قضايا حساسة وجريئة تشغل مخرجات عربيات في مهرجان قرطاج

أفلام روائية بتوقيع مخرجات عربيات تتنافس على 'التانيت الذهبي' للمهرجان التونسي العريق، وتسلط الضوء على وضع النساء في المجتمعات العربية وتوقهن للحرية وسعيهن لمحاربة التقاليد والعادات الذكورية.
'بابيشا' الجزائري يركز على تنامي الجماعات الإسلامية المسلحة
'سيّدة البحر' السعودي يحارب التقاليد 'الظالمة'
'نورا تحلم' التونسي يتطرق الى اغتصاب الزوجة والعنف المادي والمعنوي
'سيّدة البحر' لشهد أمين أول مشاركة سعودية في المهرجان

تونس– تعالج مخرجات عربيات عبر أفلام روائية جريئة يتنافسن من خلالها على "التانيت الذهبي" لمهرجان "أيام قرطاج السينمائية"، مواضيع اجتماعية حساسة تطاول خصوصا وضع النساء في المجتمعات العربية وتوقهن للحرية في وجه التقاليد والعادات الذكورية.
ومن بين هذه الأعمال فيلم "بابيشا" للمخرجة الجزائرية منية مدور الممنوع من العرض في بلدها، وفيلم "سيّدة البحر" للسعودية شهد أمين، وهي أول مشاركة سعودية في المهرجان منذ إطلاقه قبل 53 عاما، بالإضافة الى فيلم "نورا تحلم" لهند بوجمعة من تونس البلد المعروف بتشريعاته التقدمية الرائدة عربيا في مجال حقوق المرأة.
والأفلام الثلاثة هي باكورة أعمالهن وقد أنتجت كلها في العام 2019 تزامنا مع حركة احتجاجات كبيرة خصوصا في الجزائر للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية.
ويروي "بابيشا"، وتعني باللهجة المحلية الجزائرية الفتاة الجميلة، قصة "نجمة" الطالبة في الجزائر خلال الحرب الاهلية التي مزقت البلاد بين العامين 1992 و2002.
تقطن "نجمة" في مبنى سكني جامعي حيث تدور معظم أحداث العمل، وهي تحلم بأن تصبح مصممة أزياء فيما تتدهور الأوضاع السياسية في البلاد التي تشهد تنامي الجماعات الإسلامية المسلحة.
ترفض بطلة الفيلم "الإرهاب الإسلامي" الذي تسبب في مقتل شقيقتها وتقرر تجاوز المحظور بتنظيم عرض أزياء للملابس العصرية داخل مبنى السكن الجامعي بمساعدة زميلاتها.

ويؤكد بلقاسم حجاج الذي شارك في الإنتاج خلال تقديم الفيلم في تونس أن "واقع المرأة في مجتمعاتنا يُعد مقياسا لمدى تقدمها أو تراجعها".
وكان العرض الافتتاحي للفيلم في الجزائر وخروجه إلى الصالات مقررين في أيلول/سبتمبر لكن ألغيا في اللحظة الأخيرة من دون تبريرات من قبل السلطات الجزائرية.
تقول المخرجة المقيمة في فرنسا منذ 20 عاما، إن الفيلم "تكريم للمرأة الجزائرية التي صمدت خلال حرب التحرير وكذلك خلال ما عرفت بالعشرية السوداء"، لكنه "تطرق بطريقة غير مباشرة إلى صمود المرأة الجزائرية التي تناضل اليوم من أجل تغيير القوانين والمساواة بين الجنسين والديمقراطية".
ومن خلال مشاهد صادمة وعنيفة، تبرز المخرجة ما تعرضت له الطالبات من تعنيف وصل إلى حد قتل إحدى رفيقاتها على يد الجماعات المسلّحة.
وتتابع كاميرا منية مدور بدقة على امتداد ساعة ونصف الساعة بطلة الفيلم التي تخرج خلسة من السكن الجامعي للذهاب الى مرقص ليلي، رغم الحواجز التي تحرسها ميليشيات مسلحة.
ويتناول فيلم "سيّدة البحر"، قصة "حياة" التي يتراجع والدها عن قرار رميها في البحر وفقا لتقاليد قرية صيادين نائية تفرض على الآباء تقديم الإناث فقط من أطفالهم كقربان ليمنّ عليهم حسب معتقدهم بالسمك.
وكنتيجة لهذا القرار غير المسبوق الذي اتخذه والدها، تتغيّر نظرة السكان إلى الفتاة وتصبح منبوذة.
وتلعب الإضاءة دورا مهما في الفيلم الذي اعتمد تقنية الأبيض والأسود.
لكن "حياة" تقرر أن تثأر لنفسها وتتحدى التقاليد "الظالمة" التي تحكم القرية وتحاول فرض وجودها بالقوة وسط مجتمع ذكوري.
وتقول المخرجة الشابة "تتمحور الفكرة حول قداسة الحياة التي تعد أهم من أي قانون أو عادات نقرر أنها واجب".
وتوضح شهد "يرمز الأبيض والأسود إلى حياة قاحلة (…) لقرية ميتة ترفض التطور وتتمسك بالتقاليد البالية والمتخلفة".
وتتابع أن المجتمع العربي "يضطهد المرأة ويكبّلها لدرجة أنها تصبح تكره ذاتها (…) بات من الضروري ان تتصالح المرأة مع نفسها وتنهض وتكسر القيود".
ومن تونس، يتناول فيلم "نورا تحلم" قصة امرأة كادحة من وسط شعبي متزوجة من رجل سجن مرارا ولديها ثلاثة أطفال، لكنها تحلم بحياة أفضل مع حبيبها الذي تلتقيه خلسة.
وتطرقت هند بوجمعة في هذا العمل الى مسائل حساسة ومسكوت عنها بذريعة العادات والتقاليد مثل اغتصاب الزوجة والعنف المادي والمعنوي الممارس عليها وعلى أبنائها.
كما تكشف في الفيلم الخروق القانونية والتلاعب بالشكاوى المقدمة أمام مكاتب التحقيق في المجتمعات الذكورية.
وأوضحت بوجمعة "القوانين أعطت المرأة التونسية قدرا كبيرا من الحرية إلا أن شريحة من النساء داخل المجتمع مسكوت عنها وما زال بداخلها جدار من الخوف يتعين هدمه"، بعد سنوات من اعتماد دستور جديد سنة 2014 يعتبر من أهم مكتسبات ثورة 2011 كونه ينص على ضمانات للمساواة بين الرجل والمرأة.
وقالت الممثلة هند صبري التي تجسد دور "نورا" بعد العرض "الفيلم تكريم للمرأة التونسية وهدفه رفع الغطاء عن المحرمات وخلق حوار اجتماعي حول المواضيع المحظورة للنقاش".
واعتبرت الناشطة الحقوقية بشرى بلحاج حميدة أن "الفيلم التونسي نجح في تعرية العنف ضد المرأة بأشكاله المختلفة".
وأضافت "هناك وعي عربي بقضايا المرأة لكن المشوار لا يزال طويلا وتحقيق الأهداف بعيد المنال".
ويشارك في دورة 2019 التي تختتم السبت، 19 عملا سينمائيا لمخرجات عربيات ضمن أقسام المهرجان، من بينها 8 أفلام في إطار المسابقة الرسمية للمهرجان من مجموع 44 فيلما روائيا وتسجيليا عربيا وإفريقيا.