قرارات حاسمة في اجتماع مرتقب لحكومة كردستان بشأن أزمة الرواتب

زيباري يلوّح بـ'عواقب وخيمة' بعد قرار بغداد وقف الرواتب ما يمثل مقدمة لقطيعة سياسية بين أربيل وبغداد في وقت تُعتبر فيه العلاقة بين الطرفين ركيزة أساسية في استقرار العراق في ظل واقع إقليمي مشحون.
التصعيد بين أربيل وبغداد له تداعيات تتجاوز حدود الرواتب والنزاعات المالية
أربيل تمتلك العديد من أوراق الضغط أبرزها الدعم الأميركي والغربي والتنسيق الأمني

أربيل/بغداد – تتجه الأنظار إلى اجتماع من المقرر أن تعقده حكومة إقليم كردستان حول أزمة الرواتب على أمل أن يسفر عن قرارات حاسمة تنهي هذه الأزمة التي تؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين في الإقليم، بينما يأتي هذا الاجتماع وسط تزايد السخط الشعبي والتوترات بين أربيل وبغداد بشأن تعليق صرف رواتب موظفي الإقليم.
وأمام حكومة الإقليم عدة خيارات لمواجهة امتناع بغداد عن صرف رواتب موظفي الإقليم، تتراوح بين الدبلوماسية والقانونية والسياسية، وصولا إلى إجراءات أكثر تصعيدا إذا استمرت الأزمة. 
وكانت حكومة إقليم كردستان قد تعهدت في وقت سابق بإيجاد حلول دائمة تضمن انتظام صرف الرواتب، في وقت تتصاعد فيه المطالبات الشعبية بتحسين الأوضاع المعيشية وتخفيف العبء الإداري عن الفئات المتضررة، لا سيما أسر الشهداء وذويهم.

ولا يبدو أن أربيل تنوي السكوت على القرار الاتحادي، إذ تمتلك حكومة الإقليم العديد من الأوراق التي قد تستخدمها في الرد. على رأس هذه الأوراق، الدعم الأميركي والغربي، الذي عاد ليُبرز نفسه بقوة خلال الأيام الأخيرة اضافة لورقة التنسيق الامني ضد تنظيم داعش.
وقد تصاعدت وتيرة التوتر السياسي بين الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان بعد قرار وزارة المالية الاتحادية إيقاف تمويل رواتب موظفي الإقليم لشهر مايو/أيار 2025 والذي دعم من قبل المحكمة الاتحادية. القرار الذي وصفه القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري بأنه "عقاب جماعي"، بات يهدد بعودة العلاقة بين الطرفين إلى مربع التأزيم، في لحظة إقليمية بالغة التعقيد.

