قضية خفض استخدام الوقود الأحفوري تلقي بظلالها على اجتماع وزراء "أوبك"

الأمين العام لمنظمة 'أوبك' يحث الأعضاء على رفض أي اتفاق لمؤتمر 'كوب 28' يستهدف الوقود الأحفوري بدلا من الانبعاثات.
لا إشارة في مسودة جديدة لكوب 28 إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري
السعودية تعارض التخلص التدريجي من استخدام النفط والغاز
دول ومنظمات تعرب عن خيبة أملها من مقترح اتفاق مؤتمر المناخ

 الدوحة - تلقي الخلافات بين الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ 'كوب28' حول اتفاق محتمل للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، بظلالها على اجتماع كبار وزراء الطاقة العرب في منظمة البلدان المصدرة للبترول 'أوبك' في مؤتمر الطاقة العربي الثاني عشر الذي تستضيفه الدوحة اليوم الاثنين.

وحث الأمين العام لمنظمة أوبك هيثم الغيص في رسالة بتاريخ السادس من ديسمبر/كانون الأول أعضاء المنظمة على رفض أي اتفاق لمؤتمر 'كوب 28' يستهدف الوقود الأحفوري بدلا من الانبعاثات.

وتمتلك الدول الأعضاء في أوبك حوالي 80 في المئة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم ويتركز معظم هذه الاحتياطات لدى دول بالشرق الأوسط.

وبالنسبة إلى غالبية هذه الدول، تعد عائدات النفط المصدر الرئيسي للدخل، لذا فإن أي رسالة من مؤتمر 'كوب 28' تهدف إلى خفض الطلب على النفط والغاز ستكون بمثابة مسألة بقاء.

ووصل وزراء من العراق والكويت والجزائر وعمان لحضور اجتماع الطاقة بالإضافة إلى وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان الذي كان في دبي لحضور قمة الأمم المتحدة للمناخ، بينما تغيب وزير الطاقة الإماراتي سهيل محمد المزروعي عن المشاركة في المؤتمر.

ودعت الإمارات، ثاني دولة عربية تستضيف قمة المناخ بعد مصر في عام 2022 والعضو في أوبك، إلى جانب منتجي الطاقة الخليجيين الآخرين إلى ما يرونه تحولا أكثر واقعية في مجال الطاقة يحتفظ فيه الوقود الأحفوري بدور في تأمين إمدادات الطاقة بينما تعمل الصناعات على التخلص من الكربون.

وقال سلطان الجابر رئيس شركة بترول أبوظبي الوطنية 'أدنوك' العملاقة وهو أيضا رئيس مؤتمر كوب 28 إن التخفيض التدريجي للوقود الأحفوري أمر لا مفر منه وضروري ولكن في إطار عملية انتقالية تأخذ في الاعتبار ظروف كل دولة ومنطقة.

والسعودية، الزعيم الفعلي لمنظمة 'أوبك'، وحليفتها الأكبر روسيا من بين العديد من الدول التي تصر على أن يركز مؤتمر كوب 28 في دبي فقط على الحد من تلوث المناخ وليس على استهداف الوقود الأحفوري المسبب له، وفقا لمراقبين في المفاوضات.

وقالت قطر، التي تركت أوبك في عام 2018، لكن يتماشى موقفها إلى حد كبير مع الدول الأخرى المنتجة للنفط والغاز، إنها استثمرت عشرات المليارات من الدولارات في صناعة الغاز الطبيعي المسال حتى عندما شكك الكثيرون في جدوى مثل هذه الاستثمارات.

واستغلت قطر مؤتمر 'كوب 28' للترويج لنفسها، فيما تبذل الإمارة الخليجية الثرية بالغاز جهودا لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 50 بالمئة في غضون السنوات الخمس المقبلة.

وقال سعد الكعبي، وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة والرئيس والمدير التنفيذي لشركة قطر للطاقة المملوكة للدولة، أمام المؤتمر "استند قرارنا حينذاك إلى فهم واقعي لأساسيات السوق وإلى جهود خفض انبعاثات الكربون العالمية".

وتطالب ما لا يقل عن 80 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الفقيرة والمهددة بسبب تغير المناخ، بأن تدعو اتفاقية مؤتمر 'كوب 28' بوضوح إلى وضع نهاية قاطعة لاستخدام الوقود الأحفوري.

وقال وزير النفط الكويتي سعد البراك "تعمل الكويت وفق سياسة بنيه على المحافظة على مصادر الثروة البترولية والاستغلال الأمثل لها وتطويرها إيمانا منها بأهمية البترول كمصدر أساسي للدخل لها ومصدر رئيس للطاقة لها وللعالم".

وعلى غرار الكعبي، تحدث البراك أيضا عن أهمية الاستثمار من أجل زيادة الطاقة الإنتاجية لموارد الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري.

