قطر تحت العباءة التركية في افريقيا

في القارة التي تنهض الجيوش فيها عموما بدور سياسي حاسم، الدوحة تستحدث ادوات عسكرية وتكثف استثماراتها لدى الدول الافريقية التي تقيم أصلا علاقات جيدة مع انقرة.
قطر وتركيا تشيدان أول مصنع مشترك للعتاد الحربي
نيجيريا سمحت العام الماضي بنشاط جمعية قطر الخيرية
اين تذهب قطر بالسلاح وهي من كبار مستورديه على مستوى العالم
قطر تستحوذ على حصة الربع تقريبا لدى بنك يعمل في عدة دول افريقية

لندن - تستثمر قطر التحالف العسكري والدفاعي مع تركيا لاختراق أفريقيا مجددا، ما دامت لأنقرة هي الأخرى مصالح سياسية واقتصادية في دول القارة، وهي تعتمد فيها أيضا على القوة العسكرية الصلبة.
وانتقل النظام القطري من سياسة الدفاع والنفي المتواصل للاتهامات بتمويله حركات الإرهاب والتمرد في عدد من الدول الأفريقية إلى معاودة الاختراق الهجومي، في مسعى لاستعادة النفوذ المنحسر.
لجأت قطر إلى استحداث أدوات عسكرية، وتكثيف الاستثمارات والتدخلات الإنسانية، كأدوات ضغط على الأنظمة الأفريقية، فضلا عن توظيف التحالف مع تركيا لنقله من سياقه الشرق الأوسطي إلى الأفريقي. 
ليس من قبيل المفارقة أن تسلم قطر 68 مدرعة لدعم الجيش في الصومال في يناير/كانون الثاني، لا سيما أن هذا البلد الذي يقع في القرن الأفريقي بات يشكل ساحة تشترك فيها الدوحة مع أنقرة للضغط على مصالح مصر والسعودية والإمارات عبر البحر الأحمر. 
سبق هذا الحدث بأيام قلائل، وتحديدا في 8 يناير، عقد لقاء بين رئيس الأركان القطري، ونظيره الكيني في نيروبي، ضمن جولة باتجاه رواندا والسودان وإثيوبيا.

قطر تتحرك في نطاق علاقات سرية واستخباراتية، وتمثلها شخصيات غير رسمية ووسطاء غير رسميين

لم يعد بإمكان قطر تكرار تجربتها في دبلوماسية الوساطة على الساحة الأفريقية، كما كان الأمر في دارفور غربي السودان أو بين جيبوتي واريتريا، حيث باتت موضع شكوك من أطراف النزاعات في القارة.
اتسع الاختراق القطري للدول الأفريقية مع تسليم مدرعات أخرى لكل من بوركينا فاسو ومالي في وسط وغرب أفريقيا، خلال عامي 2018 و2019، بخلاف السعي الراهن لصفقة مشابهة مع تشاد بعد أن استعادت الدوحة علاقتها معها في فبراير 2018، في اعقاب تسعة أشهر من انضمام نظام انجامينا للمقاطعة العربية.
اللافت هنا، أن المساعي القطرية للعودة للقارة الأفريقية عبر بيع السلاح تأتي في وقت تتهم فيه تقارير غربية الدوحة، بتمويل حركة الشباب المجاهدين في الصومال، بل ودعم معسكرات هذه الحركة في كينيا، ودعم المعارضة التشادية المسلحة، خاصة في جنوب ليبيا، وتأجيج عدم الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي، عبر تمويل تنظيمات وشخصيات من القاعدة في مالي، والتي تمدد فيها العنف الإرهابي العابر للحدود باتجاه النيجر وبوركينا فاسو، بخلاف اتهامات مضافة قبل سنوات بتمويل قادة حركة سيليكا المتطرفة في أفريقيا الوسطى.
يعني هذا التناقض أن الأدلة على اتهام قطر بتمويل الإرهاب في قارة أفريقيا قد يصعب اثباتها بالأدلة القاطعة ومعاقبتها، لأنها تدخل في نطاق علاقات سرية واستخباراتية، وتصدر من شخصيات غير رسمية ووسطاء غير رسميين.
ربما تدرك بعض الأنظمة الأفريقية، تحت وطأة الضغوط الأمنية والاقتصادية بأن عليها اتباع مبدأ التعايش مع الخصوم واحتوائهم بقدر الإمكان للحد من أضرارهم على أمنها، إذا علمنا مثلا أن تسريبا صوتيا كشفته نيويورك تايمز في يوليو الماضي أظهر تورط الدوحة في دعم عملية إرهابية في بوصاصو، عبر مكالمة بين السفير القطري في مقديشو ورجل أعمال صومالي مقرب من الأمير تميم بن حمد. 

