قراءات مختلفة في تجربة محمد البندوري

الخطاط المغربي يسعى دائما إلى إبراز مكامن قوة العمل ونقطه المضيئة متوسلا في ذلك ببراعة الناقد وخبرة الفنان.
الخط العربي والنقد الأدبي
مرجعيات تراثية مغربية وعربية

بقلم: د. منيف الجابر سلطان

   إن اجتماع التعددية في شخص واحد لا بد أنه يؤثر في بعضهما البعض، فأعمال الفنان محمد البندوري تتميز بالدقة، ومعيارها الوحيد الإبداع والجمال، ذلك ما نلاحظه في أعماله النقدية التي تناولت بالنقد والدرس العديد من الفنانين، فهو دائما يسعى إلى إبراز مكامن قوة العمل ونقطه المضيئة متوسلا في ذلك ببراعة الناقد وخبرة الفنان. 
    ويعتبر الكاتب الباحث والناقد محمد البندوري أول من صنع رؤى نقدية كبيرة المرامي في الفن التشكيلي المغربي والعربي، بأساليب في الكتابة النقدية التي ترسخ الجانب الموضوعي الصارم والحازم في التناول دون إقصاء للجانب النفسي والشعوري والروحي، من خلال تصوراته النوعية التي تتخذ من عملية البحث العميقة روحها الثقافية والنقدية، والتي تأخذ بعين الاعتبار الصيغ الجمالية التي تستجيب لعملية الابتكار والإبداع والتقنية الحديثة التي هو على علم كبير بكل خباياها.  
يطرح الناقد الباحث محمد البندوري قضايا نقدية عدة منها ما يلامس التشكيل في جوهره، ومنها ما يتخذ من الخط العربي مادة نقدية في عمقها النقدي الفلسفي التعبيري لمجموعة من الإشكالات، ويجيب في الآن نفسه عن تساؤلات تحرك الزمان والمكان. 
إنه أول ناقد يصنع مساحة نقدية للخط العربي في النقد الأدبي العربي من خلال كتابه جمالية الخط العربي في تقويم النص الشعري بين النقاد العرب القدامى والمحدثين، وهو بحث أكاديمي بجامعة القاضي عياض بمراكش بالمغرب. 
ورد عنه في مجلة طنجة الأدبية: "فقد حاول الكاتب من خلال هذا البحث أن يجد للخط العربي مساحة في النقد الأدبي العربي باعتباره أحد الرموز المهمة في بناء الحضارة الانسانية." 
وحول هذا الكتاب النقدي ورد في جريدة "الاتحاد الاشتراكي" أن الناقد محمد البندوري قد وضع الخط العربي تحت مجهر النقد الادبي العربي. وفي جريدة الخليج: "لقد أوجد الناقد الباحث المغربي محمد البندوري للخط العربي والمغربي تحديدا مساحة نقدية في الأدب والفن العربيين، من خلال أبحاثه النقدية في التراث الأدبي المغربي خاصة والعربي عامة، والمغربي تحديدا، حيث أرسى لبنات للجماليات التي يتمتع بها الخط المغربي موظفا إياها في تقويم النصوص الشعرية وقصائد النثر، خصوصا منها المغربية، ولا غرو في ذلك، فهو الباحث المتمرس في جماليات الخط، صافح من خلال نقداته العلمية وعي العرب منذ القديم بجمالية الخط العربي ومنه المغربي، وإدراكهم لدور الخط العربي في تعميق صيغ الجمال على مستوى النصوص سواء الشعرية منها أو النثرية. 
وقد حاول البندوري أن يظهر الخط العربي والمغربي خارج الإطار المتعارف عليه، وحمله بأشكاله الخطية ورموزه الإيحائية مجالا يحمل في طياته مضامين عميقة تجعل منه أداة جمالية نقدية قوام للوظيفة البصرية، فشكل لغة جديدة للتعبير بمنطق يرتكز على الجمال في أصوله وتقنياته. وحسب الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب فقد:" أبرز محمد البندوري القدرة النقدية للخط العربي من خلال انطباعيته وقدرته على تشكيل المكان وتفاعله مع الألوان الأدبية واستقراء معانيه الدلالية والشعرية وموسيقاه حيث تتغير المقاييس البلاغية قياسا بالمعاينة البصرية التي تعتمد الواقع المرئي للكلمات والعبارات شعرا كانت أم نثرا، مخصصا بذلك مساحة من النقدات العميقة على المستوى الدلالي والبلاغي وفي مكونات الحرف العربي عامة والمغربي خاصة والتي صبت على إثبات جمالية المبنى والمعنى، وذلك من خلال كتابه النقدي الفريد في العالم العربي: جمالية الخط العربي في تقويم النص الشعري بين النقاد العرب القدامى والمحدثين، ليخلق به مساحة للخط العربي في النقد الأدبي العربي، وقد تدخلت عوامل عدة في هذا الإنجاز العظيم ومن أهمها كون الباحث محمد البندوري يجمع بين البحث العلمي الأكاديمي وبين الممارسة الخطية والفنية.
