
قطاع الفوسفات يعزز مكانة المغرب دوليا وإقليميا
الرباط - يسجل المغرب للعام الثاني عائدات قياسية من صادرات الفوسفات الذي تملك المملكة أكبر احتياطي عالمي منه، مستفيدا من ارتفاع الطلب عالميا على الأسمدة ما يعزز أيضا مكانة هذه الثروة الطبيعية كورقة رابحة للدبلوماسية المغربية، بحسب مراقبين.
والمملكة التي تملك 70 بالمئة من احيتاطي الفوسفات العالمي، هي أول منتج في إفريقيا والثاني في العالم بعد الصين. وتمثل حصتها من السوق الدولية لهذا المعدن حوالي 31 بالمئة، بحسب "المجمع الشريف للفوسفات" الذي يحتكر استغلال وتصنيعه.
ويأتي ذلك بينما أعلن الديوان الملكي في بيان أمس السبت عن مخطط اسثتماري يطمح إلى "الرفع من قدرات إنتاج الأسمدة مع الالتزام بتحقيق الحياد الكربوني قبل سنة 2040". ويهدف هذا البرنامج الذي خصص له نحو 12 مليار دولار، إلى تزويد جميع المنشآت الصناعية للمجمع بالطاقة الخضراء في أفق العام 2027.
ويتوقع أن يرتفع رقم أعمال المجمع نهاية العام بنسبة 56 بالمئة مقارنة مع العام الماضي، ليصل إلى أكثر من 131 مليار درهم (نحو 12 مليار دولار)، بعدما سجل ارتفاعا نسبته 50 بالمئة بين 2020 و2021.
والفوسفات مهم لصنع الأسمدة وتزايد الطلب عليها مقابل عرض محدود بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19 ثم الحرب في أوكرانيا.
ويقول الخبير في السياسات الزراعية عبدالرحيم هندوف أن هذا ما يجعل من الفوسفات "مادة إستراتيجية حيث يتزايد الطلب على الغذاء بتزايد سكان العالم من دون أن تتزايد المساحات المزروعة".
وأضاف أن هذا "يجعل من الأسمدة الوسيلة الأنجع لرفع مردودية المزارع"، مشيرا إلى أنه "في إفريقيا وحتى بعض البلدان المتطورة، لا تزال هذه المردودية ضعيفة نظرا للافتقار للأسمدة، لذلك سيتزايد الطلب عليها مستقبلا".
و حذر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) هذا العام من أن "وفرة الأسمدة دوليا تظل محدودة والتوترات الجيوسياسية يمكن أن تفرض قيودا جديدة على العرض في المدى القصير".
ونظرا لهذا التوتر، ارتفعت صادرات المغرب من الفوسفات حتى أواخر سبتمبر/ايلول بنسبة 66.6 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بقيمة تفوق 91 مليار درهم (نحو ثمانية ملايين دولار)، وفق آخر نشرة لمكتب الصرف (رسمي).
ويعزو الخبير في القطاع منير حليم هذه الأرقام القياسية في الأساس إلى الإقبال الكبير على الأسمدة خلال فترة الخروج من الجائحة، ثم العقوبات التي فرضت على الصادرات الروسية.
كما يشير إلى "القيود الصارمة التي وضعتها الصين على صادراتها فيما تعتبر مصدرا رئيسيا لهذه المادة، وارتفاع الطلب من جانب الهند، أحد أكبر المستوردين عالميا".
ويراهن المغرب على الاستفادة من احتياطيه الضخم لزيادة إنتاجه من الأسمدة، فقد رفع المجمع طاقته الإنتاجية من 3.4 ملايين طن في 2008 إلى 12 مليون طن في العام الماضي. ويتوقع أن تبلغ 15 مليون طن عند نهاية العام 2023.
ويستغل المجمع أربعة مناجم، يمثل أحدها في الصحراء المغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو)، نحو 8 بالمئة من مجموع الإنتاج.
وبموازاة طموحه إلى رفع إنتاج الأسمدة، كثف المجمع حضوره الدولي في الأعوام الأخيرة وخصوصا في إفريقيا حيث يملك فروعا في 16 بلدا بينها مشروع لإنشاء مصنع للأسمدة في نيجيريا افتتح مؤخرا، وآخر أعلن عن اتفاق لإنشائه في إثيوبيا في سبتمبر/أيلول.
كما أعلن مؤخرا أنه سيخصص العام المقبل أربعة ملايين طن من الأسمدة "لدعم الأمن الغذائي في إفريقيا". وهذا بعدما أرسل نحو 500 ألف طن إلى دول إفريقية هذا العام إما مجانا أو بأسعار مفضلة.
