قصة قره داغي.. رجل القرضاوي وسفير الدوحة لنشر التطرف

في سبيل المشروع العثماني الذي ماتزال الشبكة الدولية لجماعة الإخوان المسلمين ممثلة بالاتحاد العالمي مصرة على عدم الاعتراف بفشله، والقبول بحقيقة انتهاء ما يسمى الربيع العربي في كل من مصر وليبيا وتونس واليمن وبالطبع في دول الخليج والسعودية على وجه التحديد.

بقلم: هدى الصالح

من جامع محمد بن عبد الوهاب، في العاصمة القطرية الدوحة إلى جامع السلطان سليم الأول في إسطنبول بتركيا، تضاعفت وتيرة فتاوى الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين "علي قره داغي"، المواطن القطري من أصل عراقي – كردي، وازداد زخمها في مهاجمة السعودية أولا، وبجانبها كل من الإمارات والبحرين ومصر.

الهجوم على علماء السعودية

كان آخرها على سبيل المثال وصفه انفتاح السعودية في مجال إقامة الحفلات الفنية والترفيه بـ"الفجور"، ومنتقدا علماء الدين السعوديين الذين يساندون القرارات الحكومية الداعمة لإقامة هذه الحفلات والمناسبات، وهذه لم تكن الأولى له في مهاجمة التحولات التي تشهدها السعودية، ففي العام 2018 غرد عبر حسابه معترضا على قرار افتتاح دور السينما قائلا: "يقوم الطغاة والمستبدون بتبديد ثروات شعوبهم إرضاء لأسيادهم، ويلهون شعوبهم المستضعفة والمغلوبة على أمرها، بتوافه الأمور وسفاسفها كفتح دور سينما والحفلات الغنائية الماجنة".

مع ذلك، فإن تناول مواقف أمين عام الاتحاد العالمي، الذي يتولى إدارة مكتبه الإعلامي أحد إعلاميي قناة "الجزيرة"، وتفنيد تناقضاته بين ما يحرمه على السعودية، وما يرخص به في الدوحة العاصمة السياسية لـ"الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" وفي عاصمته "الشرعية" إسطنبول التي تحتضن اجتماعاته السنوية ليس بحاجة إلى مزيد من البحث والتنقيب.

  وهذا تماما مثلما اعتاد هو أن يلبس في كل حالة لبوسها أو ثوبها، فإن كان في قطر خرج بالثوب العربي والغترة البيضاء، بحكم جنسيته "القطرية"، وإن كان في تركيا ارتدى العمة والجبة الأزهرية، وإن ظهر في إقليم كردستان ارتدى (ابن جبال قره داغ) "الشروال" الكردي، متماهيا فيه مع قوميته على الرغم من تناقض المشروع الإسلامي مع مبدأ القوميات.

فليس بمستغرب على "علي القره داغي" أمين الاتحاد، الذي قال في لقاء له على قناة "مكملين" الإخوانية: "كانت الدماء لشجرة مشروع" ليعود ويغرد عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي معلقا على صور الدمار والأشلاء: "حمص ثم حلب ثم الموصل حواضر المسلمين باتت مقابر".

هكذا دعم الإرهابيين

أو أن ينفي عن الاتحاد ودعاته تهمة الإرهاب قائلا في تغريدة له مؤرخة في 11/2017: "توجيه تهمة الإرهاب للاتحاد العالمي من أنظمة تعادي حرية الشعوب وتمول الانقلابات الإرهابية على إرادة الشعوب دليل على سلامة المنهج الذي ينهجه الاتحاد"، ثم يعود ويصف سفر الحوالي، الذي طالب بدعوة زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي إلى مكة للحوار معه بـ"العالم الرباني"، وبحسب ما جاء في تغريدة له مؤرخة 8/2018: "هل يعقل أن يعتقل شيخ جليل نحسبه من العلماء الربانيين صرف عمره في خدمة الدعوة ويترك المفسدون يعيثون في الأرض.." بما في ذلك علاقته الوثيقة بالكويتي حامد العلي المدرج على قوائم الإرهاب الدولية لتمويل القاعدة والجماعات المتطرفة.