تركيا تأخذ قطر الى افريقيا
تركيا تأخذ قطر الى افريقيا

ما يلفت النظر أكثر من ذلك في تحركات السلاح القطري في دول أفريقيا أن الدوحة من كبار مستوردي السلاح في العالم. والمدرعات القطرية السابق الإشارة لها نتاج تحويل عربات دفع رباعي إلى ناقلات جند على يد شركة ستارك موتور القطرية.
الملاحظ أن ثمة اتجاها قطريا متصاعدا عقب المقاطعة العربية لقطر لتوطين بعض الصناعات العسكرية، مستثمرة في هذا الشأن تحالفها مع تركيا، اذ اتفقت الدولتان على تشييد أول مصنع للعتاد العسكري لتعزيز التعاون الدفاعي، حيث تملك أنقرة قاعدة عسكرية في الدوحة، بخلاف صفقات سلاح خفية تتدفق على قطر وتتضمن مدرعات وطائرات بدون طيار تأتي لها من تركيا.
ينطوي الاتجاه القطري لبيع السلاح لدول أفريقية على عدة أهداف أساسية ترتبط أكثر بمعاودة الاختراق الهجومي لدول القارة، أبرزها غسل سمعة سياسة قطر الخارجية في أفريقيا، والتي تآكلت بفعل اتهامات تصدر من داخل وخارج القارة بتغذية الدوحة لعدم الاستقرار.
وتحاول قطر تأمين ارتباطاتها، ولو جزئيا بالجيوش الأفريقية، لمنافسة السعودية والإمارات في هذا المجال، لأن الدولتين تلعبان دورا أساسيا في تأييد السلام والأمن والتنمية في القرن الأفريقي، وتمويل ودعم قوة الساحل الأفريقي.
كما تسعى قطر الى امتلاك أوراق ضاغطة في المحيط الإقليمي لليبيا من جهة تشاد أو النيجر المرتبطتين بالنزاع الليبي من جهة الجنوب، بما يمكنها من دعم حليفها التركي الساعي للتدخل في غرب ليبيا، عبر الاستفادة من شبكة العلاقات القطرية الاستخبارية الواسعة مع قيادات مليشياوية وإسلامية في المنطقة. 
تعتقد قطر أن تزويدها بعض الجيوش الأفريقية بالسلاح قد يساعد سياساتها لتأمين نفوذها، أو حتى توظيفها للضغط على الأنظمة السياسية عند تغير المواقف ضد توجهاتها في ظل أهمية دور الجيوش في عملية التغيير بدول القارة.
ورغم تعرض الدور القطري لشكوك حول استثماراته في نيجيريا، عندما علقت شركة النفط "ليكويل" في 13 يناير الجاري تداول أسهمها في بورصة لندن، إثر اكتشاف عملية احتيال في اتفاق قرض قيمته 184 مليون دولار مع هيئة قطر للاستثمار، حيث أنها أبرمت الاتفاق مع ممثلين قالت إنهم ادعوا ارتباطهم بالجهة القطرية. 
أخذت المنافسة الاقتصادية القطرية في أفريقيا أبعادا أكثر اتساعا وعمقا في سنوات ما بعد المقاطعة العربية وحتى الآن، لامتلاك أوراق ضغط متعددة في اقتصادات دول القارة تجعل من فك أي اشتباك أفريقي مع الدوحة مكلفا لهذه الدول.