ويعكس هذا الموقف الصريح من زيباري تصاعدًا خطيرًا في حدة الأزمة، وقد يكون مقدمة لقطيعة سياسية بين الطرفين، في وقت تُعتبر فيه العلاقة بين أربيل وبغداد ركيزة أساسية في استقرار العراق. فالإقليم، الذي يتمتع بحكم ذاتي، يشكل شريكًا رئيسيًا في العملية السياسية والاقتصادية والأمنية، وأي تصدع في هذا التوازن ستكون له تداعيات واسعة تتجاوز حدود الرواتب والنزاعات المالية.
وجاء قرار الحكومة الاتحادية بدعوى أن حكومة الإقليم لم تلتزم بتسليم وارداتها النفطية وغير النفطية إلى الخزينة العامة، وهو ما تعتبره بغداد إخلالًا بالاتفاقات المالية التي تضمنتها الموازنة الاتحادية. غير أن حكومة الإقليم سارعت إلى نفي الاتهامات، ووصفت القرار بأنه "مسيس ويستهدف الموظفين الأبرياء"، مؤكدة أن بغداد لم تلتزم هي الأخرى بتعهداتها السابقة، ما يجعل الوضع برمته أكثر تعقيدًا.
وكانت الخارجية الأميركية قد دعت إلى "حل أزمة المدفوعات بشكل سريع ومن خلال الحوار البنّاء"، معتبرة أن "حل القضية بسرعة يبعث برسالة مفادها أن العراق يضع مصالح شعبه في المقام الأول، ويخلق بيئة جاذبة للاستثمار"، كما أشارت إلى أن هذه الخطوة ستشكل تمهيدًا محتملًا لإعادة تشغيل خط أنابيب العراق – تركيا، الذي يمثل أهمية استراتيجية.
كما أكدت الخارجية الأميركية أن "دعم الولايات المتحدة لإقليم كردستان يمثل عنصرًا أساسيًا في علاقتها مع العراق"، في إشارة واضحة إلى أن المساس بالإقليم سيؤثر على مسار العلاقات الدولية للعراق، ويعرّضه لضغوط من شركائه الغربيين.
وتتجاوز الانعكاسات المحتملة للأزمة البعد السياسي. فتوقف رواتب أكثر من 1.2 مليون موظف في إقليم كردستان من شأنه أن يخلق حالة من التململ الاجتماعي، وربما احتجاجات داخلية، في وقت يشهد فيه العراق عمومًا وضعًا اقتصاديًا هشًا وتراجعًا في مستويات الخدمات.
على الصعيد الأمني، فإن التوتر بين أربيل وبغداد قد يُضعف التعاون المشترك في ملف مكافحة الإرهاب، خاصة في المناطق المتنازع عليها مثل كركوك وسنجار، حيث يتطلب التنسيق المستمر بين القوات العراقية والبيشمركة الكردية لضمان الأمن ومنع عودة تنظيم داعش.
أما سياسيًا، فإن هذه الأزمة تهدد بتعطيل الاستعدادات للانتخابات المقبلة، والتي تعتبر حاسمة في تحديد ملامح السلطة للمرحلة القادمة. ويُتوقع أن تلقي الخلافات الحالية بظلالها الثقيلة على المشهد الانتخابي، وتدفع بعض القوى الكردية إلى إعادة النظر في شكل مشاركتها أو تحالفاتها الانتخابية.
وما يفاقم خطورة الوضع هو غياب لغة الحوار الفعّال بين الطرفين. إذ تشير المعطيات إلى تراجع ملحوظ في الجهود السياسية لتقريب وجهات النظر، يقابله تصاعد في لهجة التصعيد والوعيد، سواء في التصريحات الإعلامية أو المواقف الرسمية.
وفي ظل غياب وساطة فاعلة داخلية أو خارجية، تظل احتمالات التفاهم ضعيفة، خاصة مع تعمق فجوة الثقة بين الجانبين وارتباط الملف بعدد من القضايا العالقة الأخرى، من ضمنها ملف النفط والغاز، والمناطق المتنازع عليها، وصلاحيات الإقليم، وكلها ملفات مؤجلة منذ سنوات.
كل ذلك يجري في سياق إقليمي متوتر. فالتصعيد الإقليمي في سوريا ولبنان، والتنافس الإقليمي المتزايد بين إيران والولايات المتحدة، يجعل من العراق ساحة حساسة، وأي تصعيد داخلي فيه قد يُستغل أو يُفاقم من قبل أطراف إقليمية.
وفي هذا السياق، يعتقد أن الاستقرار بين أربيل وبغداد لا يصب فقط في مصلحة العراقيين، بل هو ضرورة إقليمية للحفاظ على توازن هش في منطقة تموج بالأزمات.
وتحذيرات هوشيار زيباري ليست مجرد رد فعل سياسي، بل هي مؤشر على بداية أزمة حقيقية تهدد وحدة الموقف الوطني في العراق. فقرار إيقاف الرواتب قد يكون الشرارة التي تعيد فتح كل الملفات العالقة، وتضع العلاقة بين أربيل وبغداد على مسار مجهول.
الطريق للخروج من هذا المأزق يبدأ باستعادة لغة الحوار، وتغليب منطق الشراكة لا المغالبة. فالعراق، بكل مكوناته، لا يحتمل مزيدًا من الانقسامات، لا سيما في ظل واقع إقليمي مشحون وتحولات سياسية قادمة.