وأخيرا وليس آخرا أن يخرج بتغريدة في 4/2017 يبارك فيها الإفراج عن المختطفين القطريين قائلا: "نبارك لشعب قطر الإفراج عن المخطوفين القطريين ونهنئ سمو الشيخ تميم والحكومة القطرية على حنكتهم في إدارة الأزمة"، ويحافظ على صمته طوال عامين دون أن يعلق عما كشفت عنه الحكومة العراقية واعترفت به السلطات القطرية عن الصفقة المشبوهة بين الدوحة، وجماعات تابعة للحشد الشعبي، وقاسم سليماني، وحزب الله اللبنانى، وجبهة النصرة الإرهابية، بعد مصادرة حقائب الأموال القطرية التي بلغت قيمتها مليار دولار قادمة إلى بغداد.

  ومع ذلك كله يقول في تغريدة مؤرخة في 7/2017: "في الوقت الذي تقوم فيه قطر برسم الابتسامة على وجوه اللاجئين في العالم يقوم أعداؤها بتمويل الانقلابات وتأجيج الحروب".

إن الدور الحقيقي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي أنشأته قطر في 2004، بإعلان من قبل يوسف القرضاوي، الذي تولى رئاسته طوال 15 عاما، والمتلخص في شرعنة تدخل سلطات "الدوحة" في كافة الملفات السياسية عبر الجماعات والأحزاب الإسلامية "سنية وشيعية" وفق النظرة الشمولية للإسلام تحت مصطلح الخلافة "الموروثة عن جماعة الإخوان المسلمين وعن الأب الروحي لحركات الإسلام السياسي المنظر الهندي أبو الأعلى المودودي، لم تعد خافية عن شعوب "الربيع العربي".

ويكفي في ذلك استعراض إحدى تغريدات الأمين العام للاتحاد "قره داغي" ومنافحته عن تركيا والدولة العثمانية قائلا: "شياطين الإنس هم من ضيعوا الأمة الإسلامية في عشرينيات القرن الماضي تحت غطاء القومية فأسقطوا الخلافة العثمانية التي كانت جامعة لمسلمين وحامية لهم لأكثر من خمسة قرون، ويعمل أحفاد هؤلاء الشياطين الآن على ضرب أي حركات إسلامية أو ثورات شعبية لإجهاض أي مشروع يجمع المسلمين مرة أخرى".

  المشروع العثماني

وفي سبيل "المشروع العثماني" الذي ماتزال الشبكة الدولية لجماعة الإخوان المسلمين ممثلة بالاتحاد العالمي مصرة على عدم الاعتراف بفشله، والقبول بحقيقة انتهاء ما يسمى "الربيع العربي" في كل من مصر وليبيا وتونس واليمن، وبالطبع في دول الخليج والسعودية على وجه التحديد.

كان علي قره داغي قد غادر قطر وبصحبته عبد الرحمن بن عمير النعيمي، المصنف على قوائم الإرهاب الدولية والرباعية العربية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، وعلى قائمة الإرهاب القطرية ذاتها إلى إسطنبول، وذلك في 24 سبتمبر 2013 لترؤس الاجتماع الدولي للاتحاد العالمي لمناقشة ما وصف بـ"العالم بعد الانقلاب على إرادة الشعوب"، والذي افتتحه نائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزداغ وعدد من المسؤولين الأتراك، من بينهم ياسين أقطاي لمناقشة مستقبل "الربيع العربي وسبل مواجهة الأزمة التي عصفت بجماعة الإخوان المسلمين بمصر عقب الإطاحة بمحمد مرسي.

اليوم وبعد أن ارتدى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حلته الجديدة عقب إعلان يوسف القرضاوي تنحيه عن رئاسة الاتحاد، وإحلال المرشح الوحيد المغربي أحمد الريسوني مع احتفاظ العراقي – الكردي علي قره داغي بمنصبه كأمين عام، يدفعنا إلى التساؤل عن الدور الذي يسعى إلى استغلاله الحزب الحاكم في تركيا "العدالة والتنمية"، والمنضوي تحت الشبكة الدولية لجماعة الإخوان المسلمين، من خلال الكردي "الإسلاموي" ابن بلدة قره داغ الجبلية بمحافظة السليمانية العراقية.

