في العراق دولة افتراضية

ما من قانون في العراق يعرض السياسيين للمساءلة إذا ما كذبوا أو أشاعوا أخبارا مضللة أو إذا لم يؤدوا واجباتهم أو إذا لفقوا لخصومهم تهما باطلة أو انتحلوا أفعالا ليست لهم.

قرائن كثيرة تؤكد أن الدولة في العراق كيان افتراضي مثل موقع فيسبوك أو تويتر وسواهما من مواقع التواصل الاجتماعي.

من شأن معرفة تلك الحقيقة أن تجنبنا الوقوع في سوء الفهم حيث كان الالتباس ممكنا في كل لحظة يفكر المرء فيها في مآلات ما تسمى بالعملية السياسية في العراق وبالأخص في مواجهة سؤال من نوع "ما سبب كل هذا الفساد الذي سمم حياة العراقيين وأفقدها الكثير من معانيها الوجودية وصولا إلى أن يفقد العراقي ثقته بوجوده كائنا حيا؟"

في دولة تُدار من خارجها لا يمكن أن يشعر المشتركون فيها باليقين من أن وجودهم مؤكد وحقيقي، وبالأخص أنهم يملكون حرية مغادرة مواقعهم بل العراق كله في أية لحظة يشاءون من غير أن يشعر بهم أحد ومن غير أن يطالبهم أحد بالبقاء أو يجبرهم عليه.

أليس هذا ما يحدث في مواقع التواص الاجتماعي تماما؟

كما أن أولئك المشاركين (المشتركين) في تلك الدولة الافتراضية يحق لهم أن يخفوا هوياتهم الحقيقية. هناك عدد كبير من سياسيي الدولة العراقية الحالية يفعلون ذلك، أما من خلال ولائهم لدول أجنبية أو أنهم ما زالوا ينتمون بالمواطنة إلى دول أخرى غير العراق أو أنهم ليسوا عراقيين بالكامل.

وهذه هي حال المشتركين في نوادي التواصل الاجتماعي الافتراضية. ذلك لأنه ما من مواطنة في جمهورية "فيسبوك" مثلا.  

ليس صحيحا أن يُشبه العراق بالمصرف بالنسبة لأولئك اللصوص. فمَن يدير حسابات الناس في مصرف ما يكون حريصا على أن لا تُسرق الأموال من أجل أن لا تسوء سمعة المصرف الذي يعمل فيه.

الطريقة التي أديرت بها أموال العراقيين لا علاقة لها بما يحدث في المصارف. لقد افترض حكام العراق أن أموال العراق هي أموالهم فاستولوا عليها وسيستمرون في ذلك.

بموجب ذلك السلوك صار على العراقيين أن يعتبروا أن عائدات النفط هي نوع من الممتلكات الافتراضية التي يجب أن لا يضعوها في الحسبان من أجل تحسين شروط حياتهم والنهوض بها.

في سياق تلك الظاهرة لا تخرج عمليات الكذب والتضليل والاحتيال والخداع التي مارسها السياسيون في العراق عن نطاق الظاهرة الفيسبوكية. فليس كل ما يكتبه المشتركون في مواقع التواصل الاجتماعي حقيقيا وليس هناك مَن يجبرهم على القيام بذلك.

ما من قانون في العراق يعرض السياسيين للمساءلة إذا ما كذبوا أو أشاعوا أخبارا مضللة أو إذا لم يؤدوا واجباتهم أو إذا لفقوا لخصومهم تهما باطلة أو انتحلوا أفعالا ليست لهم.

وهو ما يحدث بالضبط في فيسبوك.

في وقت مبكر من عهده المظلم بشر نوري المالكي العراقيين بخروج العراق من مظلة البند السابع. لم يكن ذلك صحيحا. تلك الكذبة التي مرت كما لو أنها لم تقع مهدت لثمان سنوات عصيبة من الكذب والنصب والسرقة والاحتيال وهو ما أدخل العراق في متاهة الأوهام التي كان تنظيم داعش بسنواته الثلاث المخزية واحدا من دروبها ليس إلا.

وإذا ما كانت الدولة العراقية قد بنيت على تحالفات بين متخاصمين تجمع بينهم مصالح مشتركة فالأصدقاء يُمكن أن يختفوا أو يُطاح بهم فإن ذلك المنهج هو الآخر مستعار من فيسبوك. في ذلك الموقع ما من صداقة دائمة. يمكنك بيسر أن تلغي صداقة مَن لا ترغب في استمرار صداقته كما يمكن للآخرين أن يختفوا من صفحتك من غير أن يلقوا عليك تحية الوداع.

عبر خمس عشرة سنة اختفت شخصيات عراقية كثيرة، كانت جزءا من مشروع التغيير الديمقراطي الذي وعد الأميركان به يوم احتلوا العراق. لم يسأل عنهم أحد، ذلك لأنهم كانوا عبارة عن ضيوف افتراضيين، سبقتهم خفتهم إلى العراق وهي الخفة عينها التي غيبتهم.

لقد نجحت التقنية الأميركية في صنع عالم افتراضي مجاور للعالم الواقعي، بحيث صار ذلك العالم أشبه بالعالم البديل الذي تقيم فيه ملايين البشر، غير أن انتاج دولة افتراضية يقيم فيها أكثر من ثلاثين مليون شخصا انما يمثل ذروة ذلك النجاح.