وقدمت مسودة اتفاق محتمل لمؤتمر كوب28 في دبي خيارات مختلفة اليوم الاثنين للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، لكنها لم تشر إلى "التخلص التدريجي" من استخدام الوقود الأحفوري الذي طالبت به العديد من الدول.

وصرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن المعيار الرئيسي لنجاح كوب 28 سيكون ما إذا استطاع التوصل إلى اتفاق على خفض استخدام الفحم والنفط والغاز بالسرعة الكافية لتجنب تغير المناخ الكارثي.

وقال للصحفيين في مؤتمر دبي، الذي من المقرر أن ينتهي الثلاثاء لكنه قد يمتد لفترة أطول إذا استمرت المفاوضات "هذا لا يعني أنه يتعين على كل الدول التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في نفس الوقت".

واقترحت مسودة جديدة لاتفاق كوب 28 نشرتها رئاسة المؤتمر خيارات مختلفة لكنها لم تشر إلى "التخلص التدريجي" من استخدام كل أنواع الوقود الأحفوري الذي ورد في مسودة سابقة.

وأدرجت مسودة الاتفاق ثمانية خيارات "يمكن" أن تستخدمها الدول لخفض الانبعاثات وتشمل خفض استهلاك وإنتاج الوقود الأحفوري بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 أو قبله".

وتشمل الإجراءات الأخرى المذكورة زيادة قدرات الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030 والتخلص التدريجي السريع من الفحم الذي ينتج ويستخدم بدون الاستعانة بتقنيات تقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتوسيع التقنيات بما يشمل تلك الخاصة بالتقاط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وقال دبلوماسي أوروبي إن المسودة الجديدة لا تحقق الطموحات وتعتبر مثل "قائمة تختار منها الطعام حسب رغبتك".

وقالت مصادر مطلعة على المناقشات إن الإمارات تعرضت لضغوط من السعودية كي لا تذكر الوقود الأحفوري في المسودة.

وقال مفاوضون ومراقبون لمحادثات كوب 28  إن السعودية، القائد الفعلي لمنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، من المعارضين الرئيسيين للاتفاق على التخلص التدريجي من استخدام النفط والغاز.

وقال وزير البيئة الكندي ستيفن جيلبولت إن أوبك تعارض التوصل إلى اتفاق على التخلص التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري.

وأضاف "نحن رابع أكبر دولة منتجة للنفط والغاز. نحن مدركون لذلك. إنه أمر معقد ومثير للقلق ويخلق حالة من الغموض في مناطق من بلادنا. لكنه ليس سببا يحول دون القيام بذلك".

وقال مفوض الاتحاد الأوروبي للمناخ فوبكي هوكسترا للصحافيين "هناك بعض الأمور الجيدة، لكن بشكل عام من الواضح أنها غير كافية وغير مناسبة لمعالجة المشكلة التي نحن هنا لمعالجتها"، مضيفًا أن النص يحتوي على عناصر "لا يمكن ببساطة قبولها".

وقالت وزيرة انتقال الطاقة الفرنسية أنييس بانييه روناشيه "هذا النص غير كاف. هناك عناصر غير مقبولة كما وردت. إنها مخيبة للأمل".

وأكدت الولايات المتحدة إلى الحاجة إلى صيغة "أقوى" في النص المقترح. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية "يحتاج قسم تخفيف (تأثيرات التغيّر المناخي)، بما في ذلك مسألة الوقود الأحفوري، إلى تقوية الصياغة ويحتوي قسم التمويل على نقاط غير دقيقة يجب تصحيحها"، لكن مصدرًا في الرئاسة الإماراتية لمؤتمر كوب 28 رأى في كل هذا "حركة انفتاح وينبغي الانطلاق منه والبناء عليه".

وندّد سيدريك شوستر، وزير البيئة في ساموا والرئيس الحالي لتحالف الدول الجزرية بالمسودة بقوله إنها "غير كافية إطلاقًا..أصواتنا غير مسموعة"، متحدثًا عن "تقويض الشفافية وشمولية العملية".

وقال هارجيت سينغ، رئيس الاستراتيجية السياسية العالمية في شبكة العمل المناخي التي تمثل أكثر من ألف جمعية وتشارك في أعمال مؤتمر الأطراف كمراقب، إن النص الأخير "يمثل تراجعا كبيرا مقارنة بالنسخ السابقة. من المستغرب أنه لم يعد يتضمن صيغة صريحة بشأن الاستغناء التدريجي عن الوقود الأحفوري".

بدوره وصف أندرياس سيبر، من المنظمة غير الحكومية 'أورغ 350' الصيغ المقترحة بأنها "ضعيفة" مقارنة بالنصوص السابقة. وقال "على الدول المنخرطة بالعمل المناخي أن ترفض هذا المقترح الضعيف، وتصر على التغييرات التي من شأنها أن تحدث تحولًا حتى يكون لها تأثير ملموس على تغير المناخ".

