في دمشق يشجعون المنتخب المتواضع للحليف القوي

بعد ان كان السوريون ينقسمون بين الأرجنتين والبرازيل في منافسات كأس العالم، الدور السياسي والعسكري لموسكو يفرض نفسه على المشجعين رغم ضعف الفرص امام الفريق الروسي للتقدم في المونديال.

دمشق - في شارع شعبي بدمشق القديمة يبرز العلم الروسي بين أعلام منتخبات مشاركة في مونديال 2018، في مشهد لم تعتده سوريا قبل تدخل موسكو في النزاع الى جانب القوات الحكومية، إذ لطالما طغت المنافسة بين مشجعي البرازيل والأرجنتين.
وقبيل انطلاق المونديال الذي تستضيفه روسيا بين 14 حزيران/يونيو و15 تموز/يوليو، يزهو حي القيميرية الدمشقي بأعلام معلقة على حبل يتدلى وسط شارع تصطف المحال التجارية على جانبيه وتزين سماءه زينة مضاءة قبل أيام من الاحتفال بعيد الفطر.
ويقول أحمد المضرماني المنشغل بمتابعة آخر التعليقات والمنشورات على مجموعة تعنى بالأخبار الرياضية أنشأها على موقع فيسبوك، لوكالة الصحافة الفرنسية "قبل الأحداث في سوريا، لم يكن أحد ليشجّع المنتخب الروسي، فهو منتخب عادي وليس قوياً" مقارنة مع المنتخبات التقليدية الكبرى.
يضيف الشاب الثلاثيني الذي باتت مجموعته تضم أكثر من سبعين ألف متابع "لكن حالياً وبعد التدخل الروسي، هناك من يتعاطف معها".
منذ أيام، يتابع أحمد بحماس ازدياد وتيرة التعليقات والتعليقات المضادة مع تبادل المشجعين لمنتخبات عدة التوقعات والآراء، في نقاشات قد تتطور أحياناً الى مشادات افتراضية حول تميز هذا الفريق أو ذاك.
ويشرح أن الميل العام للتعليقات يذهب باتجاه "تشجيع فرق قوية كالبرازيل والأرجنتين، ولكن رغم ذلك، يتردد اسم المنتخب الروسي في التعليقات والتصويت".
قبل اندلاع النزاع في سوريا في آذار/مارس 2011، لم يكن تشجيع منتخب روسيا أو رفع علمها شائعاً في العاصمة أو أي مدن أخرى. لكن الأمر تغير كلياً منذ بدأت موسكو تدخلها العسكري الى جانب دمشق في أيلول/سبتمبر 2015، بعد سنوات من دعمها سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً.

تشجيع الروس لم يكن متوقعا قبل الحرب في سوريا
تشجيع الروس لم يكن متوقعا قبل الحرب في سوريا

ويتحدث أحمد عن تغيّر الظروف الأمنية في سوريا راهناً مقارنة مع ما كانت عليه خلال مونديال البرازيل 2014.
ويقول "الناس اليوم مرتاحة، يمكنها أن تتابع المونديال بشغف وبلا خوف، أما في مونديال 2014، فقد كانت الحرب في أوجها في دمشق وكان الناس مشغولين بأنفسهم وبأمنهم الشخصي".
تمكنت القوات الحكومية في العامين الأخيرين وبفضل الدعم الجوي الروسي من استعادة زمام المبادرة على جبهات عدة. وسيطرت على مناطق عدة كانت خارج سلطتها أبرزها الأحياء الشرقية في مدينة حلب (شمال) وآخرها الغوطة الشرقية وأحياء في جنوب العاصمة قبل أسابيع.
على كرسيه الخشبي أمام محله المتواضع المخصص لبيع الأعلام وكل ما قد يستخدم لتشجيع المنتخبات المتنافسة، يجلس حمود خميس (37 عاماً) ويجيب مع ابتسامة عريضة على أسئلة المارة والزبائن بشأن الأسعار.
ويقول بينما تتصدر محله شاشة كبيرة سيشاهد كأس العالم عبرها "كنا نبيع الأعلام الروسية عشية جلسات مجلس الأمن، أو عند الاستحقاقات السياسية الكبرى".
ولطالما استخدمت روسيا حق النقض (فيتو) لعرقلة قرارات دولية تدين دمشق، كما شكلت راعية أساسية لكافة المفاوضات والمحادثات الدبلوماسية المتعلقة بالحرب في سوريا.
أما الآن "وبعدما هدأت مباحثات السياسة، يشتري البعض العلم الروسي لتسجيل موقف سياسي من خلال الرياضة" كما يشرح حمود.

