قانون 'قيصر' يقدم للبنان فرصة التحرّر من قبضة حزب الله

قانون قيصر الذي يبدأ تنفيذه في 17 يونيو القادم يأتي لوضع العصي في الدواليب لمن ينوي من اللبنانيين خاصة من حزب الله وحلفائه الذهاب إلى سوريا لإعادة الإعمار هناك.

بيروت - رغم أنه يستهدف النظام السوري بشكل رئيسي، إلا أن السلطات اللبنانيّة تترقب بحذر تداعيات "قانون قيصر" على البلاد مع دخوله حيّز التنفيذ في يونيو/حزيران، نظرا للعلاقات المتشابكة بين حزب الله ونظام بشار الأسد.
ترقب يصاحبه حالة من القلق لدى المسؤولين في لبنان، خشية أن يؤثر القانون على المفاوضات التي تجريها حكومة حسان دياب مع صندوق النقد الدولي، لا سيّما أن هناك معابر غير شرعيّة يسيطر عليها حزب الله مع سوريا وترى واشنطن أنها تصيب الجماعة الشيعية الموالية لإيران في الصميم.
وصادق الكونغرس بشقيه، النواب والشيوخ، على القانون في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2019، بعد ثلاث سنوات من الشد والجذب بين الجمهوريين والديمقراطيين.
ويشمل القانون في مرحلته الأولى يوم 17 يونيو/ حزيران، سلسلة عقوبات اقتصادية ضد النظام السوري وحلفائه، والشركات والأفراد المرتبطين به، فيما ستتبعها على مراحل إجراءات عقابية أخرى.
وينسب قانون "حماية المدنيين السوريين" إلى مصور عسكري في الطب الشرعي لقب بـ"القيصر" انشق عن النظام عام 2013، وانضم إلى المعارضة وبحوزته آلاف الصور توثق عمليات قتل واسعة ارتكبتها قوات النظام بحق خصومه خلال الحرب الدائرة في سوريا منذ 2011.
ويقول نزار زكا عضو فريق "قيصر"، مدير البرامج لدى المؤسسة الأميركية لتكنولوجيا السلام، إن القانون "يقدّم مهلة 180 يومًا لتقديم أوّل تقرير للكونغرس منذ توقيعه، أي قبل 18 يونيو الحالي، ويشمل أربع مراحل من العقوبات حتى أغسطس/آب المقبل".

ويشمل القانون الأشخاص والمؤسّسات التي تعاونت مع النظام في شتّى المجالات بعد تاريخ إصداره رسميا، لكن من الممكن إعادة البحث في الملفات السابقة في حال لزم الأمر.
وحسب زكا فإنه على عكس ما "يُسّوق للقانون على أنّه عقوبات على لبنان فهو يصب في مصلحته خصوصًا لناحية توقيف التهريب غير الشرعي للنظام السوري عبر المعابر التي يسيطر عليها حزب الله".
وأوضح عضو فريق "قيصر" أن "هذا القانون أتى لوضع العصي في الدواليب لمن ينوي من اللبنانيين الذهاب إلى سوريا لإعادة الإعمار هناك".
ويرى أنّ "مصلحة لبنان الانفتاح نحو الغرب لأنّ ليست وظيفة البلاد الدخول في المحاور الضيّقة"، مؤكّدًا "أنّ هذا القانون هو فرصة للتحرّر".
وعن الفرق بين العقوبات السابقة وقانون قيصر، يقول زكا إن "القوانين السابقة كانت تستهدف نقاط محدّدة، أمّا القانون الحالي يغطي جميع النوافذ المتعلّقة بالنظام السوري".

hg

وحزب الله الذي يسيطر على لبنان عسكريا وسياسيا، ليس المعني الوحيد بتأثير العقوبات حيث يمكن استهداف معاونيه الذين شاركوا في توسيع نفوذه بالتحالف معه مثل الوزير السابق ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

وعن ذلك يقول زكا "نحن لا نلتفت إلى الأسماء بقدر ما يهمنا غاية هذا القانون"، مؤكدا أنّ "هذا القانون لن يميّز أي فرد عن الآخر وحتى الإدارة الأميركيّة لا تملك صلاحيّة عليه إنّما الكونغرس ووزارة الخزانة مباشرةً".

