قطر تتمدد في افريقيا بتوسيع نفوذها في مدغشقر

موقع الجزيرة الإستراتيجي والنمو السريع يجذبان الدوحة لبسط نفوذ سياسي مفتعل عبر التاثير على صناع القرار لتتمكن في النهاية من تمرير اهدافها في السيطرة على الاقتصاد في مدغشقر وبالتالي التحكم في قرارها السياسي.

الدوحة - لم تترك قطر دولة في أفريقيا تستطيع الوصول إليها عبر أذرعها الأخطبوطية وتوقفت أو ترددت عن ذلك، فقد وضعت نصب عينيها الاهتمام بالمناطق النائية والبكر كي تتحكم في وضع القواعد التي تتحصل من ورائها على مكاسب مختلفة تخدم أجندتها الخاصة المتحالفة مع المتشددين، ولا تلفت الانتباه لتحركاتها لتتمكن من تثبيت أقدامها بعيدا عن الآخرين.
تتبنى الدوحة خططا متباينة، وتحرص على التنوع لتحقيق مآربها، وتنخرط في الصراعات الملتهبة وفي أماكن الهدوء، وتقدم دعما سخيا لبعض الحكومات ولا تتورع عن مساندة التنظيمات المتطرفة واحتضان العديد منها. وهو ما كشفته الكثير من التقارير الدولية التي دفعتها إلى اتخاذ قدر من الحيطة والحذر لتتمكن من تمرير أهدافها.  
لم تتخيل بعض الدوائر أن يصل بصرها إلى دولة مثل مدغشقر، الجزيرة الأفريقية النائية والمطلة على المحيط الهندي، لتعيد على أراضيها ممارسة هوايتها وشغفها في التأثير على صناعة القرار بما يخدم توجهات تخفي أكثر مما تظهر في جميع المقاربات السياسية. 
تحولت الدولة الملقبة بجزيرة الفانيليا في العقد الأخير إلى مطمع لقطر، وبدأت تخرج من كبوتها الاقتصادية، وظهرت بوادر ثروة نفطية كبيرة، تريد الدوحة أن يكون لها نصيب في تسخيرها لصالحها قبل أن تسبقها دول منافسة، وتمكنت من وضع أقدامها في بعض المفاصل المهمة في بعض الهياكل الرسمية للدولة التي قد تمكنها من التسلل لدول قريبة منها.
بدأت الدوحة، كالعادة، ضخ الكثير من الأموال تحت بنود المساعدات والمنح عبر جمعيات ومنظمات مشتركة، مثل وكالة "ضمان الاستثمار متعدد الأطراف" ومؤسسة "التمويل الدولية"، وهما مؤسستان تحصلان على دعم سنوي كبير من صندوق قطر السيادي.
كان آخر وسائل الدعم، توفير دعم كبير لجمعيات دينية بعينها تحت بند المنح المقدمة لعديد من الأسر التي عانت من الفيضان في يناير الماضي بالعاصمة أنتاناناريفو.
ودخلت الدوحة متخفية خلف ستار شركة "أو إم في" النمساوية، ونجحت في الفوز بحقوق استخراج النفط في أكثر من 15 موقعا بريا وبحريا في مناطق غنية بالنفط مثل توليارا وتوماسينا، على المحيط الهندي، والواعدة في الكميات المتوقع استخراجها منها.
خطوط التجارة والنقل

قطر تسعى الى وضع قدمها في منطقة تعتبر معبرا اقتصاديا وتجاريا هاما
قطر تسعى الى وضع قدمها في منطقة تعتبر معبرا اقتصاديا وتجاريا هاما

وقعت قطر مع الحكومة في مدغشقر العام الماضي اتفاق احتكار غير رسمي لسيطرة الطيران القطري على الخطوط الجوية العابرة لأراضي مدغشقر، وتعد محطة "ترانزيت" رئيسية لدول آسيا المتجه إلى الشرق والجنوب الأفريقي، ما يساعدها على فرض سيطرة كبيرة على بعض خطوط التجارة والنقل في منطقة البحيرات العظمى ودول الشطر الجنوبي من أفريقيا.
بالتوازي مع الجهود المبذولة للهيمنة على الاقتصاد في الدولة البالغ عدد سكانها نحو 25 مليون نسمة، كثفت الدوحة لقاءتها مع المسؤولين في مدغشقر، مستغلة صعود نظام سياسي جديد بعد فوز الرئيس الشاب اندري نيرينا راجولينا بالانتخابات العام الماضي.
وقال أستاذ السياسة الدولية بجامعة القاهرة، مصطفى رجب في تصريح خاص لصحيفة العرب الصادرة في لندن، إن المخطط القطري عموما يستهدف السيطرة على مداخل القارة الطبيعية، والدوحة اختارت دولة رئيسية في كل إقليم من أقاليم أفريقيا لتكون مركزا لها للتمدد نحو الداخل، حيث برز دورها في الصومال ورواندا ونيجيريا ومالي، وأخيرا مدغشقر ذات البعد الحيوي من خلال الاهتمام بالجالية المسلمة هناك، والبالغ عددها حوالي 9 بالمئة من عدد السكان، والمتمركزة في شرق وجنوب مدغشقر.
تمكنت قطر عبر دعم قبيلة الأنتايمور، وهم مجموعة عرقية مسلمة تعيش على الساحل الجنوبي الشرقي من توسيع دورها الديني بزيادة عدد المساجد والمراكز الإسلامية في الجزيرة من 30 مسجدا إلى مئة مسجد في السنوات الثلاث الماضية.
تبدو مهمة الدوحة أسهل في مد نفوذها الديني أكثر مع طبيعة الجزيرة التي يعتنق أغلبها أديان قديمة ومختلفة، ويمزج البعض بين عدة أديان معا، وتفرض نظاما صارما يمنع التقسيم السياسي أو الإداري حسب الطوائف والأديان، ما يسمح بحرية عقيدة أوسع ورقابة أقل.
في هذه البيئة تستطيع قطر التمدد عبر سلاح المساعدات الخيرية، التي يرافقها غالبا دعاة إسلاميون بذريعة نشر الدعوة هناك، وهم في حقيقة الأمر يوظفون ذلك لتتحول المساعدات إلى وسيلة لجذب المريدين، ثم تتسع حلقة هؤلاء بما يمثل كتلة حرجة قادرة على التوسع والانتشار في أماكن مختلفة.
مدخل ديني مراوغ

