قائد الجيش الجزائري يوجه "آخر إنذار" للجنرال توفيق

أحمد قايد صالح يدعو إلى "ضرورة انتهاج أسلوب الحكمة والصبر" خلال المرحلة الانتقالية ويؤكد أن الجيش يبحث كل الخيارات لإيجاد حل للأزمة السياسية في البلاد بأسرع وقت ممكن.
صالح يتوعد رئيس المخابرات الأسبق بإجراءات قانونية صارمة
مظاهرة للطلبة تطالب باستقالة الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح
قائد أركان الجيش يطلب من المحتجين تفادى اللجوء إلى العنف

الجزائر - قال قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح اليوم الثلاثاء إن الجيش يبحث كل الخيارات لإيجاد حل للأزمة السياسية في البلاد بأسرع وقت ممكن.

وفي كلمة بثها التلفزيون الرسمي، قال صالح إن الوقت ينفد وإن الجزائر لا تستطيع تحمل المزيد من التأجيل مضيفا أن مزيدا من التحركات ستتخذ لتلبية مطالب المحتجين.

وقال قائد أركان الجيش الجزائري، خلال كلمة له أمام قيادات عسكرية بالمنطقة العسكرية الرابعة بورقلة (جنوب) الحدودية مع ليبيا والتي نقلتها وزارة الدفاع "نجدد التزام الجيش الوطني الشعبي بمرافقة مؤسسات الدولة، في هذه المرحلة الانتقالية، مع الإشارة إلى أن كافة الآفاق الممكنة تبقى مفتوحة في سبيل التغلب على مختلف الصعوبات وإيجاد حل للأزمة في أقرب الأوقات".
وأضاف "الوضع لا يحتمل المزيد من التأجيل، لأن الوقت يداهمنا (..) الجيش يحترم بشكل كامل أحكام الدستور لتسيير المرحلة الانتقالية (..) وأنه لا طموح لنا سوى حماية الوطن وبسط نعمة الأمن والاستقرار".
وفي اتهامات مباشرة حذر صالح رئيس المخابرات الأسبق الجنرال محمد مدين المدعو "توفيق"، من محاولة عرقلة مساعي حل الأزمة مشددا على أن المؤسسة العسكرية "ستتخذ إجراءات قانونية صارمة" ضده، كما توعده بأن هذا "آخر إنذار له".
وقال صالح "لقد تطرقت في مداخلتي يوم 30 مارس/آذار إلى الاجتماعات المشبوهة التي تعقد في الخفاء من أجل التآمر على مطالب الشعب ومن أجل عرقلة مساعي الجيش الوطني الشعبي ومقترحاته لحل الأزمة".
واستدرك "إلا أن بعض هذه الأطراف وفي مقدمتها رئيس دائرة الاستعلام والأمن السابق (في إشارة لرئيس المخابرات الأسبق مدين)، خرجت تحاول عبثا نفي تواجدها في هذه الاجتماعات ومغالطة الرأي العام، رغم وجود أدلة قطعية تثبت هذه الوقائع المغرضة".
وفي 30 مارس/ آذار الماضي، اتهم صالح، أطرافا أسماهم بـ"أصحاب النوايا السيئة" بإعداد مخطط لضرب مصداقية الجيش ومحاولة الالتفاف على مطالب الشعب، مؤكدا في الوقت ذاته أنه سيتصدى لهم بكل الطرق القانونية.
ومطلع أبريل/ نيسان الجاري، نفى قائد المخابرات الأسبق محمد مدين، مشاركته في اجتماع مع الرئيس السابق للجهاز بشير طرطاق، ورئيس البلاد الأسبق اليامين زروال، وبحضور عناصر من مخابرات أجنبية، للتآمر ضد الجيش.
وقبل أيام، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية إقالة رئيس المخابرات اللواء بشير طرطاق، وإلحاق الجهاز بوزارة الدفاع بعد أن كان قد اخضع عام 2015 لرئاسة الجمهورية.
وعُين بشير طرطاق في سبتمبر/ أيلول 2015، رئيسا لجهاز المخابرات الجزائري، خلفا للفريق محمد مدين المعروف إعلاميا بـ"توفيق" الذي كان يشغل المنصب منذ عام 1990. واحتدم الصراع على السلطة في الجزائر في أبريل/نيسان 2013  بعد أن تعرض الرئيس المستقيل بوتفليقة لوعكة صحية خرج منها على كرسي متحرك، حينها اتهم رئيس "حزب جبهة التحرير الوطني" الحاكم عمار سعداني، الجنرال "توفيق" الذي تكتنف شخصيته غموضا كبيرا حيث لا يعرف الجزائريون حتى وجهه، بالسعي للإطاحة ببوتفليقة والوقوف ضد عهدته الرابعة.
وفي سياق غير بعيد، دعا صالح في خطابه القضاء بتسريع التحقيقات في ملفات فساد شهدتها البلاد في العقدين الأخيرين (خلال حكم بوتفليقة).
وقال "ننتظر من الجهات القضائية المعنية أن تسرع في وتيرة معالجة مختلف القضايا المتعلقة باستفادة بعض الأشخاص، بغير وجه حق، من قروض بآلاف المليارات وإلحاق الضرر بخزينة الدولة واختلاس أموال الشعب".
وكان صالح قد صرح قبل أيام خلال تواجده الناحية العسكرية الثانية بوهران، أن العدالة ستفتح قضايا فساد كبرى عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة، مرجحا محاكمة أفراد النخبة الحاكمة المقربة من بوتفليقة بتهمة الفساد قائلا إنه سيدعم مرحلة انتقالية تقود إلى انتخابات، واصفا تلك النخبة "بالعصابة".