ويثير القانون الذي سيبدأ تنفيذه الأسبوع المقبل المخاوف حيال مصير قرار صندوق النقد الدولي بشأن مساعدة لبنان، لاسيّما وأنّ الحكومة تعوّل على هذا الدعم، الذي باستطاعته انتشال البلد من أزمة اقتصادية هي الأسوأ بتاريخه.
وحسب زكا فإن "الولايات المتحدة تمثّل 17 بالمئة من صندوق النقد، وهي قادرة على التأثير، والأهم من ذلك أنّ شروط الصندوق وقانون قيصر يعملان لمصلحة الاقتصاد اللبناني".
ويشهد لبنان، منذ 17 أكتوبر/ تشرين ثاني 2019، احتجاجات شعبية ترفع مطالب اقتصادية وسياسية، وأجبرت الحكومة السابقة على الاستقالة في 29 من الشهر نفسه، ورغم تعيين حكومة جديدة لا زالت الاحتجاجات مستمرة.

ويرى مصدر مقرّب من الوزير السابق وحليف حزب الله جبران باسيل أنّه "على الدولة اللبنانيّة الموازنة بين مفاوضاتها الضروريّة مع صندوق النقد الدولي، وبين ضرورة النظر إلى سوريا من باب المصالح المشتركة وخصوصًا الاقتصادية منها لأنّها رئتنا إلى العالم العربي".
وبالنسبة للعقوبات على باسيل، قال المصدر إن "أحدًا لم يتحدث معنا في هذا الموضوع، والوزير لم يرتكب أي جرم لكي يعاقب، وعلاقته بحزب الله ليست جريمة بل هي علاقة مع مكوّن أساسي من الحياة العامّة اللبنانية".
في المقابل يعتبر المحلل السياسي المعارض لحزب الله، علي سبيتي، أنّ "الحكومة اللبنانيّة ستتشظى من قنبلة العقوبات الجديدة، لأنّه من الصعب وضع لبنان خارج الحسابات السورية في ظلّ أكثريّة سياسيّة موالية للنظام في سوريا".

ال
حزب الله يستقوي على الدولة اللبنانية بأسلحة إيرانية

وتسعى الولايات المتحدة لخنق حزب الله عبر هذه العقوبات وبالتالي تضييق الخناق أيضا على داعمته إيران وذلك عبر منع الجماعة الشيعية من تعزيز سيطرتها على مفاصل الدولة اللبنانية من بوابة الاقتصاد، حيث تخطط طهران لأن تكون من أوائل المستثمرين المستقبليين في سوريا في المرحلة المقبلة على اعتبار أنها شاركت في الحرب لصالح نظام بشار الأسد وساندته منذ بداية الصراع سواء عبر ميليشيات حزب الله أو ميليشيات أخرى متعددة الجنسيات.

وحول مدى جهوزيّة حزب الله لهذه العقوبات، قال سبيتي إن "الحزب سيقابل العقوبات بمزيد من الافتخار كونها امتحان ارتضاه الحزب لنفسه".
من جهته، كشف مصدر مقرّب من رئيس الجمهوريّة ميشال عون أنّ "لبنان لم يُبلّغ بعد رسميًّا بمضمون القانون، وكلّ ما يجري الحديث عنه هو فقط في الإعلام، كما أنّ نص القانون غير واضح حتى الساعة".
وأوضح المصدر مفضلًا عدم نشر اسمه أنه "على ضوء ما سيترتب عن هذا القانون سيكون هناك موقف"، نافيا أن يكون لقانون قيصر تداعيات على المفاوضات القائمة مع صندوق النقد.
وردا على سؤال حول قانونية هذه العقوبات قال الخبير القانوني الدولي، علي زبيب، إن "قانون قيصر هو قانون ساري المفعول وما يُميّزه عن غيره أنّه أدخل إلى ميزانيّة الدفاع الوطني في الولايات المتحدة لعام 2020".
"وبالتالي لا يمكن التذرّع بعدم إمكانيّة واشنطن تنفيذه لأنّه خصّص له موازنة"، وفق الخبير القانوني الذي أكد انه "لا يمكن الطعن به (القانون) نهائيًا، لأنّه نافذ والولايات المتحدة لا تفرض قوانينها إلا من خلال مؤسّستها حيث تمنع (المؤسّسات) من التعامل مع الذين لا يطبقوها".