قصائد مفخخة في 'لا تصدقوني إن حدثتكم عن الحرب'

المجموعة الشعرية الجديدة للشاعرة الفلسطينية أسماء عزايزة تُقرأ من عنوانها، فبالرغم من صيغة النفي والدعوة إلى عدم التصديق، يبدو العنوان مفخخا كشيفرة تستدعي قراءة الكتاب.
أكتب قصائد عن الحب المجرور بعربة موتى
قصائد عزايزة مزيج من الصور المكثفة والمشاهد البصرية
لأكون أقدر على البكاء أُدرب الشمّ على رائحة الموت

ميلانو (إيطاليا) - صدرت حديثا عن منشورات المتوسط - إيطاليا، الطبعة العربية لمجموعة شعرية جديدة للشاعرة الفلسطينية أسماء عزايزة، حملت عنوان: "لا تصدقوني إن حدثتكم عن الحرب"، تزامنا مع طبعة المتوسط الفلسطينية "الأدب أقوى" والتي توزعها الدار الرقمية في الداخل الفلسطيني، والأدب أقوى هو مشروع أطلقته المتوسط لإصدار طبعة فلسطينية لعدد من كتبها بالتزامن مع صدور طبعتها في العالم العربي، لتكون كتب الدار جزءا من العمل المقاوم لسلطات الاحتلال، وكسرا للحصار الثقافي الممارس على القارئ الفلسطيني.
مجموعة أسماء عزايزة الجديدة، تُقرأ أولا من عنوانها، فبالرغم من صيغة النفي والدعوة إلى عدم التصديق، يبدو العنوان مفخخاً كشيفرة تستدعي منَّا قراءة الكتاب، والبحث في قصائده الطويلة عن سببٍ ما، يجعلنا نكفُّ عن تصديق الشاعرة وهي تحدِّثنا منذ البداية عن الحرب، بل عن إلهام الحرب في كيفية قتلنا وتناغم إيقاع الأغاني مع إيقاع القصف وكيف نجدُ أنفسنا وجهاً لوجه مع هولاكو، ودراكولا الذي يركض في القطار والدكتاتوريات والحربُ التي تحقن خيال المقابر.
تعترف الشاعرة أسماء عزايزة بذلك، في "سايكو" أولى قصائد الكتاب:
أكتبُ قصائدَ عن الإنسانيّة وبشاعة الحروب
وعن العزلة من منظورها الوجوديّ
وعن الحب المجرور بعربة موتى.
في جو نفسي مشحون، تتبرأ عزايزة من كلِّ ما تكتبه عن الحرب، أو تدَّعي ذلك، وهي التي ترشُّ الملحَ على الجرحِ الإنساني المفتوح في وجه العالم. تتنصَّلُ لسببٍ لن نكتشفه إلا بفكِّ خيوط القصائد المتشابكة، كما المشاعر والانفعالات واليأس المتراكمِ خلف جدرانٍ شبه آمنة، وكيف تفقدُ الأغاني ألحانها، والناس أسماءهم، ويضيقُ بنا المشهد في مسرحية الحياة العبثية، ونحاصَر ونغضب، ويكون غضبنا أحيانا منسيا "مثل زقاق في القدس القديمة".
نقرأ لأسماء في قصيدة عنوان الكتاب:
حُوصرتُ في أكثر بقع العالم قداسةً. انهال عليّ رصاصٌ، كما انهالت كلمات الرّبّ على الأنبياء
قبضتُ على حجرٍ، فسال من يدي. سبقتُ الجنود، فسبقني الزمن
وحيثما غفا المسيح قبل أن يكبر ويحملنا على ظهره، انكمشتُ
كقطّةٍ خائفة.

أكتبُ قصائدَ عن الإنسانيّة وبشاعة الحروب
وعن العزلة من منظورها الوجوديّ
 

تجزم أسماء عزايزة، شعريا بأنه لم يتبعها أحد من الغاوين وتقول: "كلّ ما في الأمر أنّي تسرَّبتُ من حفلتكم المُدوِّية دون أن تلحظوني/تسرَّبتُ كخيطٍ رفيعٍ لا يُرى من الأثواب المُطرَّزة التي علَّقتُمُوها في صدور المتاحف"، كما أنَّ الشاعرة هنا تؤكد مرَّة بعد أخرى أنَّ العالم يحتاج إلى فضيحةٍ كبرى، أن نمضي معها في حشدِ التفاصيل التي تُنجِّينا من التصنيف، ومن أين أتينا؟ وكيف نشرب قهوتنا تحت سماءٍ ملغَّمة وأرضٍ تصعدُ منها القنابل بدلَ الأشجار، وأنَّنا لسنا ضحايا، بل لنا أسماؤنا، وذكرياتنا وقصصنا الصغيرة التي نرويها كلَّ صباحٍ فتزهر أشجار اللوز في حقول بعيدة.
نقرأ:
ظننتُ أنّي أدخل الغابة وحدي
أنا التي أشفاني شرّ الحُبّ من بشريّتي
أصبح حيوانةً. ألمّع أنيابي أمام المرآة، لكنّي لا أنتظر فريسةً. أزيد نظراتي حدّةً، 
لأكون أقدر على البكاء. أُدرِّب الشّمّ على رائحة الموت،
لأتهجّى الأخبار، وأحزن على ضحاياها كالبشر.
تكتبُ الشاعرة أسماء عزايزة، انطلاقاً من معرفةٍ شعرية وحميمة بقصائدها، مزيجٌ من الصور المُكثَّفة والمشاهد البصرية، والاعترافات الخاصة، والحكايات القديمة، والذكريات والأصدقاء والآباء والأنبياء والمدن المنكوبة وتلك المستحيلة، بين حلمٍ جريء وواقعٍ عنيد، لا تغادرنا الدهشة ونحن نمضي من قصيدة إلى أخرى ونحاول فعلاً أن لا نصدِّق أسماء وهي تضيف أيضاً أنَّ "الطريق إلى الفرح تمرُّ حتماً بجهنَّم".
"لا تصدقوني إن حدثتكم عن الحرب" مجموعة شعرية جديدة للشاعرة أسماء عزايزة، جاءت في 96 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة "براءات" لسنة 2019، التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
أسماء عزايزة شاعرة فلسطينيّة ولدت في قرية دبورية في الجليل الأسفل وتعيش في مدينة حيفا. حصل ديوانها الشعريّ الأوّل "ليوا" على جائزة الكاتب الشاب في حقل الشعر من مؤسسة عبد المحسن القطان عام 2010 . صدر لها: المجموعة الشعرية "كما ولدتني اللديةّ" الأهلية/ 2015 و"حجر لم يُقلب"؛ أنطولوجيا شعريّة لشعراء فلسطينيين وألمان. ترجمت مجموعة من قصائدها إلى الإنكليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة والسويديّة والإسبانيْة والهولنديّة واليونانيّة والتركيّة وغيرها. وسوف تصدر هذه المجموعة قريبًا باللغتين السويديّة والهولنديّة.