الدوحة تستغل التنوع الديني والعرقي في مدغشقر للتمدد وبسط النفوذ
الدوحة تستغل التنوع الديني والعرقي في مدغشقر للتمدد وبسط النفوذ

وأكد مصطفى رجب ، أن خطورة هذا التوغل من قبل قطر أن مسألة الدين في غالبية الدول الأفريقية لا تخضع لرقابة، ما يفتح المجال أمام الدوحة لبث أفكار متشددة تخدم سياساتها، وهو الدور الذي برعت فيه في جميع الدول المعروف أنها مليئة بالتنظيمات المتطرفة، وتتلقى دعما من قطر، فلم تضبط أنها تحتضن جماعات لديها أفكارا معتدلة أو أصحاب مشروع وطني يحرض على الوحدة وينبذ التعصب والتفرقة.
وتستغل الدوحة أيضا الامتداد العربي التاريخي في الجزيرة لأكثر من أربعة عشر قرنا، ويظهر ذلك لدى قبائل الانتينوسي والانتيمبوهاكا والانتيمور والانتيساكا الذين يتواجدون بمناطق في الجنوب وجنوب شرق الجزيرة، ولهم وزن نسبي في مجتمعهم.
وفتحت قطر مؤخرا باب الزيارة والدراسة في معاهدها لأبناء تلك القبائل بصورة واسعة مع تقديم تسهيلات مالية كبيرة، بما يسهم في زيادة من يعملون لصالحها عند عودتهم إلى بلدهم. وجاء ذلك في ظل زيادة أعداد العاملين والدارسين من دول بعينها ليصبحوا لاحقا قوة ضغط تسخرهم بمعرفتها وتحقيق مخططاتها المريبة.
وتعتمد قطر على ضخ المزيد من الأموال، وتعزيز الروابط الدينية، وتقوية العلاقات الرسمية. وتتشابك الركائز الثلاث بصورة تجعل المسألة تسير بنسق مشترك وبرغماتية عالية، وتسعى إلى عدم الفصل بين أضلاع هذا المثلث، والذي يتكامل في النهاية عند محطات بعينها.
ولا تمثل مدغشقر لقطر قوة اقتصادية صاعدة في أفريقيا فقط، لكن بحكم موقعها الجغرافي المميز، أضحت بوابة على الطرف الجنوبي الشرقي للقارة السمراء، حيث تتمتع بتكوين ديموغرافي وخصوصية فريدة، فهي رابع أكبر جزر العالم، ويصفها البعض بأنها القارة الثامنة لما تحتويه من تعدد في الإثنيات بين أجناس أفريقية وأسيوية وأوروبية جاءت مع الاحتلال الفرنسي للجزيرة لفترة امتدت مئة عام.
يمكن للدوحة وسط هذا الخضم الذوبان، وعدم اكتشاف تحركاتها لأنها دائما ما تلتحف برداء إنساني كمدخل تعتمد عليه في تسريب العناصر التي تأمن لها المشاركة في تنفيذ مخططاتها.  
تعد مدغشقر مدخلا ثنائيا للقارة الإفريقية، حيث تتوسط الشطر الجنوبي للقارة، ويشمل 10 دول، في مقدمتهم زيمبابوي ودولة جنوب أفريقيا، وطريق أساسي لخطوط التجارة بين الغرب الأسيوي والشرق الأفريقي في ظل نفوذها الطبيعي على الحدود البحرية.
وأوضح مصطفى رجب، أن هناك إدراكا كبيرا من جانب مصر والسعودية والإمارات، لخطورة الموقف الذي تقوم به الدوحة، وبدأت الدول الثلاث تتجه لتضييق الخناق على الدوحة من خلال سد الكثير من الثغرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وباتت هناك ضرورة لردع أي توغل يحمل تبعات أمنية سلبية في المستقبل.