وأيضا من خلال كتاباته الفريدة التي يتقاطع فيها الجنس الأدبي والنقدي والفني والشعري والتشكيلي والدال الخطي، فكان بذلك سباقا لصنع مجال نقدي للخط العربي والمغربي في النقد الأدبي العربي. وقد تعرض في ذلك إلى التجربة الخطية في علاقتها بالنقد الأدبي العربي القديم، وتعرض أيضا للتجربة الحديثة للخط المغربي حيث وجه نقدات صريحة حول الخط المغربي بقوله في كتابه الآخر:
 الخط المغربي المبسوط والمجوهر: "... غير أن الخط المغربي لم يحظ بهذه الأهمية، ولم ينل حظه من التقعيد  والتقييد والضبط، بالرغم من تفرعه إلى أنواع متعددة وأشكال مختلفة، وبالرغم أيضا من بروز جمالياته اللامتناهية... إلا أن عملية التقعيد والضبط والتقييد ظلت حبيسة المجال النظري ولم يدفع بها الوعي النقدي إلى مجال التطبيق والممارسة الحقة. 
وتقول عنه نجاة الزباير مديرة تحرير كتاب أفروديت في تصديرها للكتاب: لقد نحت تجربته من خلال عوالم مشبعة بثقافة عالية، ترتكز على النبش في التراث، لقبته بصانع الأوائل. وتقول عنه في كتابها فواكه الصرخة: "يشعل ذاكرتك بأسئلة تركض فيها أسماء وتجارب.. يوقد مهجته سراجا للفن الأرقى.. وهو يحمل قلما أدبيا خارقا وأسلوبا آسرا. ولا شك في ذلك، فالناقد محمد البندوري قد راكم جملة من التجارب النقدية، يلخصها علي سعد القتيبي في صحيفة فنون الخليج بقوله: "وتجدر الإشارة إلى أن الكاتب الناقد محمد البندوري يستمد كينونة أعماله وأبحاثه النقدية من مرجعيات تراثية مغربية وعربية، ومن تجارب راكمها على مر السنين... وذلك اعتبارا إلى الدور الجمالي الأكثر فعالية وشمولية وكونية. 
وقد تسلم الناقد محمد البندوري ضمن الأيام الثقافية المغربية في عالم نوح للثقافة والفنون درعا تكريميا لأبحاثه النقدية وعطائه الإنساني. ويحرص البندوري بقلمه على أن يظل في صلب الثقافة بكل تفاصيلها، حيث يستمد منها طاقته الابداعية التي تقوده للمرة تلو الأخرى نحو ابتكار جديد النقد العربي في تشكيله أو أدبه، والتنويع في العملية النقدية، وذلك من خلال أبحاثه وقراءاته النقدية التي لا تنقطع في كل المواد والأعمال التشكيلية التي لا يوجد لها نظير في العالم العربي. 
وفي ذلك يقول عبدالغني بلوط في جريدة هيسبرس: " .. ويعتبر الفنان التشكيلي والباحث والناقد المغربي محمد البندوري أحد أبرز النقاد والباحثين المميزين، إذ يعتمد أساليب راقية وحضارية في معالجة مختلف المواضيع التي تلامس الموروث الفني في شموليته على أنه نسيج حضاري في وجدان الأمة".
ونفس الرأي يعضده الصحفي والإعلامي نور الدين بازين في جريدة القبس الكويتية: "ومحمد البندوري باحث متمرس في تاريخ الخط المغربي وفي الجماليات يتخذ مادته الجمالية أداة لتحريك مكنونات التراث العربي والمغربي، ويجعلها في مختبر العمليات النقدية ويرتقي بها إلى المادة الفنية المبتكرة الجديدة النوعية الفريدة على كل المستويات. 
ويضيف إلى ذلك عبدالفتاح شهيد في كتابه من جماليات الفن التشكيلي الحديث في المغرب: " .. ألفت في محمد البندوري أفقا رحبا للارتقاء، وتجريب لحظات الكشف، وتعميق تصورات الجمال والحب. إنه يمتح من التراث ما يشده إلى أصوله، ويعمق انتماءه العربي الاسلامي والإنساني. تشكل في عمقها نسيجا ثقافيا لكل أمة من الأمم، لها أدوار ترشيدية وتوجيهية".