قصر الجزيرة.. هنا التقى الخديوي إسماعيل بالإمبراطورة أوجيني

القصر يعد واحدا من أهم القصور التي بناها الخديوي إسماعيل ويعد روعة في المعمار.
القصر حافظ على شكله وهيبته على مر العصور رغم تعدد وتغير الجهات المالكة له
فكرة بناء القصر تعود إلى عام 1863 وتم الانتهاء من تشييده عام 1868

القاهرة ـ من سعاد محفوظ

قصر الجزيرة .. هو واحد من أهم القصور التي بناها الخديوي إسماعيل، وهو يعد روعة في المعمار، حافظ على شكله وهيبته على مر العصور، وعلى مدى سنوات رغم تغير الجهات المالكة للقصر، لكن يظل هو على مكانته كتحفة أثرية وثقافية وسياحية في الزمالك، التي تتوسط نهر النيل الخالد، وعلى بعد 45 كيلومترا من مطار القاهرة ليتحول القصر الشهير الذي ارتبط بناؤه بأحداث مهمة في مصر، إلى واحد من أشهر الفنادق في العالم، وهو فندق ماريوت القاهرة.
بنى الخديوي إسماعيل القصر لكي يستقبل فيه الضيوف والشخصيات المهمة الذين دعاهم إلى حضور حفل افتتاح قناة السويس وقتها، لكن ربما كانت الضيفة التي حرص على أن يثير إعجابها هي الإمبراطورة أوجيني التي اختارها كي تكون ضيفة شرف هذا الاحتفال، كما أنه منحها شرف إعلان تدشين ذلك الحدث المهم، ولضمان راحة الإمبراطورة أمر الخديوي بتشييد ذلك القصر العظيم.
ترجع فكرة بناء القصر إلى عام 1863 عندما أمر الخديوي إسماعيل بتكليف المهندس المعماري الألماني يوليوس فرانز (الذي مُنح لاحقا لقب بك، وهي رتبة رفيعة كانت تمنح من قبل حاكم مصر وقتها، حيث قام  يوليوس فرانز، ومن خلال التعاون مع المهندس الشهير دي كوريل ديل روسو الذي كان قد صمم قصر عابدين، قام يوليوس فرانز بتصميم وتشييد قصر الجزيرة الذي يبلغ طوله 174 مترا، وقد استغرقت عملية تشييد القصر نحو خمس سنوات، حيث تم الانتهاء من تشييده عام 1868، وكانت تكلفة إنشائه 750 ألف جنيه، وهو مبلغ كبير جدا في هذا الوقت.
طابع إسلامي
أمر الخديوي بأن يتم تزيين القصر بعناية، بحيث يشبه مقر إقامة أوجيني في قصر تويوري، مع إضفاء طابع إسلامي على النمط المعماري، وذلك عن طريق استخدام تصاميم مصنوعة من الرخام، بالإضافة إلى نوافذ وشرفات مصنوعة بأسلوب المشربية، وبعدها قام مهندس المناظر الطبيعية الفرنسي بارييه ديشامب بتحويل الجزيرة إلى منتزه مترامي الأطراف يشتمل في داخله على قصر الجزيرة، بالإضافة إلى كشك محمد علي، وكانت جميع الأقواس المعمارية المستخدمة في بناء قصر الجزيرة مصنوعة من الحديد الزهر.

