في امتحان كورونا تكرم الحكومات أو تهان!

التهديد بمعاقبة الحكومات في صناديق الاقتراع قد يصبح حقيقة واقعة بعد انتهاء أزمة كورونا وذلك بدءا من الولايات المتحدة التي ستشهد انتخابات رئاسية في نهاية العام.

باريس - ساهم فيروس كورونا المستجد في توفير فرصة للمواطنين في بلدان العالم لاختبار وتقييم حكوماتهم حسب التدابير التي اتخذوها لحمياتهم من الوباء، ففي حين أشاد البعض بإجراءات الوقاية المعتمدة، كان لقرارات مثل الحجز الصحي بعد فوات الأوان والنقص في التحاليل والاستخفاف بشدة الوباء سببا في ارتفاع حدة السخط ضد الحكومات التي اتهمت بعدم توفير الحماية الكافية لسكانها، في حين ينتشر كوفيد-19 الآن في العالم كله تقريبا.

وقالت سارا تشينشيلا وهي طبيبة في مستشفى بمدريد إن "الأشخاص الذين كان بالإمكان إنقاذهم يموتون لأنه لا يمكن إدخالهم إلى العناية المركزة".

ويطابقها الرأي الطبيب النفسي في نيويورك أندرو شاجبا "لا يوجد ما يكفي من المال ولا اختبارات كافية ولا توجد معدات وقاية كافية (...) جميع من في المستشفى معرضون بشكل كبير" لخطر الوباء.

وعلى ضفتي المحيط الأطلسي، يندرج تدفق المرضى على المستشفيات التي لا تملك عددا كافيا من الأسرة ونقص في المعدات الوقائية في صلب الانتقادات في البلدان التي يبلغ فيها عدد الوفيات الناجمة عن كوفيد -19 الآلاف.

ويؤخذ على السلطات إدارتها للوباء في مراحله الأولى إذ سمح في إسبانيا بإقامة تجمعات كبيرة بعد مضي وقت كبير جدا، وفي فرنسا بسبب نقص الأقنعة، وفي المملكة المتحدة بسبب الاستدراك المتأخر لرئيس الوزراء بوريس جونسون الذي أعلن عن أصابته مؤخرا والذي "صافح الجميع" في المستشفيات في أوائل آذار/مارس.

وتساءلت "لوجورنال انترناسيونال دو لا ميديسين" (المجلة الدولية للطب) منذ السادس من آذار/مارس، في مقال عن "الشكوك في عدم الجاهزية" التي "تتزايد" في فرنسا.

وتحدث المقال حينها عندما تم تسجيل حالتي وفاة فقط في البلاد، عن حالات "مثيرة للقلق" من نقص أقنعة وقائية من نوع "أف أف بي 2 "، مشيرة إلى "إنكار" السلطات.

وتم إنشاء جسر جوي، بعد أربعة أسابيع، لاستيراد مليار قناع، معظمها من الصين.

وأقر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الثلاثاء بأنه "سيحين وقت تحمل المسؤولية، هذه المرة، إنها مشروعة وديمقراطية"، داعيا الجميع إلى "التواضع".

عند الخروج من هذه الأزمة، قد يصبح التهديد بمعاقبة الحكومات في صناديق الاقتراع حقيقة واقعة وذلك بدءا من الولايات المتحدة التي ستشهد انتخابات رئاسية في نهاية العام وصولا إلى بعض الحكومات في دول عربية تفاوتت فيها الإجراءات للحد من تفشي الفيروس لكن اللافت أن أغلبها بدت مقبولة نسبيا رغم تواضع الإمكانيات.

وقال أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورج تاون بواشنطن تشارلز كوبتشان "من السابق لأوانه استخلاص النتائج، لكن هذه الأزمة قد تعود بالضرر أكثر من النفع على (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب" مشيرا إلى أن "إدارته (للأزمة) كانت بطيئة ومتخبطة".

ووضعت أزمة الفيروس المستجد إلى حد ما، كثيراً من الدول على نفس خط البداية، بعدما كانت الدول المتقدمة تقود دول العالم النامي وتفوقه تقنيا واقتصاديا بعدة خطوات.