دبلوماسية الفوسفات
وتصف وسائل إعلام محلية نشاط المجمع خلال الأعوام الأخيرة "بالورقة الرابحة للدبلوماسية المغربية" على حد تعبير صحيفة "لوبينيون"، أو "الذراع الاقتصادية للدبلوماسية المغربية" حسب صحيفة "ليكونوميست" التي تساءلت "هل سيصبح المغرب متحكما في السوق مستقبلا؟".
وتركز المملكة كل جهودها الدبلوماسية على حسم نزاع الصحراء المغربية لصالحها. ويحضر الفوسفات أحيانا في هذا السياق، فقد أشار وزيرا خارجية المغرب وغواتيمالا في بيان مشترك في سبتمبر/أيلول إلى "التركيز على الفلاحة والأسمدة" في التعاون بين البلدين، مع تجديد الأخير التأكيد على دعم موقف الرباط من نزاع الصحراء المغربية.

وذكرت وسائل إعلام أن المغرب تراجع في سبتمبر/ايلول عن تصدير شحنة من خمسين ألف طن من الأسمدة إلى البيرو بعدما تراجع الأخير عن سحب اعترافه بالكيان غير الشرعي المسمى الجمهورية العربية الصحراوية التي أعلنتها بوليساريو من جانب واحد.
لكن الصفقات والاستثمارات التي يعلن عنها المجمع لا ترتبط تلقائيا بتغيير مواقف شركائه من نزاع الصحراء المغربية.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد أعلنها صراحة في أحدث خطاب أن المملكة تنظر لعلاقاتها الخارجية بمنظار موقفها من مغربية الصحراء.
وأوضح الخبير في العلاقات الدولية تاج الدين حسيني أن المغرب "يوظف في الأعوام الأخيرة أذرعه الاقتصادية بطريقة براغماتية بعيدة عن منطق المساومة وعندما تتعمق العلاقات الاقتصادية سيكون لها أثر سياسي".
وبشكل عام أطلقت الرباط في السنوات الأخيرة سياسة طموحة لتعزيز مكانتها في إفريقيا عبر تعزيز حضورها الاقتصادي في عدد من البلدان.
وأشار المحلل السياسي نوفل البعمري إلى أن هذه السياسة تشمل أيضا "البلدان التي كانت مناوئة للمغرب بخصوص قضية الصحراء، على أساس الربح المشترك وربما تغيير مواقفها في المستقبل".
أفاد بيان للقصر الملكي المغربي مساء أمس السبت أن مجموعة المجمع الشريف للفوسفات ستنفق 130 مليار درهم (12.3 مليار دولار) لزيادة إنتاج الأسمدة باستخدام الطاقة المتجددة ضمن برنامج استثماري للفترة ما بين 2023-2027.
وأضاف بيان القصر أن مصطفى التراب الرئيس والمدير العام للمجموعة، قدم أمام العال المغربي "البرنامج الاستثماري الأخضر الجديد لمجموعة المجمع الشريف للفوسفات، ويرتكز هذا البرنامج على الرفع من قدرات إنتاج الأسمدة، مع الالتزام بتحقيق الحياد الكربوني قبل سنة 2040، وذلك من خلال الاعتماد على الإمكانات الفريدة من الطاقة المتجددة من خلال الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح".
وأضاف البيان أن المجموعة تهدف إلى "تزويد جميع منشآتها الصناعية بالطاقة الخضراء بحلول سنة 2027". كما أفاد بأن "هذه الطاقة الخالية من الكربون ستمكن من تزويد المنشآت الجديدة لتحلية مياه البحر، من أجل تلبية احتياجات المجموعة وكذلك تزويد المناطق المجاورة لمواقع المجمع الشريف للفوسفات بالماء الصالح للشرب والري".
وقال إن هذه الاستثمارات ستمكن "على المدى البعيد من وضع حد لاعتماد المجموعة على واردات الأمونياك"، إذ تعتبر المجموعة المستورد الأول لهذه المادة على مستوى العالم، وذلك عبر الاستثمار "في سلسلة الطاقات المتجددة، الهيدروجين الأخضر، الأمونياك الأخضر، مما سيمكنها من ولوج سوق الأسمدة الخضراء بقوة".
وارتفعت قيمة واردات المجمع الشريف للفوسفات من الأمونيا إلى 1.65 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، بزيادة 234 بالمئة بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا.
وقاد الفوسفات ومشتقاته، بما في ذلك الأسمدة، قيمة صادرات المغرب للارتفاع إلى مستوى قياسي بلغ 9.5 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من العام في ظل ارتفاع الأسعار في السوق الدولية. ونمت حصة مصادر الطاقة المتجددة في الطاقة الإنتاجية للمغرب إلى 38 بالمئة العام الماضي وتعتزم البلاد زيادتها إلى 52 بالمئة بحلول عام 2030.