الأسبوع المقبل في الولايات المتحدة إذ ربما يحقق المرشحون الجمهوريون الذين طالما شعر نتنياهو براحة أكبر معهم مكاسب على حساب الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس جو بايدن.

ومن المتوقع أن تبقى بعض أولويات نتنياهو طويلة الأمد، ولا سيما موقفه الثابت ضد إيران وتصميمه على عدم امتلاك طهران لسلاح نووي.

ومن المتوقع أيضا أن يحاول مواصلة البناء على الإنجاز التاريخي الذي حققته فترته الأخيرة في منصبه، وهو اتفاقات إبراهام مع الإمارات والبحرين، التي يحتمل أن تكون مقدمة لتطبيع أوسع مع العالم العربي.

ومع ذلك، لا يوجد أي مؤشر على إحراز تقدم في الصراع الفلسطيني بعد أن أحيا يائير لابيد، الذي أصبح الآن رئيسا مؤقتا للوزراء، الحديث لفترة وجيزة عن حل الدولتين هذا العام. وكان رد الفعل الفلسطيني على فوز نتنياهو عدائيا بما يشبه الإجماع.

وعلى عكس صورته المتشددة، كثيرا ما اتخذ نتنياهو نهجا أكثر مرونة وواقعية من بعض أسلافه، لكن هناك مخاوف من أن مشاكله القانونية قد تدفعه إلى تقديم تنازلات لليمين المتطرف مقابل دعمهم في تقييد المحاكم.

وقال شابيرا "لنتنياهو الآن مصلحة شخصية في الحد من سلطات القانون والمحكمة العليا بسبب محاكمته".

وحتى أثناء سير الحملة الانتخابية، اقترح سموتريتش مجموعة من التغييرات القانونية التي من شأنها أن تقيد سلطة القضاء وتزيد سيطرة الحكومة على السلطة القضائية ويُحتمل أن تساعد نتنياهو في معاركه القانونية.

وانضم لابيد إلى المنتقدين الذين استنكروا التغييرات المقترحة باعتبارها هجوما على سيادة القانون وعانى نتنياهو في رسم صورة لنفسه كرجل دولة لتهدئة المخاوف من ثورة مناهضة للديمقراطية.

بينما انضمت الأحزاب الدينية بانتظام إلى كنف تحالفات يمينية سابقة، فإن حزب الصهيونية الدينية في طريقه لممارسة تأثير غير مسبوق

وفي خطاب أمام أنصاره، قال إنه سيتجنب "المغامرات غير اللازمة"، ووعد بن غفير نفسه، الذي كان قبل أيام قليلة فقط يلوح بمسدس على المتظاهرين الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة، بأن "نكون ممثلين للجميع".

ويأتي الإعلان عن فوز نتنياهو بينما قتل أربعة فلسطينيين الخميس برصاص الجيش والشرطة الإسرائيليين، أحدهم نفذ هجوما في القدس الشرقية المحتلة، فيما قتل آخر في شمال غرب القدس واثنان في جنين في عملية عسكرية للجيش الإسرائيلي، وسط تصاعد العنف المرتبط بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وسط توقعات بتصعيد إسرائيلي أكبر وأوسع مع اتجاه إسرائيل لتشكيل حكومة ستكون الأكثر تطرفا.

وأعلن الجيش الإسرائيلي ظهر الخميس أنه ينفذ عملية اقتحام في مدينة جنين ومخيمها الذي يعد معقلا لفصائل مسلحة في شمال الضفة الغربية المحتلة.

وقالت وزارة الصحة الفلسطينية هناك "شهيدان قتلا برصاص الاحتلال في جنين، وأصيب ثلاثة بجروح بالرصاص الحي"، موضحة أن أحدهما فتى هو "محمد سامر محمد خلوف (14 عاما)" والثاني "فاروق سلامة (28 عاما) وقد أصيب برصاص الاحتلال الحي في البطن والصدر والرأس".

وقالت مصادر محلية إن سلامة من قادة "سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وإنه تعرض لعملية اغتيال وهو مطلوب للجيش الإسرائيلي.

وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) "اقتحمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال ظهر اليوم مخيم جنين... ودارت مواجهات أطلقت خلالها الرصاص الحي باتجاه المواطنين"، بينما أعلن الجيش الإسرائيلي عن اعتقال خمسة فلسطينيين ينتمون إلى الجهاد الإسلامي خلال العملية.