وفي وقت سابق اليوم الثلاثاء، أعلن الطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري استقالته، وهو أحد أهم الباءات الثلاثة الذين طالب الحراك الشعبي برحيلهم (الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح ورئيس الوزراء نورالدين بدوي)، بعد رفض الشارع إشراف رموز نظام بوتفليقة على المرحلة الانتقالية.
ولم يبرز أي اسم ليكون منافسا محتملا على قيادة البلاد. وتحدث محتجون عن شخصيات مثل المحامي والناشط مصطفى بوشاشي بوصفها من قادة الاحتجاجات لكن لم يتضح بعد أي دور يمكن أن يلعبه في السياسة.

وفي الجزائر العاصمة، قال شهود إن آلاف الطلبة احتشدوا في وسط المدينة الثلاثاء للمطالبة باستقالة بن صالح بعد بلعيز.

ولوح الطلبة بأعلام بلدهم وعبروا عن رفضهم لبن صالح على مرأى ومسمع من شرطة مكافحة الشغب. ولا تزال الاحتجاجات التي اندلعت في 22 فبراير/شباط سلمية إلى حد بعيد.

وقال شهود إن آلاف الطلبة خرجوا كذلك في مسيرات بعدد من المدن الأخرى مثل البويرة وبومرداس وتيزي وزو.

وقال أحد الطلبة ويدعى مراد ديمي (25 عاما) "ضغطُنا سيستمر حتى تتحقق كل المطالب".

ويطالب المحتجون برحيل النخبة التي حكمت الجزائر منذ استقلالها عن فرنسا عام 1962 ومحاكمة شخصيات يصفونها بالفاسدة، بالإضافة إلى تغيير جذري يشمل إصلاحات سياسية كبرى في البلاد العضو في منظمة أوبك وأحد موردي الغاز الطبيعي الكبار لأوروبا.

وقال طالب يدعى جميل دعدي "ليس أمام رئيس الدولة ورئيس الوزراء خيار سوى الاستقالة. لن نترك الشوارع قبل أن نحصل على إجابات مرضية".

لكن صالح دعا في خطابه إلى "ضرورة انتهاج أسلوب الحكمة والصبر لأن الوضع السائد مع بداية هذه المرحلة الانتقالية يعتبر وضعا خاصا ومعقدا، يتطلب تضافر جهود كافة الوطنيين المخلصين للخروج منه بسلام"، حسب تعبيره.
وفي إشارة إلى استقالة بوتفليقة، قال صالح "الخطوة الأساسية قد تحققت وستليها، بكل تأكيد، الخطوات الأخرى، حتى تحقيق كل الأهداف المنشودة، وهذا دون الإخلال بعمل مؤسسات الدولة التي يتعين الحفاظ عليها، لتسيير شؤون المجتمع ومصالح المواطنين".
وتابع "هذه الأهداف يتطلب تحقيقها مراحل وخطوات تستلزم التحلي بالصبر والتفهم ونبذ كافة أشكال العنف".
وأوضح "أسدينا تعليمات واضحة لا لبس فيها لحماية المواطنين لاسيما أثناء المسيرات، لكن بالمقابل ننتظر من شعبنا أن يتفادى اللجوء إلى العنف وأن يحافظ على الممتلكات العمومية والخاصة، ويتجنب عرقلة مصالح المواطنين".
يذكر أن أحمد قايد صالح كان من أبرز قيادات الجيش الجزائري خلال فترة العشرية السوداء التي شهدت تمرد الإسلاميين في التسعينات حين قتل أكثر من مائتي ألف شخص في حرب أهلية.
ومنذ تعيينه في سبتمبر/أيلول 2013 نائبا لوزير الدفاع خلفا لعبد الملك قنايزية، مع احتفاظه برئاسة أركان الجيش الجزائري، أصبح بمثابة الذراع اليمنى لبوتفليقة، حيث تردد أن قيادة الاستخبارات السابقة وعلى رأسها الجنرال "توفيق" كانت تسعى للإطاحة بالرئيس خلال وجوده خارج الجزائر للعلاج.

لكن ترقية صالح مكنته من الإطاحة بعدد كبير من كبار ضباط الاستخبارات وأصبح منذ استقالة بوتفليقة في 2 نيسان/أبريل تحت ضغط الشارع ودعم الجيش الرجل القوي في الدولة.

وبدا رئيس الأركان وكأنه يرد على مطالب "رحيل كل النظام ووجوهه البارزة" وإنشاء مؤسسات انتقالية يمكنها إطلاق إصلاحات عميقة وتنظيم انتخابات حرّة.