قطر تغطي على خطاب الكراهية في إعلامها بمؤتمر لحوار الأديان

قطر تدعم الجماعات الإرهابية في الخفاء مخصصة لها منابرها الإعلامية لنشر خطابات الكراهية، وتسعى في العلن من خلال تنظيم المؤتمرات إلى تلميع صورتها والظهور في ثوب البلد المنفتح الداعي للتقارب بين الشعوب.

الدوحة - لا تزال قطر تعتمد الطرق الملتوية لإبعاد التهم التي تواجهها في ما يخص علاقاتها المشبوهة مع التنظيمات الإرهابية حول العالم بعد أن خصصت لها منابرها الإعلامية لبث خطابات الكراهية والفتنة، حيث من المنتظر أن تستضيف الدوحة هذا الأسبوع مؤتمرا دوليا حول الأديان يهدف من خلاله النظام القطري إلى رفع شعارات المساهمة في التقريب بين المجتمعات عبر التسامح والتآزر بينما يسعى في الخفاء إلى تفرقتها خدمة لمصالحه السياسية.

ومن المفترض أن تحتضن الدوحة اليوم الثلاثاء وإلى غاية غدا الأربعاء، مؤتمرا دوليا تحت عنوان "الأديان وخطاب الكراهية بين الممارسة والنصوص"، أشرف على تنظيمه "مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان" الذي يعد واحدا من أبرز المنظمات الإرهابية المتهمة قطر بدعمها.

وتسعى الدوحة التي توصف بأنّها من أكثر الدول معاداة للسامية، من خلال رفع شعار "حوار الأديان" في المؤتمر إلى تحسين صورتها التي باتت تعرف بها كأحد أبرز داعمي الإرهاب حول العالم، حيث أصبحت منذ سنوات ملاذا لقادة تنظيمات إرهابية من الإخوان والقاعدة وطالبان وصولا إلى داعش وجبهة النصرة وبوكو حرام وغيرها من الحركات الإسلامية المتشددة التي تكافح دول العالم في القضاء عليها.

وحسب وكالة الأنباء القطرية فإنّ المؤتمر يستضيف أكثر من 500 مشارك من خارج قطر، يمثلون ما يزيد عن 200 مؤسسة وجامعة ومركز ديني وفكري وأكاديمي، من نحو 75 دولة حول العالم، بالإضافة إلى المشاركين من داخل قطر.

ونقلت الوكالة القطرية عن إبراهيم بن صالح النعيمي رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، قوله إن المركز المنظم للمؤتمر يعمل على الإسهام في خلق "صورة إيجابية لدولة قطر باعتبارها منصة للتسامح وقبول الآخر على مستوى العالم".

من المنتظر ان يشارك في المؤتمر يوسف القرضاوي، الذي يعمل ضمن خطة الإسلام السياسي الذي تقوده قطر وتركيا.

ودأبت الدوحة في السنوات الأخيرة على تنظيم مثل هذه المناسبات التي تخرج من خلالها بـ"نصائح" و"مواعض" تبقى مجرد حبر على ورق بالنسبة لها، حيث تسعى فقط للترويج لها إعلاميا للظهور في ثوب البلد المنفتح لكن تطبيقها يبقى مستحيلا على أراضيها.

وفي تقرير سابق نشر على موقع "إي دي إل.أورغ"، قال الكاتب ديفيد أندرو وينبيرغ، وهو مدير الشؤون الدولية بواشنطن وخبير في التحريض على معاداة السامية في الخليج، إن لدى حكومة قطر سجلّاً طويلاً ومشاكل فيما يتعلق بتعزيز معاداة السامية أو تمكينها.

وقال التقرير إنّ "شبكة الجزيرة القطرية تحرض كذلك على معاداة السامية، ليس أقلها تمجيد الإرهابيين بانتظام كشهداء طالما أن المدنيين الذين يحاولون قتلهم يكونون إسرائيليين. وتروج الصحف بانتظام للرسوم الكاريكاتورية السياسية التي تغذي معاداة السامية في انتهاك للقانون القطري".

وكشف معهد الشرق الأوسط لبحوث وسائل الإعلام مؤخرًا عن "احتواء الكتب المدرسية الحكومية في قطر لأطفال المدارس على عدد من التعاليم الإشكالية التي تحضّ على الكراهية ومعاداة السامية"، كما ذكر أنّها تقوم بتعليم أن اليهودية "ديانة باطلة ومحرفة" وأن التوارة "تعلم اليهود القتل والسرقة والخداع، فضلا عن التفوق العنصري".

وعلاوة عن ذلك لا تتمتع المؤسسات أو المنظمات التي تنظم مثل هذه المؤتمرات الخاصة بالأديان والتي تقف ورائها قطر، بمصداقية لدى الدول الإسلامية على وجه الخصوص، كما تواجه قطر انتقادات حادة حول ملف حقوق الإنسان أبرزها الاتهامات الخطيرة التي وجهتها منظمات دولية تتعلق بانتهاكات قطرية صارخة لحقوق العمالة الأجنبية خصوصا في منشآت مونديال كرة القدم الذي تستضيفه الدوحة في 2022.

