في أول صلاة بآيا صوفيا، الاستعراض السياسي يطغى على الديني

تحويل آيا صوفيا إلى مسجد مجددا، يهدف إلى تقوية قاعدة أردوغان المحافظة القومية في أجواء من التوترات الإقليمية والصعوبات الاقتصادية التي تفاقمت مع انتشار وباء كورونا.
حضور واستحضار لافت لرموز الإمبراطورية العثمانية
مسؤول ديني يصعد المنبر متقلدا سيفا رمزا إلى فتح العثمانيين للقسطنطينية
لم يشارك أي من قادة المعارضة التركية في صلاة الجمعة بآيا صوفيا

اسطنبول - طغى الاستعراض السياسي الذي كان بكل المقاييس دعاية حزبية، على الجانب الديني في أول صلاة جمعة تقام في متحف آيا صوفيا الذي حوله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مسجد وافتتحه اليوم الجمعة بحضور عشرات آلاف المصلين.

ولم يفت الرئيس التركي الذي لا يخفي نواياه في استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية والباحث عن استعادة قاعدته الشعبية المحافظة بعد أن تآكلت بفعل أكثر من أزمة تشهدها تركيا منذ توليه الحكم، استحضار الرموز العثمانية فكان لافتا حضور رئيس الشؤون الدينية علي أرباش متقلدا سيفا فوق المنبر رمزا إلى "فتح القسطنطينية" على يد العثمانيين عام 1453، قائلا "نشهد لحظة تاريخية انفصال طال أمده يصل إلى خاتمته".

كما حضر كثيرون من أنصار حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم وهم يرتدون الزي العثماني في دلالات رمزية تختزل التوظيف الديني والقومي لصالح أجندة الرئيس السياسية.

وهذه أول صلاة جماعة تقام منذ 86 عاما في آيا صوفيا، الصرح المعماري المشيّد في القرن السادس الميلادي والذي كان كنيسة ثم مسجدا عثمانيا فمتحفا.

وقال الرئيس التركي عقب الصلاة إن ايا صوفيا "عادت مسجدا. وبمشيئة الله ستبقى أبد الدهر مسجدا يؤمه المؤمنون كافة".

وكان قد أقرّ تحويل المكان إلى مسجد، مستندا إلى حكم قضائي يبطل قرار تحويلها متحفا في 1934.   

ويرى عدد من المراقبين أن أردوغان يهدف من تحويل آيا صوفيا إلى مسجد مجددا، إلى تقوية قاعدته المحافظة القومية في أجواء من الصعوبات الاقتصادية التي تفاقمت مع انتشار وباء كوفيد-19.

وباتخاذه هذا القرار، يمس الرئيس التركي أيضا بإرث مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك الذي حوّل المسجد متحفا ليصير رمز تركيا العلمانية.

وفي خطوة رمزية، اختار أردوغان إقامة أول صلاة في الذكرى السابعة والتسعين لاتفاقية لوزان التي رسمت حدود تركيا الحديثة. ويطالب الرئيس التركي الذي يحن إلى الإمبراطورية العثمانية، في أغلب الأحيان بتعديلها.

ولا تزال آيا صوفيا مرتبطة ارتباطا وثيقا في تركيا بدخول العثمانيين القسطنطينية بقيادة السلطان محمد الثاني "الفاتح".

عقب الصلاة زار أردوغان مصلى السلطان برفقة حليفه زعيم اليمين القومي المتطرف دولت بهتشلي. ولم يشارك أي من قادة المعارضة في الصلاة.

وأثار قرار تحويل المعلم إلى مسجد انتقادات في الخارج خصوصا من روسيا واليونان، وأعرب البابا فرنسيس عن "حزنه العميق" لهذا القرار.

كثيرون من أنصار العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم حضروا وهم يرتدون الزي العثماني في دلالات رمزية تختزل التوظيف الديني والقومي لصالح أجندة الرئيس السياسية

وقال المفوض الأوروبي اليوناني الجنسية مارغاريتيس سكيناس الجمعة إنه "غاضب" لإعادة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، معتبرا أن القرار "نقطة انطلاق سيئة" للعلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي.