قطر تدعم بوكوحرام من خلال دفع الفدى
قطر تدعم بوكوحرام من خلال دفع الفدى

ركزت قطر على دول أفريقية بعينها تمثل مفاتيح أساسية للتغلغل الاقتصادي والسياسي في آن واحد في القارة، بما يسهل لها معاودة نفوذها في القارة. 
وقعت الدوحة مع رواندا في ديسمبر الماي في أثناء زيارة الأمير تميم لهذا البلد، اتفاقيات اقتصادية تضمنت استحواذ مجموعة الخطوط القطرية على 60 بالمئة من مطار قيد الانشاء (بوغيسيرا)، سوف يخدم 7 ملايين نسمة لتعزيز فرصة رواندا السياحية.
يعزو التركيز القطري على رواندا، حيث الزيارات المتبادلة والعديد بينهما في السنوات الماضية، ليس فقط لكونها هذا البلد أحد الاقتصادات الأفريقية الصاعدة، فضلا عن قوة إقليمية لها تأثير سياسي يربط بين وسط وشرق أفريقيا، لكن لكونها ترتبط مع الدوحة بشراكات وسيطة عابرة للحدود.
تؤكد تقارير عديدة تمويل الدوحة حركة متشددة مثل "بوكو حرام" عبر دفع الفدية للرهائن المختطفين ونسج علاقات مع تنظيمات شيعية تابعة لإيران، كالحركة الإسلامية في نيجيريا. ولا تزال الدوحة حاضرة استثماريا وإغاثيا في هذا البلد. 
واشترت عبر بنك قطر الوطني حصة تقدربـ 23.5 بالمئة في بنك الايكوبنك الذي يعمل في عدة دول أفريقية، بخلاف أن نيجيريا سمحت للدوحة في العام المنصرم بافتتاح مركز تعليمي وصحي واجتماعي تابع لجمعية قطر الخيرية.
تبدو نيجيريا كقوة اقتصادية أفريقية، وأحد كبار المنتجين للنفط في أوبك، بخلاف قدرتها على التأثير السياسي والأمني في دول غرب أفريقيا من خلال قياداتها للايكواس، مناط اهتمام قطري في مجال الطاقة والاستثمارات في دول غرب أفريقيا عموما. 

تنطلق محاولات قطر للاختراق الهجومي من معضلتها المزمنة في البحث عن المكانة

وزار الأمير تميم نيجيريا قبل نحو عامين، ضمن جولة شملت السنغال وساحل العاج وغانا وغينيا ومالي في غرب أفريقيا بعد ستة أشهر من المقاطعة العربية، وأعقب ذلك زيارة أخرى خلال أقل من عام لنيجيريا قام بها أمير قطر السابق حمد بن خليفة ورئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم.
ولأن البحث عن الطاقة والمنافسين في مجال الغاز يعد أحد المطامح القطرية في أفريقيا. اتجهت الدوحة للنفط في مارس 2019، للاستحواذ على حصة في منطقة استكشاف في موزمبيق، التي باتت احدى القوى الأفريقية الصاعدة في مجال اكتشافات الغاز في القارة. ويعاني هذا البلد من نمو حركات متطرفة تصاعدت هجماتها العامين الماضيين.
لجأت قطر إلى توظيف النفوذ الاستثماري للضغط على القرار السياسي للدول الأفريقية، وهو ما برز في حالة تشاد. إذ أقرضت الدوحة نظام انجامينا 1.2 مليار يورو في 2014 لشراء حصة في شركة "شيفرون" العاملة في النفط التشادي، ومع صعوبة الوضع الاقتصادي وعدم دفع تشاد لديونها تدخلت الدوحة لمساعدتها في التفاوض لإعادة الديون في فبراير 2018، وهو الشهر نفسه الذي عادت فيه العلاقات بين الدوحة ونجامينا.
توظف الدوحة سياساتها لاختراق دول عدة في القارة الأفريقية لأهداف أخرى أكثر اتساعا تتعلق بالاستثمار الرياضي ودعم مونديال كأس العالم في 2022 عبر توظيف دبلوماسية الرياضة لتخفيف تأثيرات المقاطعة العربية. ووقع الاتحاد الأفريقي (كاف) مع قطر اتفاقية لاستضافة السوبر الأفريقي في ديسمبر الماضي لثلاث سنوات مقبلة.
تنطلق محاولات قطر للاختراق الهجومي من معضلتها المزمنة في البحث عن المكانة، فلا تزال الدوحة مسكونة في سلوكها الخارجي بتجاوز عقدة النقص الجيوسياسي، كدولة صغيرة لا تملك مقومات الدور الإقليمي.
وتدفع طموحات من يديرونها إلى توظيف مواردها من الغاز لجمع أدوات الضغط من مناطق بعيدة جغرافيا، وتوسيع الاستثمارات وبناء تحالفات مع بعض القوى الإقليمية، حتى ولو كان ذلك على حساب المصالح العربية الكبرى، أو التدخل في شؤون الدول وزعزعة الاستقرار والتحريض على تخريب مكونات الأمن.