أمر الخديوي إسماعيل باستيراد الديكورات والحلي الداخلية للقصر من باريس، وقد قام مهندس التصاميم الداخلية الألماني الشهير (كارل ويلهلم فون ديبيتش) في ورشته ببرلين بتصميم وتجميع الزخارف الداخلية الخاصة بالقصر، وهي الزخارف التي حرص من خلالها على أن يراعى التناغم والانسجام بين كل العناصر الداخلية، بما في ذلك الأثاثات والستائر والسجاد، وحتى النقوش على الجدران.
تراث فخم
يقول محمد معروف الخبير الأثري: لقد بني القصر على تراث فخم، وقد تم تبطين شواطئ النيل القريبة من القصر لحمايته من مياه الفيضان قبل بناء السد العالي، ووصف القصر أنه أجمل قصر في العصر الحديث، وفي 1879 تراكمت الديون بشدة على الخديوي فاضطر إلى بيع القصر إلى شركة فنادق وأطلقت عليه اسم فندق الجزيرة، وقد تألم الخديوي إسماعيل بشدة عندما فقد أحب القصور إلى قلبه.
ويضيف معروف: خلال الحرب العالمية الأولى تدهورت حالة القصر بشدة فتحول إلى مستشفى عسكري للجنود البريطانيين ثم إلى مقر لشركة المياه، وفي 1919 تم بيع القصر إلى عائلة حبيب لطف الله، وهو من أعيان سوريا بمبلغ 140 ألف جنيه، ليعيش فيه وعائلته، ويقوم على خدمتهم أكثر من 400 حارس وخادم وطاهي وبستاني من جنسيات مختلفة، وبعد قيام ثورة يوليو 1952 عاد ليصبح فندقا مرة أخرى وسمي بفندق عمر الخيام، وفي 1977 انتقلت إدارة الفندق إلى شركة ماريوت العالمية بعد ترميمه وتجديده وإضافة برجين حديثين يسعان 1087 غرفة، وتم افتتاح الفندق عام 1982.
واللافت للنظر أن فندق ماريوت القاهرة يعتبر أكبر فندق في الشرق الأوسط، حيث يضم 1250 غرفة، وسبعة أجنحة رئاسية، تتوزع على 20 طابقا في كل برج، و3 طوابق في جناح الحدائق، كما يحتوي على 21 قاعة للاجتماعات والحفلات، في حين تقدم 15 مطعما أطباقا من أرقى الأطعمة العالمية، بالإضافة إلى أطباق المطبخ المصري التقليدية.
نباتات نادرة
ويؤكد محمد عطية أستاذ الآثار، أن القصر يعد من أهم القصور الموجودة في مصر، والتي تعود إلى حكم الأسرة المالكة، حيث إنه كان يعد البناء الوحيد المشيد في جزيرة الزمالك في ذلك الوقت، وكانت حديقته تضم أندر النباتات والأشجار، كما احتوت على حديقة حيوانات متميزة لتسلية الضيوف والمدعوين، التي بدورها أصبحت النواة الأولى لحديقة الحيوان بالجيزة.
ويوضح أن قصر الجزيرة هو بحق أجمل بناية من نوعها ذات طراز عربي حديث، وقد شهد احتفالات اجتماعية مذهلة، ويضم لوحات وتماثيل باهظة الثمن، أنجزها أشهر النحاتين والرسامين الأوروبيين، واستوحى القصر رسومه من الطراز الشرقي ومن الفن الإسلامي، وتتناغم التصاميم الداخلية بين أقمشة وأثاث ومشغولات من مدارس فرنسية وألمانية وإيطالية.

ويشير عطية إلى أن من أبرز معروضات القصر التي أعيد ترميم بعضها، نافورة من المعدن المشغول، وسلم من الرخام، وست ساعات جدارية قديمة، ولوحات متنوعة، منها رسم للإمبراطورة أوجيني، وطاولة من الرخام تعود لعهد الملك لويس الرابع عشر، كما أسس الخديوي حجرتين للنوم للإمبراطورة أوجيني الأولى ذات طابع فرنسي مثيلة تماما لحجرتها في قصر التولير بفرنسا، وأخرى إسلامية الطابع (أرابيسك)، وكتب عليها أبيات من الشعر ترحيبا بقدومها، بالإضافة إلى ولعه وحبه لها.
 العشاء الأسطوري
كما يضم القصر لوحتين معاصرتين، إحداهما هي لوحة العشاء الأسطوري الذي حضره الصفوة، وكانت من بينهم الإمبراطورة أوجيني أميرة الموضة في ذلك العصر، كما به لوحة أخرى للاحتفالية المقامة في الإسماعيلية لافتتاح قناة السويس، كما خصص صالون ملكي وقد كانت جميع نقوشاته تصور محاصيل مصر الزراعية في ذلك الوقت، بالإضافة إلى التماثيل الرخامية النادرة التي تتزين بها حديقة القصر، والتي صنعت خصيصا في إيطاليا.
كانت حديقة القصر من أهم الحدائق الموجودة بسبب النباتات النادرة الموجودة بها، بالإضافة إلى الحيوانات الموجودة بها، لكن بعد بيع القصر تم تقسيم الحدائق إلى عدة أقسام، من بينها الحديقة الخديوية التي أصبحت نادي الجزيرة الرياضي، وهي تشمل مضمار سباق الخيول وملعب البولو، أما حديقة الأسماك الخديوية الواقعة على الجانب الغربي من القصر فقد تم تحويلها إلى حديقة أسماك ضخمة منفصلة، وتم افتتاحها رسميا في العام 1902، ومازالت قائمة حتى يومنا هذا تحت مسمى "حديقة الأسماك"، لكن عوامل الزمن قد أثرت عليها وعلى محتواها فلم تعد كما كانت سالفا. (وكالة الصحافة العربية)