وفي دبي أثبتت "قرية الشركات الناشئة" في المنطقة الخضراء بمؤتمر 'كوب 28' أنها مكان لتحقيق أهم الأهداف وحتى إبرام صفقات على هامش محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ التي تسعى جاهدة للتوصل إلى اتفاق في الوقت الذي تتناقش فيه الدول بشأن استخدام الوقود الأحفوري في المستقبل.

وتعد شركة (كلين اير باي ريسيستن) البريطانية لتنقية الهواء التي تأسست منذ أربعة أشهر من بين العديد من الشركات التي رأت أن المشاركة في محادثات المناخ هي الوسيلة السريعة لعقد اجتماع على المستوى التنفيذي.

واستقبلت ريسيستن مسؤولا تنفيذيا في الشركة العملاقة المملوكة للدولة في جناحها بالمؤتمر وافق على عرض توضيحي حول طلاء أسطح تنتجه الشركة البريطانية يحلل ملوثات الهواء ويطرد الأوساخ لمعالجة الألواح الشمسية الخاصة بها. وقالت ريسيستن إنها عثرت أيضا على عملاء محتملين من بريطانيا والسعودية وتايوان.

 وقال ويل تايلر وهو أحد المديرين في شركة ريسيستن التي تتخذ من لندن مقرا لها "أتوقع أن تبلغ الصفقات المحتملة خلال مؤتمر كوب حوالى خمسة ملايين دولار، وهو أمر لا يصدق". ولم توافق الشركة بعد على أي عقود خلال المحادثات.

وقال توماس ديميل وهو رائد أعمال مقيم في هامبورغ ويدير شركة (بيتون هولدينغ) للخرسانة إنه حقق هدفا غير مسبوق.وتعد الخرسانة أحد القطاعات الأكثر صعوبة في إزالة الكربون.

وأوضح ديميل "حققنا هدفا يفوق توقعاتنا تماما في هذا المؤتمر فيما يتعلق بالأسهم الخاصة والبنوك ومطوري المشاريع الضخمة وشركات البناء والخرسانة والإسمنت"، مضيفا أنه التقى أيضا فجأة مع بيل جيتس عندما كان يسير بجواره.

وتوقع ديميل أن تؤدي مشاركته في 'كوب 28' إلى مضاعفة قيمة الشركة بناء على الأعمال التجارية المحققة حتى الآن.

وتضمنت العقود التي أبرمتها الشركات الكبرى صفقات بشأن تكنولوجيا الطاقة النووية والغاز الطبيعي والطاقة المتجددة وسلاسل توريد الأدوية.

ووقعت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية اتفاقيات منفصلة غير ملزمة مع شركتي إكس - إنرجي وتيرا باور الأمريكيتين لإدخال التقنيات النووية إلى الإمارات.

وفي الوقت نفسه، اتفقت الشركة القابضة لكهرباء مصر وشركة الطاقة المتجددة النرويجية سكاتيك أيه.أس.أيه على مشروع للطاقة الشمسية والبطاريات.

ووافقت شركة النفط الوطنية النيجيرية على تطوير مشروع للغاز الطبيعي المسال مع شركة ويسون الصينية للصناعات الثقيلة.

وتدرس بعض الشركات فرصة تعزيز الأعمال التجارية المراعية للبيئة ولكنهم يتوخون الحذر. وقال هارجيت سينج، رئيس الإستراتيجية السياسية العالمية في شبكة العمل المناخي الدولية غير الربحية "على الرغم من أن مشاركتهم ضرورية نظرا إلى حجم التحدي، فإن حضورهم المتزايد في هذه المؤتمرات غالبا ما يكون بمثابة تشتت أكثر من كونه حافزا لسياسات فعالة".

وأضاف "قد لا تحاول جميع الشركات إبطاء السياسات المتعلقة بالمناخ، ولكن من المؤكد أن الشركات التي تعمل في القطاعات التي تسبب تلوثا للبيئة تفعل ذلك".

وشجعت الأمم المتحدة أيضا مشاركة قطاع الأعمال في مؤتمرات قمم المناخ التي تعقد سنويا، وفي عام 2020 أطلقت مبادرة "سباق نحو الصفر"، وهي تحالف للجهات غير الحكومية من ضمنها الشركات، بهدف خفض انبعاثات الكربون إلى النصف بحلول عام 2030. ويقول نايغل توبينغ، الذي عمل على تلك المبادرة ويقدم المشورة للمسؤول الإماراتي المسؤول عن ربط الحكومة بجهات غير حكومية إنه من المهم إشراك الأشخاص الذين يمتلكون "المال والموارد".

ويوضح توبينع "يقول الناس إن المحادثات معرض تجاري أو مهرجان ولكن الجهود تتضافر لإيجاد حلول للوصول إلى صافي الصفر والتسريع من وتيرة تنفيذها".

وقام تحالف "نحن نعني الأعمال"، وهو منتدى للشركات التي تدعم سياسات مؤيدة للمناخ تأسس عام 2014، بتنسيق رسالة من أكثر من 200 من قادة الأعمال إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ قبل انعقاد كوب 28، والتي تدعو إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.