خصوصا أنه وإلى جانب الكردي علي محيي الدين قره داغي، عمد الاتحاد إلى تكثيف الحضور الكردي، من أطيافه كافة، في مجلس أمنائه الجديد والذي عقد اجتماعه بمدينة إسطنبول في 2 نوفمبر 2018 بانتخاب الجمعية العمومية 3 أعضاء آخرين كرد وهم كل من: محسن عبد الحميد رئيس الحزب الإسلامي العراقي، وعضو سابق في مجلس الحكم العراقي بعد سقوط نظام صدام حسين 2003، وسيد أحمد عبد الوهاب من "جنوب كردستان" إقليم كردستان، والكردي عبد الرحمن بيراني من إيران، رئيس جماعة الدعوة والإصلاح.

استغلال القضية السورية

حول ذلك علق الكاتب العراقي رشيد الخيون في حديث له مع "العربية.نت" بشأن احتفاظ القره داغي بمنصبه كأمين عام للاتحاد العالمي، إنما يأتي لاعتباره أحد أعمدة اتحاد العلماء وجماعة الإخوان بقطر ولثقة القرضاوي به، كاشفا عن محاولاته السابقة في العام 2017 التوسط ليوسف القرضاوي دخول كردستان العراق لدى كل من جلال طالباني، رئيس حزب الاتحاد الكردستاني المدعوم من قبل إيران، و الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يرأسه مسعود بارزاني، مضيفا الخيون: "سعى علي قره داغي مرارا إلى التوسط للقرضاوي والسماح له بزيارة كردستان العراق إلا أن طلبه قوبل بالرفض".

وأشار الكاتب رشيد الخيون إلى أن كلا من أكراد سوريا والعراق لا يرون في علي قره داغي شخصية مؤثرة، منوها بأن ذلك لا يمنع وجود مساعٍ تركية في توظيف واستغلال القره داغي في الورقة الكردية، خاصة في سوريا، حيث تهديدات أنقرة المستمرة بدخول محافظتي الحسكة والقامشلي شمال سوريا.

إن تعزيز الحصة الكردية في أجندة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان مراعاة للمستجدات الإقليمية والمصالح التركية تبرز أيضا من خلال إعلان "قره داغي" في أكتوبر 2018 عن افتتاح الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فرعا له بإقليم كردستان، قائلا خلال كلمته الافتتاحية: "اليوم فرحت مرتين: الأولى بافتتاح فرع جديد للاتحاد، والثانية لأنه افتتح في كردستان، فهذا الشعب بحاجة إلى إيصال صوته إلى العالم أجمع، وإن شاء الله سيكون هذا الفرع مساهما في توصيل هذا الصوت إلى العالم".

من هو قره داغي؟

علي محيي الدين القره داغي ولد ونشأ في قره داغ، حصل على بكالوريوس الشريعة الإسلامية في بغداد، ثم انتقل للدراسة في جامعة الأزهر، وحصل على الدكتوراه والماجستير هناك في مجال العقود والمعاملات المالية، ثم انتقل إلى قطر وحصل على جنسيتها، وعمل أستاذا ورئيسا لقسم الفقه والأصول بكلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وعضو في هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لعدد من البنوك الإسلامية وشركات التأمين الإسلامي في قطر، منها الإسلامية القطرية للتأمين، وعضو مؤسس في مؤسسة الشيخ عيد بن محمد آل ثاني الخيرية.

وتم انتخاب قره داغي لأول مرة كأمين عام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في يونيو 2010 خلفًا لمحمد سليم العوا، كما اختير حينها السعودي سلمان العودة مسؤولا ماليا للاتحاد، ومن بين ما جاء في تعليق العودة على تعيين قره داغي: "الدكتور علي القره داغي كان المسؤول المالي في الاتحاد ومسؤول الأقليات، كما أن وجوده متفرغًا ووجوده في قطر يسهل عملية التواصل ما بينه وبين الرئيس الشيخ يوسف القرضاوي".

عن العربية نت