فيلم مصري يؤكد احتلال اسرائيل لإيلات

القاهرة - محمد جمال عرفه
احمد الفيشاوي يثير ازمة سياسية «على الهوا»!

عاد الحديث عن أرض مصرية تحتلها الدولة العبرية منذ أربعينيات القرن الماضي في أعقاب رفض الرقابة الفنية المصرية إجازة مشاهد من فيلم شبابي مصري جديد, يتعرض لاحتلال تل أبيب لمنطقة "أم الرشراش" المعروفة باسم "إيلات" حاليا.
فقد رفضت الرقابة المصرية إجازة عدة مشاهد من فيلم "شباب على الهوا", وحذفت كل المشاهد, التي تدور في الفيلم عن هذه المدينة المصرية المحتلة, التي لا يرغب المسؤولون المصريون في فتح باب النقاش حولها, منذ التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد مع الدولة العبرية، ورفضت الإشارة في الفيلم إلى مقولة أن إسرائيل لا تزال تحتل أراض مصرية, أو التطرق إلى مواضيع أخرى, سبق أن تحدثت عنها الصحف المصرية بإسهاب مثل تهريب الإسرائيليين المخدرات إلى مصر.
كما رفضت الرقابة أيضا فكرة أثيرت في الفيلم تتطرق لتخطيط مسؤولي السفارة الإسرائيلية بالقاهرة لاغتيال صحفي مصري معارض للتطبيع, يقوم بالكتابة عن تعذيب تل أبيب وقتلها للأسرى المصريين في حربي 1956 و1967.
واعلن المخرج المصري عادل عوض مخرج فيلم "شباب على الهوا" ان الرقابة على المصنفات الفنية المرئية والمسموعة "قامت بحذف كل مشاهد الفيلم التي تتعرض لاستمرار اسرائيل باحتلال اراض مصرية او تلك التي تتهمها بحوادث اغتيال وتهريب مخدرات الى مصر".
وقال عوض "ما زالت اسرائيل كما اراها في الفيلم تحتل اراض مصرية مثل قرية ام الرشراش التي اصبحت الان ميناء ايلات وكانت تدعى في الماضي قرية الحجاج حيث كان الحجاج المصريون المتجهون الى الجزيرة العربية يستريحون فيها".
واضاف "كذلك ما زال الاحتلال الاسرائيلي قائما منذ عام 1949 على اراض مصرية تمثل اجزاء مهمة من صحراء النقب".
وتابع "هذه المواقف لم توافق عليها الرقابة فقامت بحذف كل المشاهد التي تصور ما يجري داخل السفارة الاسرائيلية اثناء قيام موظفيها بالتخطيط لاغتيال احد الصحافيين المصريين الشرفاء (سامي العدل) الذي يرفض التطبيع ويقوم بتعرية دور اسرائيل في تصفية الاسرى المصريين في حرب حزيران/يونيو 1967".
وكذلك حذفت الرقابة "كل المشاهد التي يظهر فيها السفير والعلم الاسرائيلي".
ويروي الفيلم قصة ثلاثة اصدقاء شبان (احمد الفيشاوي واحمد رزق وعمر مهدي) ينشئون محطة بث تلفزيوني في منطقة المعادي في الضاحية الجنوبية الشرقية لمدينة القاهرة، حيث يقيم اركان السفارة الاسرائيلية. وتقوم هذه المحطة ببث افلام تتناول المشاكل الاجتماعية.
ويلتقط احد اصدقائهم صدفة اثناء تصويره بعض المشاهد عملية اغتيال الصحافي المذكور كمدخل للخط الدرامي للفيلم الذي يتضمن المشاهد المحذوفة. وتعرض بعض هذه المشاهد طريقة تهريب القاتل وقيام اسرائيل بتهريب المخدرات الى الاراضي المصرية.
ويؤكد المخرج ان الرقابة "فرضت علينا ان نضع في نهاية الفيلم اعلانا يشير الى قيام قوات الامن بالقاء القبض على القاتل، وهذا ما لم يتضمنه الفيلم في مجراه الاساسي".
والفيلم من انتاج شركة العدل ويتألف فريقه من شبان معظمهم يخوضون عملهم السينمائي الاول، مثل كاتبي السيناريو ابراهيم ومحمود حامد وكذلك مدير التصوير جمال وهدان ومهندس الديكور هشام البكري ومؤلف الموسيقى التصويرية علي شرف، اضافة الى ابطال الفيلم.
وكان الحديث عن ضرورة استعادة مدينة "أم الرشراش" المصرية المعروفة الآن باسم "إيلات", التي لا تزال تحتلها تل أبيب منذ 52 عاماً، قد عاد بقوة عام 1999 .
