قبل السباق إلى قصر قرطاج

إذا ما تمكنت حركة النهضة من السيطرة على مجلس النواب فإن قصر قرطاج سيكون أشبه بالمزار السياحي، بغض النظر عن شخصية الرئيس.

لا مجال للمقارنة بين المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي، الرئيسين السابقين لتونس.

مَن يجد في السبسي هفوات كبيرة يمكنه أن يقفز عليها حين يكون المرزوقي هو واجهة الحديث.

المرزوقي الذي كان أشبه بأحمدي نجاد الإيراني على مستوى الهيأة الخارجية حمل كل معاني الرثاثة إلى قصر قرطاج.

لقد صارت تونس رثة وبائسة في خيال مَن يرى رئيسها.

في عهد الباجي قائد السبسي استعادت تونس رونقها وأناقتها وعلو شأنها الدبلوماسي. كان السبسي رجلا يليق بقصر قرطاج.

مشكلة المرشحين للرئاسة التونسية اليوم أنهم سيشغلون الحيز الذي كان السبسي يشغله قبلهم وليس المرزوقي.

لذلك تبدو الأمور صعبة. فليس في الإمكان العودة إلى الوراء. وهو ما يعرفه راشد الغنوشي الذي لم يرشح نفسه لرئاسة تونس خوفا من الفضيحة. يوم كان الرئيس السبسي حين يستقبله ضيفا مزعجا في قصر قرطاج يبدو كالنغمة النشاز. فكيف به إذا أصبح رئيسا؟ الرجل يعرف قدره.

غير أن الغنوشي قد يخطط للوصول إلى الموقع الذي يجعله قادرا على التحكم بقصر قرطاج عن بعد. ذلك الموقع هو رئاسة مجلس النواب إذا ما استطاعت حركة النهضة أن تفوز بأغلبية مواقعه. وهو ما يجب أن يحذره التونسيون في الانتخابات النيابية القادمة وعليهم أن يعملوا على أن لا يقع.

العيون كلها على قصر قرطاج. وهي لعبة ليست مقصودة من الغنوشي وحركته ولكنها تخدمهما. ذلك لأن الغنوشي سيدفع بمرشحين مستقلين إلى انتخابات الرئاسة غير أنه سيكون حريصا على أن يمثله في مجلس النواب أعضاء من حركته. سيكون هو في مقدمتهم.

إذا ما تمكن الغنوشي من رئاسة المجلس النيابي فإن كل إنجازات الثورة ستنقلب رأسا على عقب. ولكن كيف؟

لقد ثار الشعب التونسي على الفساد الذي تخلل حقبة حكم بن علي ولم يثر على الدولة التونسية التي أسسها الحبيب بورقيبة وقامت على أساس القانون. اما الغنوشي فسيصب كل اهتمامه على إلغاء القوانين التي تم تشريعها في زمن بورقيبة. وهي في مجملها تدعو إلى العدالة الاجتماعية والمساواة بين الرجل والمرأة.

لذلك سيكون خطأً قاتلا بالنسبة للشعب التونسي أن ينشغل بالانتخابات الرئاسية من غير أن يلتفت إلى الكارثة التي تنطوي عليها الانتخابات النيابية. وهي كارثة قد تقضي على حلمه بتأثيث قصر قرطاج بزعامة جديدة.

الخوف من الوصول إلى قصر قرطاج بين المرشحين ينبغي أن يقابله خوف الشعب من وصول حركة النهضة إلى مجلس النواب. ذلك لأن تلك الحركة لا تبيت لتونس إلا الشر. وهو شر مستلهم من جذورها الإخوانية.  

فإذا ما تمكنت حركة النهضة من السيطرة على مجلس النواب فإن قصر قرطاج سيكون أشبه بالمزار السياحي، بغض النظر عن شخصية الرئيس. فذلك الرئيس سيكون محكوما بإملاءات الحركة التي ستكشف يومها عن وجهها الحقيقي الذي سبق للتونسيين أن رأوه جليا ولثلاث سنوات.

وليس صحيحا ما يشيعه الغنوشي من أن حركته قد غادرت الإسلام السياسي وتحولت إلى حزب وطني. تلك كذبة يُراد من خلالها خلط الأوراق من أجل كسب الأصوات التي أزعج أصحابها ضعف حكومة الشاهد في تنفيذ برنامج تنموي من شأنه أن يحسن من الأوضاع المعيشية.

فـ"النهضة" لا تملك سوى برنامج واحد ووحيد يقوم على الانتقال إلى الدولة الدينية التي هي هدف كل حركات وأحزاب الإسلام السياسي. الوصول على ذلك الهدف من وجهة نظر تلك الأحزاب والحركات انما يشكل الخطوة الأولى في طريق العدالة التي لا صلة بينها وبين حاجات المجتمع الدنيوية.  

لذلك فإن الخطر، كل الخطر يكمن في أن يلتفت التونسيون إلى قصر قرطاج مديرين ظهورهم لمجلس النواب.

لن يكتب قصر قرطاج رفعته وعلو شأنه إلا إذا كانت الغلبة في مجلس النواب لصوت الدولة المدنية.