قضية استرجاع أبناء عناصر داعش تضع تونس في موقف حرج

السؤال المطروح اليوم هو هل تستطيع تونس احتواء هؤلاء الأطفال أو تغيير طريقة التفكير التي ترسّخت في أذهانهم خلال فترة إقامتهم في المعسكرات التي تعبق برائحة الحرب والسلاح ومشاعر الخوف والعنف؟

بقلم: وفاء دعاسة

عادت قضية استرجاع أبناء الجهاديين في داعش من مخيمات في بلدان عربية (ليبيا وسوريا والعراق) لتلقي بظلالها على المشهد التونسي العام، خصوصًا مع إصدار منظمة هيومن رايتس ووتش في الأيام القليلة الماضية لتقرير اتهمت فيه السلطات التونسية بالتقاعس في استرجاع ما يقارب 200 طفل و100 امرأة من بين ما يفوق 5 آلاف شخص التحقوا بالتنظيمات الإرهابية.

وكانت تونس قد باشرت مساعي وصفت بالـ”خجولة” لاسترجاع عدد من أطفال الإرهابيين في ظلّ رفض جزء كبير من الشارع التونسي والحكومة.

إنقاذ التونسيين العالقين في الخارج في أكثر من مناسبة إلى أن الدولة التونسية تخلت عن أبنائها في دول القتال. وقد أكّد رئيس الجمعية محمد إقبال بن رجب في تصريح خاص إلى “كيو بوست” أن الجمعية دائمة التواصل مع السلطات والمسؤولين في الوزارات المعنية بهذه القضية منذ عام 2016، إلا أنهم لم يلقوا التجاوب المطلوب منها. كما ذكر أن إجابة رئاسة الجمهورية على اتصالهم يوم الثلاثاء 12 فبراير/شباط 2019 اقتصرت على أن الموضوع “ما يزال تحت الدراسة”، وفق تعبيره.

ووصف ابن رجب تحرّك السلطات التونسية بالارتباك والضبابية، مؤكّدًا أنها لا تسعى إلى إيجاد الحلول المناسبة لإنهاء هذا الموضوع المعقد. وأفاد إقبال بن رجب بأن من الأسباب الرئيسة لهذا الارتباك الخوف من فضح العديد من الشخصيات في السلطة أو محاكمتهم؛ لثبوت تورّط عدد منهم في المشاركة في تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر، وبالتالي أصبح أطفال مقاتلي داعش كبش فداء من أجل عدم محاسبة شخصيات سياسية في السلطة.

في المقابل، ردت الخارجية التونسية على هذه الاتهامات مؤكّدة أن حكومة بلادها “لن ترفض استقبال محتجزين من مواطنيها لهم جنسية مثبتة”، وأشارت إلى أن “الدستور التونسي يحظر إنكار الجنسية أو سحبها أو منع مواطنين من العودة”.

وتقول عضو لجنة التحقيق حول شبكات التسفير إلى بؤر التوتّر في مجلس نواب الشعب، ليلى الشتاوي، إن موضوع عودة أبناء الإرهابيين يطرح الكثير من الإشكاليات الأخرى؛ أولها صعوبة إثبات حمل هؤلاء الأطفال للجنسية التونسية.

وطالبت الشتاوي بدورها السلطات التونسية بالإفصاح صراحة عن موقفها من القضية، وأن تتحمل الدولة مسؤولياتها وتأخذ قرار استرجاع الأطفال المحتجزين إلى تونس، مضيفة أنه مهما كانت الأسباب فإن الدولة التونسية مطالبة بتقديم توضيحات عن أسباب رفضها لذلك.

كما حذّرت من الاستمرار في غض الطرف عن البيئة التي سيكبر فيها الأطفال؛ فمن المتوقع أن ينشأ هؤلاء على الحقد والكره والبغض، حسب وصفها، وبالتالي تكون السلطات قد ساهمت بشكل غير مباشر في تكوين إرهابيين جدد من شأنهم تهديد أمن تونس مستقبلًا.

تركّز مجموعة من مكونات المجتمع المدني والحقوقيين في تونس على أهمية طرح موضوع عودة أطفال الإرهابيين من بؤر التوتر وانتشالهم من الظروف البائسة التي يعيشون فيها حاليًا؛ فقد طالبت جمعية إنقاذ التونسيين العالقين في الخارج بالتطرّق إلى القضية من جانبها الإنساني، باعتبار وجود يتامى من بين الأطفال المحتجزين، خصوصًا مع ثبوت عدم مشاركة البعض في أعمال إرهابية أو الانخراط في صفوف التنظيم، وهو ما أكدته قوات الدرع الليبية والهلال الأحمر الليبي في أكثر من مناسبة.

كما أشار رئيس الجمعية محمد إقبال بن رجب إلى ضرورة السعي من أجل ضمان حقهم في الرجوع، لتجري محاسبتهم ومحاكمتهم، حسب ما ينصّ عليه القانون التونسي.

ويبدو أن النقطة الخلافية التي عطلت التوصل إلى اتفاق بين الجانب التونسي ونظيره الليبي في هذا الملف تكمن في تمسك الجانب الليبي بضرورة إعادة هؤلاء الأطفال بمرافقة أمهاتهم، وهو ما ترفضه السلطات في تونس.

إلا أن الظروف التي عاشتها نساء المقاتلين التونسيات داخل المعسكرات في ليبيا، ومساهمتهن في القتال وحمل السلاح تثير الكثير من المخاوف في حال عودتهن، إضافة إلى المخاوف بشأن طريقة محاكمتهنّ.

لا يمكن أن ننكر المخاوف الأمنية التي وصفتها جهات عديدة بالـ”مشروعة “، خصوصًا على إثر ما مرت به البلاد التونسية من تهديدات إرهابية استهدفت القوات الأمنية والعسكرية. إلا أن السؤال المطروح اليوم هو هل تستطيع تونس احتواء هؤلاء الأطفال، أو تغيير طريقة التفكير التي ترسّخت في أذهانهم خلال فترة إقامتهم في المعسكرات التي تعبق برائحة الحرب والسلاح ومشاعر الخوف والعنف؟

ومن هنا، فالأمر لا يقف عند قرار إرجاعهم وتسليمهم إلى عائلاتهم، بل أبعد من ذلك بكثير؛ فالمسألة تحتاج إلى رؤية وإستراتيجية عمل واضحة وناجحة لتحمي البلاد نفسها من الخطر الذي ستأويه في حال لم تحسن التعامل مع كل الجزئيات المحيطة به.

عن كيوبوست