وأثبتت بعض الدول في الشرق الأوسط منها الإمارات والسعودية قدرتها على حماية سكانها من أي خطر بعد أن تدرجت في اتخاذ حزمة تدابير وإجراءات وقائية منذ بداية انتشار الفيروس المستجد، ما جعلها تسيطر على الوضع إلى حد الآن، حيث طمئنت تلك الدول سكانها وخيرت الوقاية المبكرة ثم سخرت احتياطاتها المالية لإنقاذ الاقتصاد والحد من تداعيات الإغلاق عليه لاحقا، كما اتجهت لاعتماد العمل عن بعد واستكمال الدراسة في المدارس والجامعات عبر منصات رقمية.

وفي بلدان عربية أخرى مثل الأردن وتونس والمغرب ومصر اتخذت الحكومات قرارات استثنائية تعد استباقية للحد من انتشار الفيروس رغم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها، حيث باشرت السلطات بالحد من التنقل وحظر التجول وطلبت من مواطنيها ملازمة بيوتهم وتطبيق عبر الحجر الصحي مع تخصيص مساعدات للمؤسسات والأشخاص المتضررين من الأزمة.

الإمارات نجحت في اتباع استراتيجية وقائية واضحة منذ البداية طمئنت سكانها
الإمارات نجحت في اتباع استراتيجية وقائية واضحة منذ البداية طمأنت سكانها

ورغم تعرض بعض الحكومات للانتقادات، ساهم تغيب الأحزاب وتصريحات المسؤولين السياسيين عن الساحة خلال الأزمة في هدوء الأوضاع نسبيا، فرغمالإمارات نجحت في اتباع استراتيجية وقائية واضحة منذ البداية طمئنت سكانها المخاوف من الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي ألقت بضلالها على حياة كل الفئات لازمت الناس بيوتها إما طوعا أو مجبرة.

وحتى ظهر الأربعاء، أصاب كورونا أكثر من 872 ألف شخص في العالم، توفي منهم ما يزيد على 43 ألفا، فيما تعافى أكثر من 184 ألفا، وسط تفاقم التداعيات المصاحبة على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والطبية.

وحتى أمس الثلاثاء سجلت منطقة الشرق الأوسط 3147 وفاة من أصل 58831 إصابة فيما سجلت إفريقيا 200 وفاة من أصل 5778 إصابة وهي حصيلة تعتبر صغيرة مقارنة مع أوروبا والولايات المتحدة اللتين أصبحتا الآن"بؤرتين لتفشي الوباء.

ووسط تسليط الضوء على الدور الذي تقوم به الأجهزة الأمنية والجيوش إلى جانب الأطباء وقطاع الصحة ككل خلال هذه الأزمة، ظهرت انتقادات ومخاوف أيضا من أن تؤدي الإجراءات الهادفة إلى الحد من انتشار فيروس كورونا إلى انتهاك الحريات.

وفي مواجهة تفشي الوباء، بات ما يقرب من نصف البشرية يعيش في عزلة الآن، ويتعرض هؤلاء لمراقبة مشددة. وتدعم غالبية الرأي العام التدابير التي تتخذها الحكومات، رغم بعض الأصوات التي حذرت من تداعيات ذلك على حقوق الإنسان.

وأظهرت صور في عدد من البلدان العربية شوارع مهجورة تسير فيها سيارات عسكرية ومدرعات تعمل على فرض الحجر الصحي المنزلي وحظر التجول، في مشهد يتناقض مع ما شهدته تلك الشوارع من احتجاجات شعبية أدت في عام 2019 إلى سقوط حكومات ورؤساء في الجزائر والعراق ولبنان والسودان.

وفي تونس حيث الديمقراطية فتية لكن هشة، طلبت الرابطة التونسية لحقوق الإنسان إيضاحات بشأن تدابير الحجر الصحي المنزلي بعد تنديد على الإنترنت بتدخلات تعسفية للشرطة ضد أشخاص خرجوا من منازلهم للتسوق، وحامت شكوك بأن أشخاصا آخرين أبلغوا عنهم.