فتاوى القرضاوي تحت الرعاية التركية
فتاوى القرضاوي تحت الرعاية التركية

وأثار المؤتمر الذي كان من المزمع أن ينعقد الثلاثاء في الدوحة كثيراً من التساؤلات حول الدور الفعلي الذي تلعبه قطر في الخفاء لتأجيج خطاب الكراهية، وكيف أنّها تسعى من خلال مثل هذه الفعاليات إلى تلميع صورتها مهما كلفها الأمر حتى لو تحالفت مع الشيطان وليس الإرهابيين فقط.

وتروج شبكة الجزيرة الإخبارية التي يتولى أعضاء في العائلة الحاكمة في قطر مناصب رفيعة فيها، لتنظيم الإخوان المسلمين كتنظيم معتدل بينما يُلاحق عدد من قيادات الجماعة المصنفة إرهابية في عدد من الدول العربية فيما تعكف دول غربية على إدراجها على قائمة المنظمات المتطرفة.

كما أصبحت الشبكة القطرية التي تصفها وزارة الخارجية الأميركية بأنها مملوكة للدولة، مؤخرا منبرا لقادة من حركة طالبان الأفغانية المتشددة وأيضا من الفصائل السورية المسلحة المدعومة من تركيا.

وتتعارض المحتويات التي تسوق لها الجزيرة مع الجهود الدولية لمكافحة التنظيمات الإرهابية، حيث تحرص من خلال البرامج والتصريحات التي تبثها وسائل الإعلام التابعة لها عند استضافة متشددين ومتطرفين، على تأجيج الفتنة وتغذية التوترات في دول بعينها تقف ضد المحور القطري التركي ومشاريعه التوسعية في المنطقة وهو ترفضه عدد من الدول التي تعتبره تدخلا في شؤونها الداخلية.

وللدوحة تاريخ حافل بمثل هذه الأساليب حيث أصبحت قناة الجزيرة منبرا سياسيا للجماعات المتشددة وخاصة لتنظيم الإخوان المسلمين، الذين وظفتهم الدوحة وأنقرة مؤخرا لشق الصفوف في البلدان الإسلامية عندما حاولتا إنشاء قوة إسلامية لضرب التعاون بينها والذي كان طيلة الخمسين عاما الماضية تحت سقف منظمة التعاون الإسلامي التي تتخذ من مدينة جدة السعودية مقرا لها.

وأثار المؤتمر الذي تنظمه الدوحة جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبره نشطاء محاولة جديدة من قطر للفت الانتباه مجددا، والتسويق لمبادئ العيش المشترك والحريات الدينية، بعد أن فشلت مؤخرا في حشد الدول الإسلامية للمشاركة في قمة مسيسة حاولت الترويج لها على أنها تسعى "لمناقشة أحوال الأمة الإسلامية”.

وفي ديسمبر الماضي، فشلت قمة عقدت في العاصمة الماليزية كوالالمبور أشرفت على تنظيمها قطر وتركيا، في اقتناص دور الوصيّ على الإسلام في العالم، لكن في الواقع الخطوة كانت تهدف لضرب السعودية باعتبارها القوة الإسلامية الوازنة والراعية للمؤسسات الدينية الكبرى في مكة والمدينة والتي تدّعمت مكانتها بانتهاج المملكة سياسة انفتاحية.

وسعى المحور القطري التركي عبر قمة كوالالمبور الفاشلة لتوظيف الاصطفافات السياسية لضرب السعودية على مستوى نفوذها الديني التقليدي في جنوب شرق آسيا، لكن مقاطعة عدد من الدول ذات النفوذ الإقليمي والاستراتيجي في العالم الإسلامي مثل باكستان أفشل تلك المحاولة، باعتبار أن القمة التي حضر في مقدمتها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الإيراني حسن روحاني بالإضافة إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مسيسة بشكل فاضح وتطرح مواضيع سياسية تفرق بين المجتمعات بدل أن الجمع بينها وتدعم سبل التعايش السلمي والتسامح.

ويسعى النظام القطري في الفترة الأخيرة إلى خلق صورة إيجابية لدولة قطر باعتبارها منصة للتسامح وقبول الآخر على مستوى العالم في ظل تهم الإرهاب ودعم الجماعات المتطرفة التي تلاحقها وكانت سببا في مقاطعة دول خليجية لها ما جعلها في عزلة مستمرة إلى اليوم.

وفي 2017 قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر ودول عربية أخرى العلاقات الدبلوماسية والتجارية وروابط السفر مع قطر بسبب دعمها وتمويلها جماعات مصنفة إرهابية من ضمنها جماعة الإخوان المسلمين، وهي الفرصة التي استغلتها تركيا لاستمالة النظام القطري وإبعاده عن الصف العربي الإسلامي الموحد.

