قانون الأحوال الشخصية ينفد من عنق زجاجة إخوان تونس

منذ 2011 سعت حركة النهضة لإلغاء مبدأ المساواة بين الجنسين وتعويضه بالتنصيص على أن "المرأة مكمّلة للرجل".
66 عاما على قانون الأحوال الشخصية التونسي
المحافظون القدماء والجدد يتصدون لقانون الأحوال الشخصية التونسي
تونس

تعرّض قانون الأحوال الشخصية في تونس إلى محاولات متكررة للتشكيك عندما خطط الإسلاميون الذين اعتلوا سدة الحكم في تونس بعد 2011 لإلغائه متعللين بأنه "يتنافى وقواعد الشريعة الإسلامية".
والقانون الذي يسمى في تونس مجلة الأحوال الشخصية هو ثاني نص تشريعي وضعي بالبلاد العربية والإسلامية، بعد لبنان، يلغي مسألة تعدد الزوجات وينظم كل ما يتصل بالعائلة التونسية من زواج وطلاق وحضانة وواجبات الزوجين.
ويحتفل التونسيون كل 13 أغسطس/ آب من كل سنة بشكل رسمي، بعيد المرأة الذي يصادف ككل عام ذكرى صدور مجلة الأحوال الشخصية التي تحتفل هذا العام بعيدها الـ66.
وفي 17 نيسان/ أبريل 1956 كلف رئيس الحكومة حينها الحبيب بورقيبة وزير العدل آنذاك أحمد المستيري بصياغة مجلة للأحوال الشخصية "في أقرب وقت"، مستغلا حالة الحماس والالتفاف الشعبي حوله في فترة ما بعد التحرر من الاستعمار الفرنسي.
وكتب المستيري في مذكراته "تكونت لجنة للمجلة من خيرة العلماء.. واتفقنا على مبادئ على ضوئها يتم تأليف المجلة أولها: أن ما فيها لا يتنافى مع القرآن والسنة، ثانيا: لا تحلّ حراما، ثالثها تقيّد وتمنع مباحا، ورابعها: تتماشى وتطور المجتمع التونسي، وعلى ضوء ذلك قيّدنا الطلاق بالطلاق أمام القاضي ومنعنا المباح وهو تعدد الزوجات". 

يقطع القانون مع ظاهرة تعدد الزوجات ويلغي ثقافة وصاية الرجل على المرأة 

ويعتبر العديد من الملاحظين والخبراء داخل تونس وخارجها قانون الأحوال الشخصية نصا رائدا و"ثوريا" يقطع مع ظاهرة تعدد الزوجات ويرسي أسسا حداثية ومتطورة للعائلة التونسية، تلغي ثقافة الوصاية على المرأة  التي كانت سائدة وقتئذ.
وقبيل الحقبة الاستعمارية وأثناءها، نادى مفكرون تونسيون بضرورة تغيير العقلية السائدة بشأن المرأة والأسرة، بدءا برسالة أحمد بن أبي الضياف "رسالة في المرأة" سنة 1856، مرورا بكتاب محمّد السنوسي "تفتّق الأكمام" الصادرة سنة 1897 ومحاضرة خيرية بن عيّاد في فيينا "المرأة التركية: حياتها الاجتماعية والحرم" سنة 1904، وصولا إلى الكتاب المرجع للطاهر الحداد، "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" الصادر عام 1930.
وتمت مراكمة القانون طيلة فترة الرئيسين السابقيْن بورقيبة وزين العابدين بن علي بجملة من المكاسب الاجتماعية والأسرية تتعلق بالحضانة وحرية تنقل المرأة دون "محرم" وحقوق الأطفال وغيرها.
ومثلت حقبة ما بعد 14 كانون الثاني/ يناير 2011 منعرجا حقيقيا في مسيرة القانون الذي تعرّض لحملات تشكيك أطلقها متشددون داخل حركة النهضة التي استلمت الحكم بالبلاد إثر انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2011.
واحتدّ الجدل في تونس خلال تلك السنوات حول اقتراح النهضة وحلفائها في المجلس التأسيسي فصلا في دستور 2014 يفيد بأن "المرأة مكمّلة للرجل وليست مساوية له".
ونادى هؤلاء أثناء الإعداد للدستور بتعدّد الزوجات وإلغاء مجلة الأحوال الشخصية وفرض تطبيق الشريعة الإسلامية في الزواج ودعوة المرأة العاملة إلى ملازمة البيت، بتعلة مقاومة مشكلة البطالة.
كما عملوا على تكريس الفصل بين المرأة والرجل (في حال اضطرت المرأة للعمل) في مواقع العمل ومكاتب الإدارة وفصول التعليم،
وسعوا لتغيير البرامج والمناهج التربوية المعتمدة منذ الاستقلال في مختلف مراحل التعليم، تمهيدا لأسْلَمَةِ المجتمع التونسي وأخونته كما يتهم ناشطون حقوقيون حركة النهضة، مستشهدين بتعمد إدخال أفكار غريبة عن الثقافة التونسية تدعو إلى ختان البنات وإرضاع الكبير وارتداء النقاب.