الرياضة تختلف عن السياسة. لا أحد سيشتري جهازاً غالي الثمن ليشجّع روسيا

وفي الأيام الأخيرة، شهد متجره إقبالاً متزايداً على شراء أعلام المنتخبات المشاركة في المونديال بعدما كانت مبيعاته في الفترة الماضية تقتصر على أعلام الفرق المشاركة في دوري أبطال أوروبا.
ويوضح "اشتريت أعداداً كبيرة من أعلام البرازيل وألمانيا والأرجنتين، كان لدي أعلام روسية عرضتها على الواجهة".
يبيع حمّود العلم المتوسط الحجم مقابل 500 ليرة سورية (نحو دولار أميركي) والكبير لقاء ألفي ليرة سورية. ويُقبل الأطفال والفتيان بشكل خاص، كما يشرح، على شراء عصبة الرأس جراء ثمنها الزهيد البالغ مئتي ليرة سورية فقط.
في سوق السويقة المخصص لبيع الأدوات الإلكترونية، ترتفع أصوات أغان صاخبة من بعض المحال بينما ينهمك محمود أبو مالك (50 عاماً) بتسلم دفعة جديدة من أجهزة "فك التشفير" في محله الذي بالكاد يتسع لشخصين.
يكدّس محمود العلب فوق بعضها البعض، بينما يطلب من تاجر جملة عبر الهاتف أن يكون مستعداً لتوفير كميات إضافية مع ازدياد الطلب.
ويتوقع أن "يكون الإقبال هذه السنة كبيراً لمتابعة المونديال"، مميزاً بين "فرق قوية وفرق عربية وأخرى حليفة" في إشارة لروسيا، لكنه يرى أن "التشجيع سيكون حتماً للفرق القوية".
ويقبل العديد من السوريين على شراء هذه الأجهزة ليتسنى لهم متابعة المباريات التي تبثها قنوات تلفزيونية مشفرة مقابل مبالغ مرتفعة للغاية. وتتراوح كلفة هذه الأجهزة بين 5000 ليرة (12 دولاراً) للاشتراك الأسبوعي وصولاً الى 500 ألف (نحو 1100 دولار) للاشتراك السنوي، وهو مبلغ يصعب على كثيرين دفعه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
ويرى الرجل الذي بدأ الشيب يغزو ذقنه وشعره أن "الرياضة تختلف عن السياسة، فلا أحد سيشتري جهازاً غالي الثمن ليشجّع روسيا" التي يتوقع خروجها باكراً من السباق.
على بعد عشرات الأمتار، يبادر باسم الرز (33 عاماً) الى سؤال الزبائن، فور دخولهم المحل المخصص لبيع الأحذية حيث يعمل، عن هوية الفريق الذي يشجعونه. وفي حال كانت إجابتهم الأرجنتين، يقدم لهم حسماً خاصاً.
ويقول الشاب، الذي قرر أن يأخذ إجازة حين يلعب منتخبه المفضل، بحماسة "الأرجنتين أولاً، لكن روسيا دولة حليفة، نحن حلفاء في الحرب والسلم، وسنكون حلفاء في الرياضة أيضاً".
وتخوض روسيا المباراة الافتتاحية للمونديال ضد السعودية الخميس، وذلك ضمن المجموعة الأولى التي تضم أيضا الأوروغواي ومصر.
ويضيف الرز بنبرة حاسمة "المنتخب الروسي حليف وشريحة كبيرة من الشعب السوري ستشجع المنتخب الروسي.. فوزه يعني فوزنا".