وتأتي صلاة الجمعة هذه في أجواء من التوتر الشديد بين أنقرة وأثينا مرتبطة خصوصا بعمليات التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط.

ورفضت أنقرة الانتقادات باسم "السيادة"، مشددة على أن السياح ما زالوا يستطيعون زيارة هذا الصرح الذي أدرجته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) على لائحة التراث العالمي، لكن تسرّع السلطات في إقامة أول صلاة فيه يثير قلقا.

وقالت الباحثة في جامعة بيتسبرغ طوبا تانييري اردمير إنه لم يكن هناك "وقت كاف لمشاورة الخبراء كما ينبغي وإجراء مشاورات ومناقشات والتوصل إلى إستراتيجية دائمة"، مضيفة أن "الإجراءات التي تتخذ على عجل يمكن أن تكون عواقبها كارثية وأن تسبب أضرارا لا يمكن إصلاحها".

ويثير مصير لوحات الفسيفساء البيزنطية الموجودة داخل آيا صوفيا وكانت مغطاة بالجص في العهد العثماني، قلق المؤرخين، لكن رئاسة الشؤون الدينية التركية قالت إنه سيتم تغطيتها بستائر خلال الصلاة فقط.

أردوغان قرر تحويل ايا صوفيا إلى مسجد على عجل ولم يجر مشاورات كافية مع الخبراء. الإجراءات التي تتخذ على عجل يمكن أن تكون عواقبها كارثية وأن تسبب أضرارا لا يمكن إصلاحها

وقال التاجر صلاح الدين ارداش الذي حضر للمشاركة في الصلاة "إنّها اللحظة التي تحطم فيها تركيا القيود. سيكون بمقدورها القيام بما تشاء من الآن فصاعدا من دون الخضوع للغرب"، مضيفا "لا أحد يقدر على إعادتها مسجدا سوى رئيسنا".

وعلى سبيل الاحتجاج، كان من المتوقع أن تقرع أجراس الكنائس في اليونان الجمعة، "فهذا يوم حداد لكل المسيحية"، وفق رئيس أساقفة أثينا وكل اليونان إيرونيمس الثاني.

بدوره أعرب اسرافيل بائع السجاد بالقرب من آيا صوفيا عن خشيته من "أثر سلبي للقرار على السياحة" المتضررة جراء أزمة فيروس كورونا المستجد، معتبرا أن "كل هذا الاستعراض لأغراض سياسية".

شارك آلاف المسلمين ظهر الجمعة في أول صلاة تقام في آيا صوفيا عقب تحويلها المثير للجدل إلى مسجد، في مناسبة تلا خلالها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان آيات من القرآن.

مصير لوحات الفسيفساء البيزنطية في آيا صوفيا يثير قلق المؤرخين، لكن تركيا قالت إنه سيتم تغطيتها بستائر خلال الصلاة فقط

وعلا الآذان من مآذن آيا صوفيا الأربع عقب تلاوة إردوغان الذي اعتمر قلنسوة، سورة الفاتحة في أحداث نقلت مباشرة عبر الهواء.

وبرغم أزمة تفشي وباء كوفيد-19، فإنّ حشوداً تراصت منذ الصباح في محيط آيا صوفيا، وفق مراسلي فرانس برس. وأمضى البعض ليلتهم في المكان.

وقالت آية نور ساعاتجي، 49 عاماً وهي ربة منزل قطعت عطلتها الصيفية للمشاركة في المناسبة، "إنّه حدث تاريخي. ليبارك الله رجب طيب إردوغان الذي يقوم بكل هذه الأشياء الرائعة. أنا متأثرة للغاية".

وأكد إردوغان أن نحو 350 ألف شخص صلوا في آيا صوفيا ومحيطها، وهو رقم يتعذر التحقق من صحته لكنه يبدو مبالغا فيه.