عملت الحقوقيات طيلة السنوات الماضية على مكافحة التعبيرات الذكورية والمشاريع الرجعية زمن الإخوان

 وتتألف مجلة الأحوال الشخصية من ديباجة تضم 6 فصول و 170 بندا في 71 صفحة، تهتم بالزواج والطلاق والعدّة والنفقة والحضانة والنسب والميراث وغيرها من المسائل المنظمة للعلاقات داخل الأسرة التونسية.
ومنذ صدورها عام 1956 لم يستسغ المحافظون أحكام المجلة، خاصة من الزيتونيين الذين عارضوا إلغاء تعدد الزوجات، وإلغاء حق الجبر (جبر الولي لابنته على قبول الزواج الذي اختاره لها إذا لم تكن راضية به)، وإقرار الطلاق القضائي، والمساواة بين الزوجين في حق طلب الطلاق، وتحديد السنّ الدنيا للزواج بـ17 سنة بالنسبة للفتاة بشرط موافقتها و20 سنة للفتى، و منح الأم في حالة وفاة الأب حق الولاية على أبنائها القُصر، وحقها في حسن المعاملة من قبل الأب و الأخ و الزوج، وحق التعلّم في مختلف مراحل الدراسة، وحقها في الإنفاق عليها حتى بعد الطلاق، وحقها في الإرث بما حدّده الشرع، وحقها في إبداء الرأي والمشاركة في قرارات العائلة، وحقها في المساواة.
وكرّس دستور 1959 مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في المواطنة وأمام القانون.
ولم يشعر الحقوقيون والحقوقيات الذين نظموا طيلة السنوات الماضية عشرات التظاهرات المناهضة لمحاولات الالتفاف على حقوق المرأة التونسية، بزوال الخطر نسبيا إلا بعد التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيّد في 25 يوليو/ تموز 2021 التي أنهت 10 سنوات من سيطرة حركة النهضة الإسلامية على مفاصل الدولة والمجتمع.
وأبدت نائلة الزغلامي رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات، أسابيع قليلة بعد الإطاحة بحركة النهضة، ارتياحها الحذر لتعهد سعيّد بالعمل على صون مكاسب المرأة التونسية.
وصرحت لوسائل الإعلام المحلية آنذاك "مسيرتنا لم تكن سهلة بل كانت صعبة حيث تصدينا لمختلف التعبيرات الذكورية والمشاريع الرجعية التي اتحدت في معاداة النساء في زمن الإخوان، واعتبارهن مواطنات من درجة ثانية أو أن مواطنتهن تقتصر على الفضاء العام إذ تصبح كل امرأة تحت وصاية ولي أمرها الذكر داخل العائلة".
والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات جمعية نسوية مستقلة ذات مرجعية حقوقية تأسست 1989 وتعمل لتحقيق المساواة التامة والفعلية بين الجنسين.

دعوات لإحياء مشروع قانون المساواة في الميراث الذي قبرته حركة النهضة

وأضافت "خلال العشرية الأخيرة واجهنا كمّا هائلا من الفتاوى والاستفتاءات على حقوق النساء وصل إلى حد التشكيك في إنسانيتهن".
وتصدت حركة النهضة بقوة لمقترح رئيس الجمهورية الأسبق الباجي قائد السبسي الداعي للمساواة في الميراث بين الجنسين في إطار لجنة تكونت للغرض أطلق عليها "لجنة الحقوق الفردية والمساواة"، ترأستها الناشطة الحقوقية بشرى بالحاج حميدة.
وتعرضت بالحاج حميدة لحملة تشويه وتهديدات بالقتل من إسلاميين متطرفين على خلفية ترؤسها تلك اللجنة.
وفي تصريح سابق لـ"ميدل إيست أونلاين" قالت بالحاج حميدة إن "النهضة هي من سعت إلى قبر مشروع الحقوق الفردية والحريات تناغما مع فكرها الإخواني الرافض لأي شكل من أشكال المساواة بين الرجل والمرأة".
وأشارت الزغلامي إلى أن "قانون الميراث الذي أبقى على قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين يمنع ولوج النساء للثروة بصفة متساوية ويحول دون تمتع غالبيتهن بالعيش الكريم".
ودعت إلى ضرورة إحياء مشروع قانون المساواة في الميراث".
ويعتبر ناشطون أن مشروع قانون المساواة في الميراث المثير للجدل سيكون المحطة التالية في نضالاتهم الحقوقية، خاصة وأنه لم يرد بالدستور الجديد ما يمنع أو يقيّد تفعيل المشروع .