ونقلت الصحف المصرية عن مصادر سياسية مصرية أن دراسات وافية قد أعدت بالفعل حول الوضع القانوني للمدينة, تمهيداً لتصعيد الأمر, بعدما تجاهل الإسرائيليون على مدار 17 عاماً طلباً مصرياً قيل إن الرئيس المصري حسني مبارك قدمه لتل أبيب عام 1982م لبحث مصير المدينة، فيما قالت مصادر في الخارجية المصرية إن ملف الحدود مغلق تماماً!.
ونشرت عدة صحف مصرية قبل عامين تقارير متعددة عن أم الرشراش, أشارت فيها إلى أن مصر تستعد للمطالبة بها, ثم نشرت ذات الخبر صحيفة "إجيبشن جازيت" الرسمية الناطقة باللغة الإنجليزية, فتحركت الصحف الإسرائيلية حينئذ, ونشرت ما تعتزم مصر القيام به. وكشفت إحدى هذه الصحف أن تل أبيب طالبت أمريكا بالتدخل، وأن السفارة الأميركية بالقاهرة أجرت اتصالات بالخارجية المصرية لاستجلاء الأمر, فأبلغها مصدر رسمي أن الخارجية لا تقف وراء الموضوع, وهو ما فسر بأن ملف الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة مغلق!
وزاد الأمر غموضا حول حقيقة مطالبة مصر باستعادة المدينة أو التخلي عنها, أن الحكومة المصرية احتجت عام 2000 على وثائق بريطانية قديمة تزعم تنازل الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر عن أم الرشراش للدولة العبرية, إذ قالت مصادر صحفية مصرية إن وزارة الخارجية المصرية بعثت باحتجاج رسمي إلى وزارة الخارجية البريطانية, ردا على ما جاء في وثائق بريطانية قديمة أفرج عنها مؤخرا من مزاعم, تشير إلى أن مصر قد تنازلت خلال حكم الرئيس الأسبق عبد الناصر عن منطقة أم الرشراش.
وقالت إن ما ورد في أوراق حكومة هارولد ويلسن عن تنازل عبد الناصر عنها لإسرائيل حتى تحصل على منفذ بحري على خليج العقبة "محض افتراء وتشويه لسمعة الرئيس الراحل, فضلا عن أنه دعم واضح للجانب الإسرائيلي على حساب مصر.
وقد أوردت رسالة الاحتجاج المصرية نصوصا لتصريحات لعبد الناصر, أكد فيها احتلال إسرائيل لأم الرشراش، إضافة لوثائق ومستندات قديمة تؤكد تبعيتها لمصر.
وتشير دراسات مصرية إلى أن قرية أم الرشراش كانت تدعى في الماضي (قرية الحجاج), حيث كان الحجاج المصريون المتجهون إلى الأراضي المقدسة يستريحون فيها، ولكن إسرائيل احتلتها منذ عام 1949.
وقد لوحظ في أعقاب التقارير التي تحدثت عن تدخل أميركي لمعرفة حقيقة إثارة مصر لهذه القضية، أن القاهرة تراجعت عن مطالبة تل أبيب بإعادة قرية أم الرشراش المصرية التي أحتلها اليهود منذ 50 عاما (10 آذار 1949)، إذ قالت مصادر مسؤولة في الخارجية المصرية في ذلك الوقت إن ما تردد عن قيام مصر بتشكيل لجنة خبراء ومجموعة تفاوض استعدادا للمطالبة بأم الرشراش ليس صحيحا, وأن ملف الحدود بين مصر وإسرائيل مغلق تماما!
ويأتي هذا الموقف المصري رغم تأكيد الرئيس مبارك قبل عامين أنه طالب الإسرائيليين عام 1985 بالتفاوض حول أم الرشراش, وتأكيد الجامعة العربية أن أم الرشراش مصرية بالوثائق.
وقد نشر المؤرخ المصري عبد العظيم رمضان دراسة في صحيفة "الوفد" الليبرالية يوم 25 شباط/فبراير 2000 أكد فيها تكذيب الخارجية المصرية لما تردد حول اعتزام مصر المطالبة بأم الرشراش, وزعم أن ما يتردد عن حقوق مصرية في هذه القرية ليس له أساس تاريخي، وأن الخارجية المصرية أحسنت صنعا بهذا التكذيب, حتى لا ينشأ نزاع جديد لا مبرر له بين مصر وإسرائيل! واعتبر ذلك إفلاتا من فخ نصبته الصحافة الإسرائيلية لمصر.
وجاء رفض الرقابة على المصنفات الفنية المصرية بسبب المشاهد الخاصة بالحديث عن احتلال إسرائيل لمدينة أم الرشراش, ليؤكد ضمنا الرغبة المصرية في عدم الحديث عن أي مناطق مصرية محتلة من جانب تل أبيب عقب توقيع اتفاقية السلام. (ق.ب)