وتحرك أردوغان الذي يظهر نفسه كراعٍ للإسلام السياسيّ في المنطقة والعالم، في السنوات الأخيرة على أكثر من واجهة لإرباك نفوذ السعودية سواء بتحريك جماعات إسلامية سنية لتشويه المملكة والتشكيك في إسلاميتها، أو بالتحالف مع إيران.

قمة كوالالمبور الفاشلة فضحت مساعي أردوغان لاستنساخ تجربة إيران الطائفية
قمة كوالالمبور الفاشلة فضحت مساعي أردوغان لاستنساخ تجربة إيران الطائفية

وسبق وأن حذرت دول المقاطعة قطر من إرسال إشارات متناقضة حول دعمها للمنظمات الإرهابية لأنها لن تستجيب إلا إذا أعلنت الدوحة وبشكل قاطع وبضمانات قوية أنها قطعت مع مرحلة توظيف التيارات المتشددة في ابتزاز جيرانها وتهديد الأمن الإقليمي.

وتختلف الرؤية القطرية التركية المتطابقة للإسلام بوضوح عن الرؤية السعودية، حيث تطوع الأولى الإسلام ليكون في خدمة مصالحها السياسية في المنطقة تماما مثلما تتعاطى إيران مع التراث الشيعي ليظهر التشيع في صورة أداة ناعمة لتثبيت الهوية التاريخية الفارسية للإيرانيين. أما الثانية، التي تعتمدها السعودية، فتنظر إلى الدين كهوية روحية تستفيد منها رمزيا وماليا لكن دون أيّ رغبة في التمدد لاعتبار تكوينها التاريخي القائم على رقعة جغرافية ثابتة.

وكشفت مجلة “إنترناشيونال بوليسي دايجست” الأميركية، في سبتمبر الماضي، عن تكتيكات تضليلية تستخدمها قطر لمهاجمة خصومها.

وجاء في مقال نشرته المجلة للكاتب جويس توليدانو أن “التوترات بين قطر وجيرانها مستمرة منذ عام 2017 بسبب دعم الدوحة للإرهاب، لافتاً إلى إقرار قطر بأنها قدّمت بعض الدعم للجماعات الإسلامية، وهي جماعة الإخوان المسلمين”.

وتابعت المجلة أن “التكتل الداعم لقطر -الذي يضم تركيا وإيران- استخدم التضليل على نطاقٍ واسع إلى جانب التكتيكات الأخرى لوسائل الإعلام، وذلك من أجل تشكيل الروايات في المنطقة في مختلف الميادين، بينما لم تخش قطر أبدا من ممارسة نفوذها الإعلامي عبر قناة الجزيرة التي تدّعي أنها نزيهة”.

ومنذ أيام فقط، أحرج رئيس الفيدرالية الدولية للصحافيين يونس مجاهد الدوحة خلال احتضانها يومي 16 و17 فبراير الماضي مؤتمرا دوليا حول حرية الصحافة، مطالبا إياها بتطبيق ما تنظمه من مؤتمرات حول الحريات، وأن تكون هي السبّاقة لتنفيذ التوصيات التي تصدر عنها بخصوص حماية حرية التعبير، قبل أن تطالب الآخرين بذلك.

وقال مجاهد خلال كلمة ألقاها في المؤتمر الذي حمل عنوان “وسائل التواصل الاجتماعي: التحديات وسبل دعم الحريات وحماية النشطاء" إنه يتطلع إلى "أن تكون الخلاصات التي سنصل إليها مفيدة للبلد الذي يحتضن هذا الملتقى، ليتقدّم في احترام حرية الصحافة والحق في التعبير، ويضع قواعد الحريات الجماعية والفردية والشفافية، ويطبقها في قوانينه ومؤسساته، ويقدّم المثال قبل الآخرين في تطبيق هذه التوصيات”.

وكان حديث مجاهد عن التضليل وأساليب الدعاية التي تنتهجها بعض الحكومات للتأثير على الرأي العام ومهاجمة الدول الأخرى لافتا، حيث ظهر كتلميح صارخ لما تقوم به فعليا الدوحة التي جندت منذ سنوات وسائل الإعلام الرسمية أو المواقع الإلكترونية التابعة لها لتمرير أجنداتها في المنطقة باستخدام مشروع الإسلامي السياسي وفتح منبارها الإعلامية وأراضيها أمام قادة الإخوان المسلمين والمتشددين الإسلاميين وتمويلهم خدمة مصالحها.

وقال مجاهد في كلمته إن “العديد من الحكومات ومجموعات الضغط والمصالح أصبحت تلجأ كذلك لأساليب أخرى في استعمال سلبي لحرية التعبير عبر الوسائط الرقمية، وذلك بتمويلات ضخمة لتمرير دعايتها، عبر استعمال العديد من التقنيات لتضليل الرأي العام وإغراق الفضاء الرقمي بالدعاية والإشاعة، وأحيانا مهاجمة المعارضين، باستعمال مكثّف لهويات مزيفة وللجيوش الإلكترونية والروبوت وغيرها من وسائل التأثير الاصطناعي”.