وفي القدس الشرقية المحتلة أعلنت الشرطة الإسرائيلية مقتل مهاجم يحمل سكينا نفّذ هجوم طعن الخميس أصاب فيه ثلاثة من رجال الشرطة في البلدة القديمة بجروح طفيفة وتم إجلاؤهم لتلقي العلاج في المستشفى.

وقالت الشرطة إن المهاجم أثار الشكوك وبعد أن وجه له الأمر بالتوقف للخضوع للتفتيش "طعن أحد الشرطيين في الجزء العلوي من جسده" ليُقتل برصاص شرطيين في موقع الحادثة.

وقال مستشفى شعاري تصيديك إنه عالج جريحين في حالة مستقرة، "أحدهما أصيب بطعنات في الصدر والآخر بطلقات نارية في ساقه". ولم تحدد الشرطة هوية المنفذ لكنها قالت إنه من حي بيت حنينا بالقدس الشرقية وعمره عشرون عاما.

لكن وكالة وفا الفلسطينية أعلنت أن "الشهيد هو عامر حسام بدر" وهو منفذ عملية الطعن في القدس. ووُزع ملصق يحمل صورته وخلفه القيادي في كتائب الأقصى إبراهيم النابلسي الذي قتل بقذيفة أطلقها الجيش الإسرائيلي على بيته في أوائل اغسطس/اب الماضي.

وأفاد شهود عيان وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل أن القوات الإسرائيلية اعتقلت أفراد من عائلة عامر بدر بعد اقتحام منزلهم في بلدة بيت حنينا في القدس المحتلة.

في وقت سابق الخميس، قالت القوات الإسرائيلية إنها قتلت فلسطينيا خلال مواجهات في بيت دقو، وهي قرية شمال القدس تصنفها إسرائيل على أنها في الضفة الغربية.

وقال شهود عيان ووزارة الصحة الفلسطينية "المواطن داود محمود ريان (42 عاما) استشهد برصاص الاحتلال الحي".

من جهته، أكد متحدث باسم شرطة حرس الحدود الإسرائيلية أن القتيل "ألقى قنابل حارقة على قواتنا وشوهدت زجاجة حارقة في يده وقتل بالرصاص".

وتصاعد التوتر في الأشهر الأخيرة في شمال الضفة الغربية المحتلة، لا سيما في منطقتي نابلس وجنين، وهما معقلان لفصائل فلسطينية مسلحة، حيث كثّفت القوات الإسرائيلية مداهماتها في أعقاب اعتداءات دامية ضد إسرائيليين في مارس/اذار وأبريل/نيسان.

وقتل أكثر من 34 فلسطينيا وثلاثة إسرائيليين منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي في أنحاء مختلفة من الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية.

والخميس، أعلن الجيش الإسرائيلي عن رفع الإغلاق عن مدينة نابلس بعد أسابيع أدى خلالها إلى تقييد الحركة داخل وخارج المدينة التي يقطنها نحو 200 ألف فلسطيني مما عطل الحياة اليومية والاقتصاد المحلي والقدرة على الحصول على الرعاية الطبية والتعليم.

وأغلق الجيش الإسرائيلي مدينة نابلس في الحادي عشر من الشهر الماضي بعد أن قتل مسلحون من مجموعة عرين الأسود جنديا إسرائيليا بالقرب من مستوطنة شافي شمرون.

وقال الجيش في بيان إنه "وبناء على تقييم روتيني للوضع الأمني في يهودا والسامرة (الاسم التوراتي للضفة الغربية)، تقرر رفع الإغلاق الشامل الذي فرض على مداخل ومخارج نابلس".

وشكّل مقاتلون شباب كانوا ينتمون إلى فصائل مختلفة مثل حركة فتح والجهاد الإسلامي أو حركة حماس قبل مدة مجموعة "عرين الأسود" التي نمت شعبيتها بسرعة من خلال رسائل تلغرام المشفرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولديها أكثر من 220 ألف متتبع.

ويقول الجيش الإسرائيلي إن المجموعة كانت وراء نحو 20 هجوما استهدفت جنودا ومدنيين إسرائيليين الشهر الماضي.