الد
البعض يضطر للاختيار بين القوت والصحة

وفي لبنان، ورغم انحسار التظاهرات التي انطلقت في 17 تشرين الأول/أكتوبر ضد الطبقة السياسية الحاكمة المتهمة بالفساد وعدم الكفاءة، قامت الشرطة ليل نهاية الأسبوع الماضي بتفكيك خيم المعتصمين في ساحة الشهداء في وسط بيروت في عز تدابير "حالة التعبئة الصحية" و"حظر التجول الذاتي" التي أعلنها رئيس الحكومة حسان دياب.

ورغم تأثر الفئات الهشة أكثر بالأزمة الاقتصادية يمتثل العديد من الناس بالتدابير المتخذة حفاظا على صحتهم بعد أن كانوا يتصدرون المضاهرات التي خرجت ضد الحكومات في السنوات الماضية والتي كان أغلبها احتجاجات على الأوضاع الاجتماعية المتردية.

وتثير الاستراتيجية المحفوفة بالمخاطر حول الخطط الصحية، قلقا لدى البعض حيث يتم التطرق إلى موضوع إعطاء صلاحيات استثنائية أو عدمه لبرلمانات في دول العالم لتسهيل عمل الحكومات مع الأزمة.

وبتجاوز المصير السياسي للحكام، برزت قضية الإجراءات القانونية. ففي فرنسا، تم تقديم شكاوى ضد أعضاء الحكومة بتهمة القتل غير العمد.

ويشير المعني بشؤون الدستور دومينيك روسو إلى أن "كثرة الشكاوى في هذا الشأن تدل على أن المواطنين ما زالوا يقظين"، وأن كان احتمال التوصل إلى نتيجة ما زال ضئيلا، بحسب عدة قضاة.

وتغذي إحدى الأسئلة الجدل: هل كان من الممكن اتخاذ تدابير حجر جذرية في وقت سابق؟ وهي مهمة حساسة في جو ديموقراطي بدون موافقة جزء كبير من السكان.

بي
الوقت غير مناسب للتظاهر في ساحة الشهداء ببيروت

وتشير الباحثة والمتخصصة في نظم الصحة كارين ميلسينت "إذا لم يقتنع الرأي العام بالخطورة وإذا كانت الهيئة العلمية منقسمة نسبيا، فسيكون من الصعب على صانع قرار سياسي إيجاد توافق".

وأضافت أن "الأرقام التي أعلنتها الصين في البداية لم تكن مخيفة ودفع ذلك الكثير من الناس للتساؤول حينها عن سبب قيامنا بذلك".

وندد عديدون في الصين بغياب الشفافية من جانب السلطات حول التقييم الفعلي لهذا الوباء، مما يثير مخاوف من أن يكون عدد الوفيات أكبر بكثير من ذلك الذي أعلن عنه وهو 3300 حالة.

وأشارت ميلسينت إلى "أن نظام الصين استبدادي وتخضع الاتصالات للرقابة. ولأن الوباء ظهر في سوق في ووهان، يتبع النظام الآنسياسة تهدف إلى تلميع صورته".

ورأى تشارلز كوبتشان أن "نقص المعلومات في بداية انتشار الفيروس من قبل الصين، له تأثير أكبر مما للتقليل من شأن الحصيلة".

وأضاف أن "الحكومات على ضفتي المحيط الأطلسي تساهلت لفترة طويلة. ولكن لو دقت الصين ناقوس الخطر قبل ذلك، لكان من الممكن أن تستجيب هذه الدول بشكل أفضل وتستعد بشكل أفضل".

وحتى في البلدان التي ذكرت على سبيل المثال، فإن الطريقة التي استخدمتها مثلا كوريا الجنوبية ومكنتها عمن كبح الوباء بفضل اتخاذ تدابير تحد من الحريات مثل التتبع الرقمي للمصابين، لا يمكن اعتمادها بسهولة.

وختم الخبير في المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية جيريمي شابيرو بالقول إن "الديمقراطيات الغربية لم ترغب في اتخاذ هذه الإجراءات لأنها خانقة للغاية. إنها ترقى إلى مستوى من رقابة الدولة التي لا يمكنهم الشعور بالراحة معها".

ال