فوضى الاخوان المأسوف عليها

الربيع العربي لم يكن عربيا. خالطته السموم القادمة من كل مكان وكانت جماعة الاخوان واجهته التي تشظت على هيئة تنظيمات إرهابية.

مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بدا واضحا أن النظام السياسي العربي قد استنفد طاقته ووصل إلى لحظة موته. كان لابد من استبداله. غير أن تلك المهمة بدت عسيرة إن لم تُنفذ عن طريق انقلابات ليست عسكرية، على الأقل في ما يظهر منها.

لذلك كانت أحداث الربيع العربي مقنعة على المستوى النظري.

اما على المستوى العملي فإن اسقاط أنظمة الاستبداد لم يكن بذلك اليسر المتخيل، فما شهده الواقع كان نوعا من القفز على الخيال فكان حل تلك العقدة ممكنا من خلال تغليف الوقائع الحقيقية المستترة بالفوضى العلنية.

الفوضى التي كانت أسلوبا صارت في ما بعد هدفا.

اما لماذا حدث ذلك التحول؟ ذلك كله مرتبط بالمصير الذي انتهت إليه جماعة الاخوان المسلمين بمصر إضافة إلى اهتزاز وضع حركة النهضة بتونس والتي مارست الفوضى من موقع السلطة يوم أتيح لها ذلك.

لم يكن يخطر على بال أحد أن تنتهي سلطة الاخوان في مصر بعد سنة واحدة من قيامها. بالنسبة لصناع الربيع العربي فإن الأمور سارت في الطريق المرسوم لها بعد أن تمكن الاخوان من الحصول على ولاء شارع، قيل يومها إنه كان المسؤول عن اسقاط نظام حسني مبارك.

كانت هناك علامة استفهام كبيرة قد جرى إخفاؤها "فهل يُعقل أن الشعب المصري وقد ثار على سلطة فاسدة ومستبدة قد قرر أن يستسلم لسلطة شريعة الاخوان المستبدة التي ترتبط بتاريخ طويل من ممارسة العنف؟"

بعد سنة انهمكت دوائر صنع الرأي العام في التنقيب عن أسرار تحول الإرادة الشعبية المصرية في الاتجاه الرافض لبقاء الاخوان في الحكم، حيث تم التركيز على ما سُمي بالثورة المضادة كما لو أن حكم الاخوان هو نتيجة طبيعية لثورة يناير وهو ما أضفى على ذلك الحكم شرعية ملفقة.

لقد أنقذ شعب مصر بانقلابه على حكم الاخوان العالم العربي من الفوضى التي كان كهنة الربيع العربي قد خططوا لها مصيرا لا مفر منه. كما هو الحال في العراق على سبيل المثال. هناك اليوم في العراق الاف الأسباب لنشوب حرب أهلية، تساهم فيها أطراف حظيت دائما بمباركة ورضا المجتمع الدولي.

هذا ما يحدث في ليبيا واليمن وحتى في سوريا.

كانت فكرة اسقاط النظام السياسي العربي المتهرئ تقوم أصلا على استبدال ذلك النظام قبل أن يسقط فجأة نتيجةً لترهله وتفاهته وضعفه وانهيار شعبيته بنظام، تنحصر مهمته في إدارة الفوضى.

وليس هناك أكثر من جماعة الاخوان صلاحية للقيام بتلك المهمة.

فالجماعة التي عُرفت بتشددها الديني كانت قد مدت خيوط ارتباط تصل بينها وبين أجهزة المخابرات الغربية منذ عقود. وإذا ما كانت تلك الجماعة قد ضُربت في مصر في أوقات سابقة غير مرة فإنها نجحت في الاستيلاء على مواقع نفوذ خارج مصر، ستكون تلك المواقع بمثابة منصات تدافع عنها حين الحاجة. وهو ما حدث فعلا يوم قررت مصر والسعودية والامارات اعتبار جماعة الاخوان تنظيما إرهابيا.

يومها فقط انكشفت خيوط اللعبة الدولية التي اتخذت من الربيع العربي واجهة لها وكان النظام السياسي العربي القديم بمثابة ذريعة ليس إلا.

من يتذكر وقائع التحول الذي عاشته مصر يوم انتفض شعبها ضد حكم الاخوان لابد أن يتذكر ذلك العرض الذي قدمته الحكومة المصرية إلى جماعة الاخوان من أجل تحولها إلى حزب سياسي معارض فقابلته الجماعة بالرفض، متأملة بدعم غربي يعيدها إلى الحكم.

لقد أسقط في يد الغرب يومها.

غير أن هناك مَن لا يزال يراهن على الفوضى.

لقد دُمرت سوريا من غير أن يتحقق الهدف الذي يكمن في وصول الجماعات الدينية المتشددة إلى الحكم. هذا ما يحدث في ليبيا، حيث لا تزال جماعات مدنية تقاوم وهو ما يجري في اليمن الذي لا يخفي الكثيرون ميلهم إلى أن ينشر الحوثيون فوضى تبعيتهم الإيرانية.

في حقيقته فإن ذلك الربيع لم يكن عربيا.

لقد خالطته السموم القادمة من كل مكان وكانت جماعة الاخوان واجهته التي تشظت على هيأة تنظيمات إرهابية، كان ظهورها مبررا لقيام الحرب على الإرهاب التي أبادت مئات الألوف من البشر ومحت مدنا وصنعت مجتمعات قائمة على الخوف.