في الجزائر، البريد الإلكتروني يلقي بظلاله على المراسلة التقليدية
السبت 2002/07/13

وهران- كانت المراسلة عن طريق البريد في الماضي القريب تتصدر طليعة الهوايات سيما وأنها تعد أحسن وسيلة للتعارف و ربط أواصر الصداقة بين الشعوب والأفراد من مختلف الأجناس والأديان والأعمار.
وبلغت المراسلة ذروتها بالجزائر في فترة السبعينيات والثمانينات إلا أنها بدأت في الاضمحلال أمام التحول العميق والسريع لنمط الحياة والتقدم التكنولوجي الهائل والمذهل الذي طور من الصوت والصورة ووسائل الاتصال حتى طغت شيئا فشيئا على دواعي الكتابة والمراسلة وأصبحت بديلا فرضه عصر السرعة والطرق السريعة للاتصال وأشعة الليزر التي حولت موسوعات كاملة ومجلدات وأفلام إلى أقراص مضغوطة تحمل في كف اليد الواحدة.
و يقول السيد ب. طيبي، أستاذ في الأدب العربي وأحد المولعين بها إلى زمن قريب، عن المراسلة إنها كانت الاهتمام الأوحد لشبان كثيرين في الثمانينات وهي فترة تميزت بأحادية القناة التلفزيونية وافتقاد الكتاب بأنواعه والمجلات التي كانت تشبع نهم المطالعة لدى محبيها وكذا صعوبة الحصول على خط هاتفي آنذاك. ويسترسل في الحديث ليضيف بأنها كانت ملجأ الفتيات والفتيان المراهقين والراشدين على حد سواء والمتنفس الوحيد والطبيعي لتلك المرحلة. ويقول "كنت أحاول شخصيا الاتصال بشباب العالم العربي أولا وبلدان العالم التي كنت أتقن لغتها مثل الفرنسية أو الإنجليزية. وكنت أبحث عن عناوين هواة المراسلة وأجدها في بعض المجلات العربية مثل "العربي" الكويتية و"الآثار الرومانية القديمة ومهرجان المدينة السنوي لم تكن كافية لحد الان لكي تقنع المستثمرين باهميتها السياحية والتاريخية.
الفيصل" السعودية والجرائد الوطنية التي كانت تخصص حيزا لنشر هذه العناوين.
ومن جهتها، تؤكد السيدة ر.خ، جامعية وربة بيت، بأنها كانت تتفنن في كتابة أحلى عبارات الصداقة ومشاعر الحب أيضا لمراسليها من مختلف البلدان العربية مثل مصر والمغرب والأردن وكانت الصورة التذكارية تحظى بميزة خاصة لديها حيث تختارها بكل دقة وعناية وتقصد بذلك أنها كانت تطلع مراسليها على أجمل المواقع الأثرية والساحلية الجزائرية. لقد كانت "المكاتبة" على حد قولها فضاء ثقافيا وفنيا مفتوح الأفق لما كانت تحتويه الرسائل من محاولات شعرية ونثرية وسرد أحسن القصص والنكت الخاصة بطبيعة الشعوب والألغاز والنوادر وأجود المقولات والأمثال الشعبية والحكم وغيرها.
وفي نفس السياق، تقول السيدة شعيبي، أستاذة بوهران، "كنا عائلة محافظة جدا. وبصعوبة كبرى أقنعت والدي بولعي الشديد بالمراسلة مع فتيات لما تنميه من مواهب وإبداعات متنوعة وكنت انتظر بشغف رسائلي واقرأها على مسامع صديقاتي وأتباهى بها. وقد حفزتهم محاولتي على العمل بالمثل وشكلنا ناديا للمراسلة بيننا وكان دلك حقا وقتا سعيدا جدا".
ويجمع الكثير من مختلف الأعمار ومنهم السيد ج.ع الذي يقول "القلم كان منبرا أناشد من خلاله شباب العالم بحياة سلم وسلام وأمان وأبعث برسائلي كحمام زاجل ينبئ بغد أفضل خال من الحروب والصراعات من أجل حياة زاهية وشاحها أخضر. وكانت أغاني وقصائد المرحوم عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وسيدة الطرب العربي أم كلثوم كلمات لرسائلي. وتبادلت مع عشاق هؤلاء المطربين الصور وقصاصات الصحف المنشورة عنهم. وكان هناك أيضا مغنيين فرنسيين كنا نردد أغانيهم دوما".
ومن خلال الحديث مع العديد من عشاق المراسلة بوهران، تبين بأن عصر المراسلة الذهبي قد ولى للأبد بفعل أن العالم اصبح قرية صغيرة تربط ما بين أقطابه أقمار صناعية وموجات الأثير وذبذبات هرتزية وألياف بصرية غيرت بدورها أنماط الاتصال بكل أشكالها خاصة مع تعميم استعمال الهاتف النقال الذي يختصر الزمن والمسافات وتزايد نوادي الإنترنت وإقبال الشباب خاصة على فتح صناديق بريد إلكترونية"إيميل" تسمح لهم بكتابة الرسالة وبعثها فورا وتلقى الرد عنها في لحظات زيادة على المسامرة المباشرة مع اكبر نوادي الشباب بكل اختصاصاتها مثل المراسلة والزواج والتعلم عن بعد وغيرها وإمكانية رؤية المتحدث.
ومما زاد في الشغف بهذه الطريقة في الاتصال هو بعث رسائل وهدايا افتراضية للأصدقاء عبر الـ"إيميل" دون اللجوء إلى المتاجر لاقتنائها. وهكذا، لم تعد مراكز البريد تشهد طوابير المواطنين الراغبين في اقتناء طوابع البريد وخفت حقائب سواعي البريد من ثقل الكم الهائل من الرسائل التي كانت توزع كل يوم إلى درجة نسج علاقة حميمية بين ساعي البريد والمتلقي . وكان ينظر للساعي كحامل الأمل والحلم المتواصل.